قال ناشطون وحقوقيون أردنيون، إن الأجهزة الأمنية الأردنية صعّدت من حملات استهدافها واعتقالها لناشطين ومعارضين خلال الفترة الأخيرة، حيث وصل عدد المعتقلين لنحو 20 ناشطاً وحراكياً معارضاً، بحسب تقارير إعلامية وحقوقية، آخرهم كان النائبة السابقة في مجلس النواب الأردني والناشطة في الحراك الشعبي هند الفايز مساء الخميس 16 مايو/أيار 2019.
وجاء اعتقال الفايز قبيل ساعات من الاعتصام الأسبوعي للحراك الأردني بالقرب من مقر الحكومة الأردنية على الدوار الرابع وسط عمّان، بالتزامن مع تنفيذ أردنيين لعشرات الوقفات والمسيرات الاحتجاجية بمناطق مختلفة من المملكة احتجاجاً على تدهور الأوضاع المعيشية وللمطالبة بالإفراج عن نشطاء الرأي.
وقالت مديرية الأمن العام الأردني، إن الفايز بحقها طلب تنفيذي قضائي على خلفية مطالبة مالية، وأمر بالحبس، حيث سيتم تسليمها لمصدر طلبها. لكن ناشطين وحقوقيين يقولون إنه ووفقاً لمذكرة اعتقال الفايز المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي يتضح أنها صدرت قبل 5 ساعات من اعتقال الفايز فقط، كما أن تواجد شرطة نسائية في دورية الاعتقال مؤشر على استهداف الفايز شخصياً لمشاركتها في الاحتجاجات الأسبوعية.
وانتقد نشطاء وحقوقيون أساليب الاعتقالات التي باتت تنفذ بحق الحراكيين في مختلف مناطق المملكة، واصفين بأنها "مهينة" لشخصيات الناشطين وترهب عائلاتهم وذويهم. إذ قالت الإعلامية والناشطة الأردنية عروب صبح على تويتر، إن الأجهزة الأمنية اعتقلت أيضاً رؤوف الدباس زوج النائبة السابقة الفايز، ووجهت له تهمة "مقاومة رجال الأمن"، خلال محاولته منع الأجهزة الأمنية من اعتقال زوجته هند.
تصعيد كبير ضد الحراكيين يتزامن مع رجوع حمّاد لوزارة الداخلية
قبل نحو أسبوع، وتحديداً في 9 مايو/أيار، صادق العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني على تعديل وزاري أجراه رئيس الوزراء عمر الرزاز هو الثالث على حكومته التي تشكلت في شهر يونيو/حزيران العام الماضي؛ إذ أطاح التعديل بوزير الداخلية سمير مبيضين، ليحل مكانه سلامة حماد الذي شغل المنصب ذاته أكثر من مرة في حكومات سابقة.
ويرى أردنيون أن هناك خصومة سابقة بين حماد، والفايز، وهما من عشيرة بني صخر. فقد اتهمت الأخيرة، خلال ترشحها لانتخابات مجلس النواب الأردني عام 2016، حماد والأجهزة الرسمية في ذلك الوقت بافتعال حادثة دهم مقرات الاقتراع في منطقة البادية الوسطى، وسرقة عدة صناديق اقتراع للعمل على إفساد الانتخابات والتزوير ضدها. وقالت الفايز في ذلك الوقت إن حمّاد أقسم أنها لا يمكن أن تصبح نائبة في البرلمان ما دام وزيراً للداخلية.
ويعرف عن الوزير حمّاد تعامله الخشن مع ملف الناشطين والحراكيين، ولا يستبعد ناشطون أن تعيينه مجدداً في هذا المنصب هو "لقصقصة أجنحة الحراكيين الذين علا صوتهم كثيراً" منذ احتجاجات رمضان الماضي التي أسقطت حكومة هاني الملقي، على إثر إقراره لقانون "ضريبة الدخل" المثير للجدل.
هذا وجدد نشطاء الحراك الأردني اعتصامهم للأسبوع الرابع والعشرين منذ إقرار حكومة عمر الرزاز قانون ضريبة الدخل قبل خمسة أشهر، للمطالبة بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية وجوهرية، إضافة إلى حكومة منتخبة. وندد المشاركون بالسياسات التي تنتهجها الأجهزة الأمنية من خلال اعتقال العديد من ناشطي الحراك، مطالبين بالإفراج عن كافة المعتقلين.
في السياق، تحدثت مواقع محلية أردنية عن اجتماع تم يوم الأربعاء 15 مايو/أيار بين وزير الداخلية بشخصيات من قبيلة بني حسن حول الأحداث الأخيرة التي اندلعت على خلفية اعتقالات طالت ناشطين من أبناء القبيلة. وأبدى أبناء القبيلة حالة من الغضب بسبب تصرفات الأجهزة الأمنية التي قالوا إنها قامت بترويع الأطفال والنساء في المنازل بعد مداهمات لها لعدد من المنازل لملاحقة حراكيين.
وبحسب المصادر المحلية ذاتها، تعهد حمّاد أمام الشخصيات والحراكيين بألا يتم اعتقال أي شخص بطريقة غير قانونية، أو أن يدخل رجال الأمن إلى أي منزل بطريقة الاقتحام التي تروع الأطفال والنساء، لكنه "طالب بخفض سقف الشعارات التي تطاول جميع مؤسسات الدولة".
تهم "إطالة اللسان" تلاحق الناشطين
بالرغم من اعتقال الأجهزة الأمنية نشطاء من حراكات شعبية خلال الأشهر القليلة الماضية، وإحالة بعضهم لمحكمة أمن الدولة، كالمعلّم والناشط المعروف صبري مشاعلة، فإن الحملة توسعت خلال الأيام الأخيرة، ليصل عدد المعتقلين لنحو 20 ناشطاً؛ في رسالة اعتبرها حراكيون من قبل السلطة تقول إن "سياسة الأمن الناعم في التعامل مع الهتافات ذات السقف العالي قد ولّت".
في الأثناء، يواصل المعلم المعتقل صبري المشاعلة -الناشط في حراك ذيبان (جنوب عمان)- إضرابه عن الطعام للأسبوع الثاني على التوالي احتجاجاً على اعتقاله وسجنه بتهمة "إطالة اللسان" بموجب قانون الجرائم الإلكترونية.
كما طالت حملة الاعتقلات أيضاً الناشط فيما يعرف "بحراك بني حسن" نعيم أبو ردنية المشاقبة قبل عدة أيام، حيث وجهت له تهم "إطالة اللسان" أيضاً، وبالإضافة لتهمتي "العمل على تغيير كيان الدولة، ومخالفة قانون الجرائم الإلكترونية"، وقرر المدعي العام توقيفه أسبوعين على ذمة التحقيق.
وجاء اعتقال أبو ردنية بعد مشاركته في اعتصام بالقرب من رئاسة الحكومة في منطقة الدوار الرابع مساء الخميس الماضي، رفعت فيه هتافات نالت من العاهل الأردني بشكل لافت.
وعقب اعتقال أبو ردنية شهدت منطقة الهاشمية في محافظة الزرقاء (شرق العاصمة عمان) مظاهرات احتجاجية، شهدت أعمال شغب وحرق إطارات وإغلاق طرق رئيسية وإطلاق نار من قبل محتجين على قوات الأمن، وفق مصدر أمني.
انتقادات للحالة وتحذيرات من تأزم المشهد السياسي في البلاد
في السياق، حذر برلمانيون وسياسيون وحقوقيون من استمرار الاعتقالات بحق الناشطين والمعارضين في ظل ما تمر به المملكة من تدهور اقتصادي وارتفاع في معدلات البطالة والفقر.
إذ انتقد عضو مجلس النواب الأردني صداح الحباشنة، عبر فيسبوك، اعتقال النائبة السابقة الفايز، معتبراً أن أسباب توقيفها بحسب ما نشرت الأجهزة الأمنية هي "عذر أقبح من ذنب". في حين علّق النائب طارق خوري عبر تويتر صباح الجمعة، على توقيف الفايز بالقول: "بالأمس سقطت حكومة الرزاز".
من جهته، قال سالم الفلاحات، القيادي الإسلامي ونائب رئيس حزب الشراكة والإنقاذ الأردني، في منشور له على "فيسبوك"، إن حملات اعتقال النشطاء الأخيرة باتت مقلقة جداً، داعياً إلى وقف الاعتقالات وإطلاق سراح المعتقلين فوراً، معتبراً أن "قوة الدولة تظهر بتلاحم سلطاتها مع شعبها، وحماية استقلالها وسيادتها، بإرادة صمود وتحد جامعة"، مضيفاً أن "الرضوخ للتهديدات والأخطار بهذه الممارسات الإجرامية لا يقود إلا للسقوط في الهاوية التي تدفع الدولة أثماناً أكبر من مواجهتها والتصدي لها"، حسب تعبيره.
من جانبها، قالت الحقوقية الأردنية هالة عاهد على تويتر، إن "قانون العقوبات الأردني يجرم طائفة واسعة من الأفعال التي تعد وفقاً لمعايير حقوق الإنسان ممارسة لحرية الرأي والتعبير"، مضيفة: "لا بد من إصلاح القانون، وإطلاق سراح كافة معتقلي الرأي، وعلى رأسهم صبري المشاعلة".