نتائج التدخل الإماراتي في اليمن وليبيا كانت كارثية.. وها هي توجه أنظارها نحو السودان

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/05/16 الساعة 11:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/16 الساعة 13:20 بتوقيت غرينتش
محمد بن زايد آل نهيان ، ولي عهد أبوظبي، وحاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس الوزراء ونائب رئيس الإمارات، أرشيفية/ رويترز

أغدق الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس عام 2014، الذي قُدر له أن يصبح وزير دفاع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفترة من الوقت، بالثناء على المهارات القتالية للإمارات العربية المتحدة.

ونقل مقال نُشر في صحيفة The Washington Post حينها عن ماتيس قوله إن الإماراتيين "لا يرغبون في القتال فحسب، ولكنهم محاربون عظماء". وأضاف أنه داخل الجيش الأمريكي "هناك احترام متبادل وإعجاب بما فعلوه وما يمكنهم فعله".

ووصل الأمر بماتيس إلى تسمية الإمارات، التي يبلغ عدد سكانها الأصليين حوالي مليون نسمة من إجمالي عدد السكان البالغ 9 ملايين نسمة (إذ يشمل العدد المتبقي العمالة الوافدة والعمال المهاجرين)، بـ "أسبارطة الصغيرة".

مواجهة في اليمن

يقول الصحفي البريطاني بيل لاو، في مقالة كتبها بموقع Middle East Eye البريطاني، إن "أسبارطة الصغيرة" أظهرت منذ أوائل الألفينات همّتها في مهامها الجوية مع الأمريكيين في حربهم على طالبان، واكتسبت المزيد من الاحترام بإرسالها 1200 جندي إلى أفغانستان، ظلوا هناك حتى عام 2014.

وفي الوقت الذي تفاقمت فيه الفوضى خلال "الربيع العربي" الذي بدأ عام 2011 ليتحول إلى حرب في سوريا وليبيا، تحمَّس محمد بن زايد، حاكم الإمارات الفعلي وولي عهد أبوظبي، لإرسال قواته الجوية لتشارك في الحرب الليبية، فيما كان يمد بعض قوات المعارضة بالسلاح على أرض المعركة في سوريا، وقد اشترى الكثير من هذه الأسلحة المتقدمة من الولايات المتحدة.

جنود الإمارات في اليمن متهمون بالتسبب في قتل المدنيين وارتكاب انتهاكات (رويترز)
جنود الإمارات في اليمن متهمون بالتسبب في قتل المدنيين وارتكاب انتهاكات (رويترز)

ثم شنَّ حملة اليمن، مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في مارس/آذار عام 2015. ومع أن الإماراتيين حقَّقوا نجاحات مبكِّرة في جنوب اليمن، وأبعدوا قوات الحوثيين عن ميناء عدن الرئيسي، وحرَّروا مدينة المُكلا، وهي مدينة مرفئية مهمة أخرى، من قبضة القاعدة، استمرَّت الحرب لأكثر من أربع سنوات، وكانت لها عواقب وخيمة على شعب دولة من أفقر دول العالم العربي.

السعوديون والإماراتيون وصلوا إلى طريق مسدود في اليمن

وتضافرت جهود الإماراتيين مع حركة انفصالية، وهي المجلس الانتقالي الجنوبي -كان جنوب اليمن دولة منفصلة حتى عام 1990- ودرَّبوا وسلَّحوا مجموعة متنوعة من الميليشيات، لكن لم يتمكنوا لا هم ولا السعوديون من انتزاع السيطرة على ميناء الحديدة الحيوي المطل على البحر الأحمر من الحوثيين.

ولم تصمد الهدنة الهشة، التي تفاوض عليها المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث في ديسمبر/كانون الأول، كثيراً، وكانت هناك مواجهة على الأرض، مثل تلك الدائرة في مدينة تعز، وهي مدينة مهمة أخرى.

ووفقاً لمجموعة الأزمات الدولية، حقَّق الحوثيون مكاسبَ في مواجهتهم مع القوات المدعومة من الإمارات في شرق تعز، وسيطروا على بلدتين، وهدَّدوا بقطع الطرق المؤدية إلى عدن.

يقول الصحفي لاو، إن أفضل وصف لوضع اليمن هو أنه وصل إلى طريق مسدود، إذ يبدو أنه ليس لدى الإماراتيين ولا السعوديين استراتيجية انسحاب من حرب شُنت دون أدنى تفكير في العواقب، وفي ظل افتراض خاطئ بأن الحوثيين سوف ينهارون بسرعة.

وبعد مرور أكثر من أربع سنوات، تشير التقديرات إلى أن عدد الوفيات بين المدنيين قد تجاوز 50 ألف شخص، ويواجه الملايين انعدام الأمن الغذائي والمجاعة، فيما يواجه عشرات الآلاف من الأطفال خطر الموت بالأمراض التي يمكن الوقاية منها، وقُصف جزء كبير من البنية التحتية للبلاد وسُوت بالأرض. وهناك الكثير مما يجب على الإمارات الإجابة عنه، فيما يبدو أنه أصبح مغامرة عسكرية فاشلة، وهو أمر يزداد وضوحه.

ومعركة ليبيا وصلت إلى طريق مسدود

وفي الوقت نفسه، اختار الإماراتيون، بالتعاون مع مصر هذه المرة، التعاون مع زعيم الحرب الليبي خليفة حفتر. إذ قدَّموا له الدعم، وسلَّحوا جيشه الذي سمَّاه "الجيش الوطني الليبي" (LNA) منذ عام 2014، فيما يسعى لإسقاط حكومة فايز السراج المعترف بها دولياً.

وشنَّ حفتر هجوماً على العاصمة الليبية طرابلس، في 4 أبريل/نيسان، في الوقت الذي وصل فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى المدينة، للتحضير لما كان من المقرر أن يكون محادثات سلام بين الجانبين.

ومرة أخرى، كان الرهان على افتراض النصر السريع والسهل، وأن قوات السراج سترتبك وتأخذها المفاجأة. ولكن بعد مرور شهر لم يكن هذا هو الحال. ومثلما حدث في اليمن وصلت المعركة إلى طريق مسدود.

أعمدة الدخان ترتفع جنوب طرابلس الليبية في 29 أبريل (اف ب)
أعمدة الدخان ترتفع جنوب طرابلس الليبية في 29 أبريل (اف ب)

تراجعت المكاسب التي تحقَّقت مبكراً، بما فيها استيلاء قوات حفتر على الأحياء الموجودة في ضواحي طرابلس. يحظى حفتر بدعم عسكري من الإمارات، وبدعم مادي من السعوديين، وبدعم سياسي من ترامب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، غير أنه كلما يطول المأزق يصير موقفه أضعف.

عند سؤاله عن صفات حفتر باعتباره قائداً عسكرياً، قال المحلل السياسي الليبي طارق المجريسي: "إنه غير كفء في أفضل الأحوال، مثلما كان في أغلب أوقات مسيرته المهنية، لقد باغت بعض الأحياء على حين غِرة".

يعتقد المجريسي أن عدد الخسائر في الأرواح على جانب طرابلس، المقدر بـ 400 حالة وفاة، ربما يكون ضعف هذا الرقم. ووصف القتال بأنه "دموي جداً"، إذ يستخدم حفتر صواريخ غراد، والطائرات المُسيرة المسلحة لإرهاب المدنيين ومهاجمتهم. وقال إن دعم ترامب لحفتر -الذي يحمل جنسية أمريكية- كان ذا أهمية ضخمة، نظراً إلى أنه عرقل بالفعل أي محاولات للتوصل إلى حل دبلوماسي.

ويبدو أن ترامب اقتنع برأي السيسي خلال زيارته إلى واشنطن مؤخراً، بأن يلقي بثقله خلف حفتر. وكانت النتيجة مكالمة هاتفية إلى أمير الحرب من الرئيس الأمريكي، وهو ما جاء على عكس مشورة وزارة الخارجية ووزارة الدفاع.

التقى السراج -الذي يطوف العواصم الأوروبية للحصول على دعم دولي- مع ماكرون، في 8 مايو/أيار، ونصح فرنسا بأن "يكون لها موقف سياسي واضح حول الوضع في ليبيا". وقال: "كنا قريبين من اتفاقية وحلٍّ محتمل بدعم دولي" عندما شنَّ حفتر الهجوم.

هل تكون السودان المحطة التالية؟

يقول لاو في مقالته، تعتبر ليبيا ساحة حرب أخرى، ومأزقاً آخر بالنسبة للإماراتيين. وقد يتعرَّض مزيد من المدنيين الأبرياء للقتل أو الجرح، مع سعي محمد بن زايد وراء هدفه لجعل الإمارات قوة رئيسية في الشرق الأوسط. وقد يتساءل أحدهم: أين سيذهب بعد ذلك؟

متظاهرون سودانيون يرفضون التدخل الإماراتي والسعودي في شؤون بلادهم/ مواقع تواصل
متظاهرون سودانيون يرفضون التدخل الإماراتي والسعودي في شؤون بلادهم/ مواقع تواصل

الأرجح أن السودان ستكون المحطة التالية، حيث شهدت البلاد الإطاحة بعمر البشير بالطرق السلمية.

تحاول الإمارات، جنباً إلى جنب مع السعودية، تدعيم القادة العسكريين الذين يقودون المجلس الانتقالي. وقد تعهَّد البَلَدان بالفعل بتقديم مليارات الدولارات إلى البلاد، ونشر وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، أنور قرقاش تغريدة قال فيها: "يحق للدول العربية بشكل كامل دعم انتقال منظم ومستقر في السودان، على أن يوازن هذا الانتقال بعناية بين التطلعات الشعبية والاستقرار المؤسسي".

لكن المتظاهرين لا يثقون في الجيش، لذا ما الذي سيحدث إذا هدّدوا ما وصفه قرقاش بـ "الاستقرار المؤسسي"؟ هل سيميل محمد بن زايد إلى اللجوء إلى السلاح مرة أخرى؟

أم أن المسألة تشير إلى أن "إسبرطة الصغيرة" -وهو المُسمى الذي يُطلق على الإمارات- تعلمت درساً من المآزق في ليبيا واليمن؟ وإذا كان الأمر هكذا فقد كانت الكلفة باهظة على شعبَي البلدين، من المأمول ألا يكون مثل هذا المصير على وشك أن يلحق بالشعب السوداني.

تحميل المزيد