تعلّمت الكثير خلال السّنوات الخمس الأخيرة، أي منذ العشرين من عُمري إلى الآن. تعلّمت أشياء من مواقف الحياة اليومية ومن النّاس، وأشياء أخرى تعثّرت بها بنفسي كما لو كنت أحفر باحثة عن كنز. ما سأقدّمه هنا هو نصائح ثمينة بالنسبة لي؛ لأنني وصلت إليها بالمعاناة وليالٍ من الأرق وأحياناً كثيرة ببعض المآسي التي لم يشعر بها أحد غيري.
1- " لا شيء أبديٌّ أو كاملٌ في هذا الكون مهما بلغت قوّة إحساسك بذلك"
ستصادف في طريقك أشخاصاً يجعلونك تشعر بأشياء كثيرة فترة من الزّمن، تعتقد معها أنها ستبقى خالدة للأبد. في الواقع، من الجميل أن تشعر بأنه لا يوجد ما بإمكانه إيقافك أو إيقاف ما تشعر به، ولكنّ قليلاً من الواقعية مطلوب جدّاً لتفادي السقوط من الأبراج الشاهقة في لحظات الانكسار.
مهما كان ما تشعر بك، وأياً كان من يحاول إقناعك بأبديّة السعادة أو الحبّ، ضع دائماً نصب عينيك حقيقة، مفادها أن كلّ شيء في هذا الكون متحرّك مُتغيّر وقابل للزّوال دون تفسيرات منطقية.
هذا لا يعني أن تتخذ الشّك رفيقاً لك، وتكفُر بالإنسانية وما يأتي منها؛ لأن هذا الحلّ ممكن أيضاً، لكنه حلّ جذري لا ينفع للأمد الطويل. الحل المثالي هو أن تسمح للحياة بإقناعك بما تريده شرط أن تذكّر نفسك بأنها قد تكون مزحة أو لعبة من ألاعيبها المعتادة. أهمّ شيء أن يكون دائماً أسوأ السيناريوهات أمامك. إن عملت بهذه النصيحة فلن تقتلك خيبات الحياة مهما بلغت حدّتها ومهما تكرّرت في حياتك.
2- "من الجيّد أن تكون طالباً مجتهداً، ولكن صدّقني، الدراسة ليست سوى نصف النجاح في الحياة"
قد يبدو الأمر جنونياً لذلك النوع من الطلبة، الذين يعتقدون أنهم بالحصول على علامات كاملة طيلة سنوات الدراسة سيصبحون ناجحين ولن يوقفهم شيء في الحياة بعد ذلك. لكن التجربة تقول عكس ذلك تماماً.
الدراسة تمثّل نسبة قد لا تتجاوز في الغالب الخمسين في المائة من نسبة النجاح في الحياة. النسبة المتبقّية ترتبط بشخصية الإنسان التي لا تعلّمنا الجامعات كيف نبنيها.
لا تنسَ وأنت تتبارى على العلامات الكاملة أن تبني شخصيتك، وقبل ذلك أن تكتشفها.
تقدّم لنا البرامج التعليمية العديد من المواد والتخصصات التي ندرسها جنباً إلى جنب، ولكن هذا بالضبط ما يسبّب التيه والضياع في نهاية المطاف بالنسبة للجميع. إذا كنت متفوقاً في الرياضيات والفيزياء وعلوم الأرض والفضاء، كيف ستعرف في النهاية لأي مسار خُلقت وما المجال الذي ستقدّم فيه الكثير؟ الشّغف لا يكفي. هناك ظروف في أرض الواقع قد تغيّر مسارك بشكل جذري وإذا لم تكن تملك تلك الشخصية التي بنيتها فربما كلّ ما ستصل إليه هو وظيفة في مدرسة، تقوم فيها بتدريس التلاميذ تلك المواد الدراسية التي كنت متفوقاً فيها. ومهما بدت لك هذه المهنة ممتعة فإنك ستتساءل طيلة حياتك عن الهدف من وراء ما كنت تقوم به، ستسأل نفسك كثيراً عن المعنى الكامن وراء حياتك، وعمّا فعلته لإحداث تغيير أو ترك بصمة في العالم؟
3- "ما تقوم به على الإنترنت لا يمثّل سوى نسبة ضئيلة مما يمكنك القيام به"
أعتقد أنك واحد ممن يستعملون الإنترنت لأجل مواقع التواصل الاجتماعي بنسبة كبيرة، والبحث عن على محركات البحث، وأحياناً مشاهدة الأفلام والمسلسلات. وأعتقد أيضاً أنك تتساءل الآن: وماذا يُفترض بي أن أفعل أكثر من ذلك؟
تخيّل ملايين البشر الذين يقومون بالشيء نفسه طيلة اليوم. كيف تتوقع أنك ستكون يوماً مختلفاً عنهم؟
يقولون إن التّفوق هو مجرّد عادة وليس أمراً خارقاً للعادة. وأنا أقول إن شخصيتك المستقبلية ليست سوى تلك الأفعال الصغيرة التي تقوم بها صباح مساء بشكل يومي دون أن تعيرها اهتماماً.
ابحث في الإنترنت عن أشياء أخرى لفعلها، أشياء ليست شائعة كثيرة بين أقرانك، وسترى الفرق بعد عدة أشهر.
مثال: ابحث عن مناظرات في مواضيع مختلفة وشاهدها بشكل يومي أو أسبوعي. بعد أشهر، ستتعلم فنون المناظرة دون أن تحتاج أستاذاً.
قم بالبحث عن كتب وموسوعات واقرأ أكثر من 40 صفحة أسبوعياً، وبعد أيام ستكتشف أن ثقافتك انتقلت من مستوى إلى آخر دون مجهود كبير.
ابحث عن أشياء مهما بدت تافهة، ادخل مواقع غريبة واكتشف. ابحث عن فرص تعليمية وفيديوهات تاريخية، تعلّم كيف تصنع شيئاً جديداً أو طوّر مهاراتك الحالية.. هناك الكثير مما يمكنك فعله إذا قمت بالبحث يومياً، لا تنتظر أن يخبرك الآخرون بمكان الكنز، جده بنفسك!
4- "لا تجد وظيفة في بلدك؟ هناك 195 دولة في العالم!"
لا تخبرني بأن الأوضاع صعبة ولا توجد وظيفة في بلدك وأنك بحثت كثيراً دون فائدة. هل تعلم أن عدد دول العالم 195 دولة وأن أرض الله واسعة؟ إن لم تجد رزقك في الأرض فابحث عنه في السّماء أو البحر أو وراء الجبال ولا يمكن ألا تجده بعد ذلك.
مشكلتنا أننا نعتقد أننا نقوم بجهود في الحقيقة ليست سوى محاولات ضعيفة لإيجاد شيء ما، وأننا لا نرى أبعد من أقدامنا.
هل وصل بك الجنون يوماً إلى إعداد سيرة ذاتية بلغة أخرى والتقديم لوظائف في قارات أخرى على الإنترنت؟ إذا لم تفعل ذلك فكيف تجرؤ على القول بأنه لا توجد وظيفة؟ وحتى لو فعلت، كم دولة قدّمت لها ورفضتك؟ لا أعتقد أنك قدمت لـ195 دولة بكل الأحوال.
5- "أربع لغات لم تعد تكفي في هذا القرن"
كم لغة تتحدث إضافة إلى العربية والإنكليزية؟ واحدة؟ ولا واحدة؟ لُغتان؟ المجموع الكلّي هو أربع لغات؟ حسناً، هل فكرت يوماً في تطوير طموحك؟
في هذا العالم هناك أنظمة اقتصادية تنمو كلّ يوم وهناك دول ترتقي من القاع لقمة الحضارة، وكونك لا تتحدث لغاتها سيشكّل لك مشاكل عويصة على المدى الطويل.
لا تصدّق من يقول لك إن الإنكليزية والفرنسية تكفيان. ارفع نسبة طموحك وتعلّم الصينية أو اليابانية أو الألمانية، وحين تنتهي منها ابدأ تعلم البولندية والإيطالية والإسبانية. وحين تنتهي تعلّم الهندية والفارسية.
لماذا لا تفعل ذلك الآن؟ لا تملك الوقت الكافي؟ حسناً. ضع ورقة أمامك واكتب عليها الإنجازات التي حققتها في السنوات الخمس الأخيرة والتي كانت تأخذ منك كلّ الوقت. أنا أتحدث عن خمس سنوات وإن لم تكتب على الأقل 11 إنجازاً فانس الأمر. هذا يعني أنك لم تستغل السنوات الخمس كما يجب.
لكن، لم يفت الأوان بعد. لديك خمس سنوات أخرى يمكنك خلالها أن تتعلم على الأقل أساسيات 3 لغات جديدة إذا كنت ترغب في رفع فرص نجاحك وتطوير شخصيتك وسيرتك الذاتية والوصول إلى مرتبة لطالما كنت تحلم بها.
في النهاية، تذكّر دائماً أن هناك كنزاً يخصّ كلّ إنسان على وجه البسيطة. ولكن لا يوجد شخص قادر على إيصالك لكنزك. احفر لتجده بنفسك، وتذكّر دائماً أن هناك الكثير من أدوات الحفر والكثير من الخرائط، وأماكن البحث لا محدودة. فإذا لم تنجح المطرقة فجرّب آلة الحفر، وإذا لم تجد الكنز عند باب البيت فجرّب باب بيت الجيران. وإذا لم تجد خريطة تدلّك على المكان، فاصنع خريطة بنفسك.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.