ما أسباب التوتر بين تركيا واليونان؟
تاريخياً لم تكن العلاقات بين دولتي الناتو تركيا واليونان جيدة بسبب الخلافات المتعلقة بقبرص والجزر في بحر إيجة، والتنافس الثقافي والتراثي بالإضافة إلى الحروب الأربع بينهما وأسبابها بعد استقلال اليونان عن الدولة العثمانية وقد شهدت العلاقات أكثر من محطة توتر وصلت أحياناً إلى ذروتها، ومؤخراً كان هناك عدة تطورات مثل رفض اليونان تسليم 8 عسكريين أتراك تابعين لتنظيم غولن لجأوا إليها بعد محاولة الانقلاب الفاشل في 15 يوليو/تموز 2016، كما اعتقلت القوات التركية جنديين يونانيين قالت اليونان إنهما عبرا الحدود بالخطأ، وفي مايو 2018 حصلت بعض المناوشات البحرية تبعتها تصريحات تهديدية متبادلة من الجانبين خاصة من وزير الدفاع اليوناني السابق بانوس كاميونس، وفي ديسمبر الماضي عاد وزير الدفاع لإثارة التوتر عبر الحديث عن عزم اليونان إعلان جزيرة كاستيلوريزو التي تبعد كيلومتراً ونصف عن الساحل التركي منطقة اقتصادية خالصة لليونان من أجل السعي لاستغلال الغاز الطبيعي الموجود في الجزيرة، وتعتبر الجزيرة من الجزر التي يوجد عليها خلاف بين البلدين، وترفض أنقرة أي عملية تنقيب عن الغاز في المنطقة دون التنسيق معها، وقد هددت أكثر من مرة باستخدام القوة ضد سفن كانت متجهة للتنقيب عن الغاز لصالح اليونان في المنطقة.
وقد "تم إدراج جزر بحر إيجة الشرقية تحت وضع منزوع السلاح بموجب العديد من الاتفاقات الدولية، بما في ذلك معاهدة لوزان لعام 1923 ومعاهدة باريس لعام 1947، وبالتالي على السفن العسكرية التي تعمل في بحر إيجة في إطار نشاط الناتو الامتناع عن زيارة جزر بحر إيجة منزوعة السلاح وفقاً للقانون الدولي، بما في ذلك التزود بالوقود أو زيارات الموانئ".
هل حدث تحسّن في العلاقات التركية اليونانية؟
في فبراير/شباط 2019 قام رئيس الوزراء اليوناني بزيارة تركيا والتقى مع الرئيس أردوغان وكان أجواء اللقاء دافئة، وقد عبر الرئيس التركي عن ذلك بقوله: "إننا على ثقة بإمكانية حل جميع القضايا والخلافات بين تركيا واليونان عبر الوسائل السلمية". وقد ناقش الطرفان قضايا متعددة منها إطلاق رحلات بحرية بين مدينة إزمير التركية وسالونيك اليونانية، وإنشاء خط حديدي سريع بين إسطنبول وسالونيك، وتطوير معبر إيبسالا – كيبي الحدودي.
وقد بدا أن العلاقة سوف تتحسن مع هذه الزيارة ولكن الضغط الداخلي في اليونان وضغط الأحزاب المتشددة أجبر رئيس الوزراء على عدم المضي كثيراً في تعاون مع تركيا وهذا بالإضافة إلى المواقف الدولية والإقليمية.
ما آخر حلقات التوتر بين اليونان وتركيا؟
كانت الحلقة قبل الأخيرة في هذه السلسلة هي انضمام اليونان إلى منتدى غاز شرق المتوسط مع مجموعة من الدول الأخرى، حيث استبعد هذا المنتدى تركيا رغم كونها من أهم الدول في هذا المجال، ما حذا بتركيا أن تعتبر المنتدى استهدافاً لها بالدرجة الأولى أو التفافاً عليها وعلى خططها في المنطقة. وقد جاء هذا بالإضافة إلى مجموعة من الخطوات التي قامت بها قبرص مثل عقد اتفاقيات مع شركات طاقة فرنسية وإيطالية وأمريكية.
وبعد أن قامت تركيا بالبدء عن التنقيب عن الغاز عبر سفينة الفاتح دعا رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس، دول الاتحاد الأوروبي، باتخاذ خطوات وإجراءات ضد تركيا حيال قيامها بأنشطة التنقيب عن الغاز قرب جزيرة قبرص. حيث يعمل تسيبراس على جعل القضية بين تركيا والاتحاد الأوروبي وليس بين تركيا واليونان أو تركيا وقبرص وفي هذا السياق جاءت عدة تصريحات عبرت عن القلق إزاء تحرك تركيا وقد رد وزير الخارجية التركي على تصريحات الخارجية الأمريكية التي عبرت عن القلق تجاه أعمال التنقيب التركية قبالة شواطي قبرص بأن تركيا سترسل سفينة تنقيب ثانية، وقال في زيارته لقبرص في 4 مايو/أيار الجاري بأن خطوات بلاده تمت في المناطق التي سمحت بها جمهورية شمال قبرص، وقد قالت الخارجية التركية إن تصريحات الخارجية الأمريكية لا تمت للحقيقة بصلة. وفي هذا السياق قدم مسؤولون لدى وزارة الخارجية التركية إحاطة لبعض ممثلي البعثات الدبلوماسية في أنقرة، فيما يتعلق بمستجدات أنشطة تركيا حول التنقيب شرقي البحر المتوسط.
وفي سياق متصل وإثر قبول تركيا قيام سفن الناتو بعملها لمكافحة الهجرة غير الشرعية وإنقاذ اللاجئين على سواحل بعض الجزر المتنازع عليها بين تركيا واليونان، صرح وزراء يونانيون بأن نشاطات الناتو تؤكد أنه لا يوجد حق لتركيا في هذه الجزر، وقد ردت تركيا على هذه التصريحات ودعت اليونان إلى التخلي عن محاولات فرض أمر واقع في بحر إيجة. وعادت اليونان لترد على التصريحات التركية ومن المحتمل أن تستمر هذه الردود خلال الأشهر القادمة.
ما التوقعات لمسار الأحداث في شرق المتوسط وفي العلاقة مع اليونان؟
يرتبط ملف قبرص بملف الجزر المتنازع عليها حيث إن قضية قبرص لم تصل لتسوية حتى الآن حيث تساند أنقرة قبرص التركية وقد أضاف العثور على موارد كبيرة من الغاز الطبيعي شرق المتوسط وحول قبرص المزيد من الأهمية للمنطقة والمزيد من التنافس بين مجموعة من الدول منها تركيا واليونان ومصر وإسرائيل بالإضافة إلى شركات الطاقة التابعة للدول الكبرى، وعند النظر إلى هذه الدول نجد أن هذه الدول تتلاقى مصالحها بطريقة أو بأخرى ضد تركيا، ولذلك يتوقع أن تكون ساحة التوتر الرئيسية بعد سوريا بين تركيا والقوى الغربية والإقليمية هي منطقة شرق المتوسط حيث تتالى إشارات التوتر القادمة من المنطقة.
هل يمكن أن تحدث مواجهة كبرى؟
وقعت خلال العام الماضي سلسلة أحداث من بينها تحرش فرقاطة يونانية بسفينة تنقيب تركية غرب قبرص، وقبلها اعترضت السفن الحربية التركية سفينة حفر تابعة لشركة إيطالية ومنعتها من التنقيب قبالة شواطئ قبرص، وبالرغم من أن هذه الشركات لم تعد مرة أخرى فإن شركات مثل الشركة العملاقة إيكسون موبيل الأمريكية وتوتال الفرنسية أكدت أنها ملتزمة بالتنقيب قبالة قبرص في تحدٍّ لتركيا، ولهذا مع إعلان تركيا إرسال سفينة تنقيب ثانية فإن اليونان ستكون غير مرتاحة ويمكن لأي خطوة أن تشعل وقود معركة بحرية ودبلوماسية، ولكن في المدى المنظور فإن اليونان وقبرص ستحاول الاستقواء بالاتحاد الأوروبي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.