حين جلس وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مع المسؤولين العراقيين في بغداد، الأسبوع الماضي، بالتزامن مع تصاعُد التوترات بين أمريكا وإيران، بعث برسالة دقيقة مفادها: إذا لم تقفوا إلى جانبنا، فتنحوا جانباً، بحسب صحيفة Washington Post الأمريكية.
وتلك الرسالة، بحسب ما نقلته وكالة Associated Press الأمريكية عن اثنين من مسؤولي الحكومة العراقية، تُوكد موقف العراق الحساس: حكومته مُتحالفة مع كلا الجانبين اللذين يخوضان مُواجهة تزداد حدةً وتعقيداً.
هناك مخاوف من أن تعلْق بغداد مُجدداً وسط النزاع بين الجانبين، بعدما بدأت تتعافى
ويستضيف العراق أكثر من 5 آلاف جندي أمريكي، كما أنه موطن ميليشيات قوية تدعمها إيران، ويريد البعض منهم أن تُغادر القوات الأمريكية البلاد.
يقول المُحلل السياسي العراقي واثق الهاشمي: "السؤال الكبير هو كيف سيتعامل القادة العراقيون مع مصالحهم الوطنية في بلدٍ ينتشر فيه الولاء للقوى الخارجية على حساب أمتهم".
وأضاف: "إذا لم يتمكن البلد من وضع تلك الميليشيات التي تدعمها إيران تحت السيطرة، فسيصبح العراق ساحة لنزاعٍ أمريكي-إيراني مُسلح".
الطرفان يعلنان عدم رغبتهما في خوض الحرب، لكن التوترات تتزايد بسبب تاريخ المنطقة المشحون
وعلى الرغم من تصعيد نبرة الخطاب من الجانبين، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه لا يريد شن حرب ضد إيران، وقال إنه مُنفتحٌ على الحوار. لكن التوترات لا تزال مُحتدمة، ويرجع السبب في ذلك جزئياً إلى تاريخ المنطقة المشحون.
وليس أمراً جديداً أن يكون العراق ساحة للحروب بالوكالة، إذ يقع البلد ذو الأغلبية الشيعية على خط الصدع بين إيران الشيعية والعالم العربي ذي الأغلبية السنية بزعامة المملكة العربية السعودية، ولطالما كان ساحة معركة تتنافس فيه المملكة وإيران على السيادة الإقليمية.
وأثناء الوجود العسكري الأمريكي الذي استمر ثمانية أعوام، وقد بدأ بغزو العراق في عام 2003، خاضت القوات الأمريكية والميليشيات التي تدعمها إيران معارك ضارية في جميع أنحاء البلاد، وقتلت الميليشيات المزودة بأسلحة إيرانية مُتطور وأصابت العشرات من القوات الأمريكية.
الميليشيات التي تدعمها إيران كانت قد قاتلت في صفوف القوات العراقية التي تلقت دعماً من واشنطن
وانسحبت القوات الأمريكية من العراق في عام 2011، إلا أنها عادت مُجدداً في 2014 بدعوة من العراق للمساعدة في قتال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بعد أن سيطر على مناطق شاسعة في شمال وغرب البلاد؛ بما فيها الموصل، ثاني أكبر المُدن العراقية.
وقدم التحالف الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية دعماً جوياً حاسماً، بينما أعادت القوات العراقية تجميع صفوفها وطردت تنظيم داعش في حملة باهظة التكلفة استمرت 3 أعوام.
وقاتلت الميليشيات التي تدعمها إيران إلى جانب القوات العراقية التي تدعمها الولايات المُتحدة الأمريكية، ما أكسبها نفوذاً وقوة.
بغداد اليوم عالقة في المنتصف، ومعرضة لتدهور أمني حال تعرض القوات الأمريكية لأي هجوم
والآن، وسط الصراع المُتصاعد بين الولايات المُتحدة الأمريكية وإيران، صار العراق عُرضة لأن يعلْق مجدداً في لعبة القوة تلك. وأي هجوم يستهدف المصالح الأمريكية في العراق قد يكون مضراً بجهود البلد الأخيرة للتعافي واستعادة وضعه في العالم العربي.
وفي وقت سابق من هذا العام، أثار ترامب حالة من الغضب في بغداد حين قال إنَه يريد بقاء قوات الولايات المُتحدة في العراق كي تتمكن من "مُراقبة إيران"، وهو ما يشير إلى تغير مهمة القوات الأمريكية هناك.
في 8 مايو/أيار، أجرى بومبيو رحلة خاطفة، لم يُعلَن عنها من قبل إلى العاصمة العراقية في أعقاب الإلغاء المفاجئ لزيارته إلى ألمانيا، وبالتزامن مع تلقي الولايات المُتحدة لمعلومات استخبارية تقول إنَ إيران تُهدد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
بومبيو حمل عدة رسائل للعراقيين، إحداها طلب منهم ألا يقفوا ضد بلاده
وقال المسؤولان العراقيان إنَ بومبيو قد أشار إلى معلومات استخباراتية تلقتها الولايات المُتحدة حول تهديد يواجهه قوات الولايات المُتحدة في العراق، إلا أنه أبقى الأمر غامضاً. وقالا إنَه لم يُحدد طبيعة ذلك التهديد.
وقال المسؤولان، اللذان تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما لسرية المعلومات، إنَ بومبيو قال للعراقيين إنَ أمريكا لا تتوقع منهم الوقوف إلى جانب الولايات المُتحدة في أي مواجهة مع إيران، ولكن يجب عليهم ألا يقفوا ضد أمريكا. وبعبارة أخرى، عليهم التنحي جانباً.
وبعد بضعة أيام، بينما استمرت التوترات الأمريكية الإيرانية في الاحتدام، أمرت وزارة الخارجية الأمريكية جميع موظفي الحكومة غير الأساسيين وغير الطارئين بمغادرة البلاد.
وقال مسؤولون أمريكيون إن بومبيو قال للعراقيين إن الولايات المتحدة الأمريكية لها "حق أصيل في الدفاع عن نفسها"، وستستخدِم هذا الحق في حالة مُهاجمة إيران ووكلائها في العراق أو في أي مكان آخر أفراد أو مُنشآت أو مصالح أمريكية.
وأضاف المسؤولون الأمريكيون وهم ثلاثة، لكنهم غير مخولين بمناقشة الاجتماعات الخاصة في بغداد علناً، وتحدثوا شريطة عدم الإفصاح عن هوياتهم، أن بومبيو لا يفكر في شن أي هجمات وقائية ضد إيران، ولا في استخدام الأراضي العراقية لشن هجمات عسكرية ضد إيران.
وكانت رسالة بومبيو، بحسب المسؤولين، هي أن الولايات المُتحدة ترغب في تجنب الصراع، ولكنها سترد أو تدافع عن نفسها إذا لَزم الأمر.
العراق من جهته أعلن عن تدابير أمنية لمواجهة التهديدات التي تتعرض لها المصالح الأمريكية
وقال وزير الخارجية الأمريكي للصحفيين على متن رحلته الجوية إن اجتماعاته مع الرئيس العراقي ورئيس الوزراء تهدف إلى التعبير عن الدعم الأمريكي لعراق "مُستقل ذي سيادة"، ومُتحرر من نفوذ إيران المجاورة. وقال بومبيو أيضاً إنه يريد التأكيد على حاجة العراق لحماية الأمريكيين في بلادهم.
وقال جنرال في وزارة الدفاع العراقية إن العراق يتخذ تدابير أمنية احترازية في ضوء المعلومات المتعلقة بالتهديدات التي تواجهها المصالح الأمريكية، وذلك على الرغم من أن هذه الإجراءات لم تصل إلى أعلى المستويات.
وأضاف الجنرال، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالحديث إلى وسائل الإعلام، أن "القوات العراقية قلقة من أن تستهدِف فصائل مواليةٌ لإيران القوات الأمريكية"، مشيراً إلى أنه من الممكن أن يُشن أي هجوم على القوات الأمريكية كرد انتقامي إذا نفذت الولايات المُتحدة الأمريكية عملية عسكرية ضد إيران.
تأتي تلك التوترات المتصاعدة بين إيران والولايات المُتحدة الأمريكية بعد عامٍ من الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العالمية، وبالتزامن مع الأمر الذي أصدره البيت الأبيض بنقل حاملة طائرات وقاذفات قنابل إلى المنطقة بسبب تهديد ما زال مجهولاً من إيران.
ويوم الأحد 12 مايو/أيار، زعمت الإمارات استهداف أربع ناقلات نفط قبالة ساحلها الشرقي بأعمال تخريب. ويوم الثلاثاء 14 مايو/أيار، قال الحوثيون في اليمن إنهم سيّروا سبع طائرات بدون طيار لاستهداف السعودية، وقال مسؤولون سعوديون إن الطائرات بدون طيار استهدفت محطات ضخ على امتداد خط أنابيب "شرق-غرب" الحيوي بالمملكة، ما أسفر عن أضرار طفيفة.