في لقاءٍ مع الصحفيين في نيويورك، الشهر الماضي أبريل/نيسان، قدَّم كبير الدبلوماسيين الإيرانيين تذكرة لما رأى أنَّه يصيب بلاده. فانتقد وزير الخارجية جواد ظريف فريق "الباءات الأربع"، وهم مجموعة رجال يُوجِّهون، من وجهة نظر ظريف، الولاياتِ المتحدة بصورة غادرة نحوَ الحرب مع إيران.
وهؤلاء هم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد الإمارات والحاكم الفعلي لها محمد بن زايد، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جون بولتون. ينظر أول رجلين، وهما أميران عربيان سُنّيان إلى إيران باعتبارها عدواً إقليمياً، ولم يُخفِ آخر رجلين مناهضتهما لاستخدام الدبلوماسية مع إيران، ورغبتهما بدلاً من ذلك في تغيير النظام هناك.
وشدَّد ظريف على أنَّ هؤلاء الرجال الأربعة على خلاف مع الرئيس دونالد ترامب، وهو زعيمٌ ينفر من التورُّط العسكري في الشرق الأوسط، وشخصٌ -في حال استمع إلى قناعاته- سيكون سعيداً بإبرام اتفاق مع الجمهورية الإسلامية، بدلاً من محاولة الضغط عليها حتى إخضاعها. لكن في حال كان وزير الخارجية الإيراني يعتقد حقاً قبل بضعة أسابيع أنَّ ترامب سيتَّخذ توجّهاً مختلفاً، فإنَّه ربما يعتقد غير ذلك الآن.
إذ أفادت صحيفة The New York Times الأمريكية، الإثنين 13 مايو/أيار 2019، بأنَّ وزير الدفاع الأمريكي بالوكالة باتريك شاناهان قدَّم الأسبوع الماضي خطةً عسكريةً مُحدَّثة تضمَّنت عملية نشر محتملة لـ120 ألفاً من القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، وهو ما قد يُشكِّل نظرياً نقطة الانطلاق اللوجستية لـ "غزوٍ بري لإيران".
وفَعَلَ شاناهان ذلك على ما يبدو بناءً على طلبٍ من بولتون، الذي نشر قبل وقتٍ ليس ببعيد مقطع فيديو لنفسه وهو يُعلن وصول مجموعة حاملة طائرات أمريكية إلى المنطقة، رداً على التهديدات الجديدة المُفتَرَضة من إيران وميليشياتها الوكيلة في العراق واليمن ومناطق أخرى.
وأشارت الصحيفة إلى أنَّ "المراجعة رفيعة المستوى لخطط وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) قُدِّمَت أثناء اجتماعٍ بشأن السياسة الأوسع تجاه إيران. وعُقِد هذا الاجتماع بعد أيامٍ ممَّا وصفتها إدارة ترامب، دون تقديم دلائل، بأنَّها معلومات استخباراتية جديدة، تشير إلى أنَّ إيران تحشد الجماعات الوكيلة لها في العراق وسوريا، لمهاجمة القوات الأمريكية".
ترامب لم ينفِ خطة شاناهان
وفي اليوم التالي، استهزأ ترامب بالتقرير، لكنَّه لم ينفِ أنَّه قد يُرحِّب بالتزام كهذا. فقال للصحفيين: "إنَّها أخبار زائفة، حسناً، الآن هل يمكن أن أفعل ذلك؟ بالطبع. لكنَّنا لم نُخطِّط لهذا، وآمل ألا نضطر للتخطيط لهذا، وإذا ما فعلنا فسوف نرسل قواتٍ تصل إلى رقم أكبر بكثير من رقم الـ120 ألفاً الذي ذكرته صحيفة The New York Times".
يقول إيشان ثارور، وهو كاتب متخصص بشؤون السياسة الخارجية لدى صحيفة The Washington Post الأمريكية، إنَّ المخططين العسكريين الأمريكيين واعون تماماً للمخاطر الهائلة للصراع مع إيران. لكنَّ هذا لا يعني أنَّ القيادة السياسية الأمريكية ستنأى بالبلاد عن مسار الصدام، فكما هو الحال مع فنزويلا وكوريا الشمالية، يبدو أنَّ ترامب ترك بولتون يتولى زمام المبادرة مع إيران، ما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة محتملة.
وتسعى حملة "أقصى قدر من الضغط" التي تتبعها إدارة ترامب على النظام الإيراني لوقف صادرات النفط الإيراني، وإجبار النظام على تغيير سياساته في المنطقة. (يُحذِّر الخبراء من أنَّ العقوبات لا تُسهِم إلا في شحذ المشاعر القومية بين الإيرانيين). ورداً على ذلك، وبعد عام من حساب العقوبات التي أعادت الولايات المتحدة فرضها على إيران، استئنفت الحكومة الإيرانية عدداً من أنشطتها النووية التي كبحها الاتفاق النووي بين طهران والقوى العالمية، وهو الاتفاق الذي اختار ترامب رفضه بتشجيعٍ من بولتون.
تصاعدت التوترات بعد الهجمات المزعومة في عطلة نهاية الأسبوع على أربع ناقلات نفط قبالة سواحل الإمارات، وهي الهجمات التي ربطها مسؤولٌ أمريكي مجهول الهوية بإيران. وقالت السلطات السعودية أمس الثلاثاء 14 مايو/أيار، إنَّ طائرات مسلحة بدون طيار أطلقها المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران قد استهدفت محطتي ضخّ على خط أنابيب سعودي رئيسي.
ونفى المسؤولون الإيرانيون ضلوعهم في هجمات الناقلات، وادَّعوا أنَّه يجري خطأً تصويرُهم باعتبارهم مسؤولين عن التخريب. وتشير إدارة ترامب منذ فترة طويلة إلى سلوك إيران وحلفائها المسلحين "المُزعزِع للاستقرار" في المنطقة، ويخشى المحلِّلون الآن من أنَّ الحواجز التي حالت قبل ذلك دون حدوث تصعيد خطير، قد تساقطت.
لم تعد التهديدات خطابية
وكتبت روبن رايت، الكاتبة بمجلة The New Yorker الأمريكية: "الشعور بنُذر الشؤم ملموسة، والتهديدات من كلا الجانبين لم تعد تهديدات خطابية. قبل بدء مفاوضات الاتفاق النووي عام 2013، كانت واشنطن مُستهلَكة بالحديث المبهم عن قصف الولايات المتحدة وحلفائها لإيران. وفي حال انهار الاتفاق النووي رسمياً، قد يملأ الحديث عن المواجهة العسكرية كلتا العاصمتين مجدداً، حتى لو لم تكن أي من الدولتين ترغب في ذلك".
وفي مقابلة مع شبكة CNN الأمريكية، أشار مجيد تاخت روانشي، السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة، إلى أنَّ الحديث عن عمليات انتشار جديدة للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط تُمثِّل "حرباً نفسية"، ثُمَّ كرَّر حديث ظريف. فقال: "لن يستفيد أحد من صراعٍ كهذا في منطقتنا، باستثناء قِلة في واشنطن وبعض الدول في جوارنا".
في الوقت الراهن، تصرُّ إدارة ترامب على أنَّها لا ترغب في معركة. فقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، على هامش لقاءاته مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو الثلاثاء: "نحن في الأساس لا نسعى إلى حربٍ مع إيران. وقد أوضحنا للإيرانيين كذلك أنَّه في حال هُوجِمَت المصالح الأمريكية، فإنَّنا بكل تأكيد سنردُّ بصورة مناسبة".
تحركات البيت الأبيض تثير حفيظة حلفائه في أوروبا
لكنَّ تحركات البيت الأبيض أثارت بوضوح حفيظة الحلفاء في أوروبا وغيرها، باستثناء شخصيات "الباءات الأربع" الذين حدَّدهم ظريف. وانضم بومبيو يوم الإثنين دون جدوى لاجتماع لوزراء الخارجية الأوروبيين، على أمل حشد جبهة موحدة بشأن إيران، لكنَّه غادر بخُفّي حنين. فنبَّهت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، من أنَّه بدلاً من "أقصى قدر من الضغط" على إيران"، "ينبغي أن يكون الموقف الأكثر مسؤولية الذي يُتَّخَذ هو أقصى قدر من ضبط النفس، وتجنُّب أي تصعيدٍ على الجانب العسكري".
وأعلنت السلطات الإسبانية، أمس الثلاثاء، أنَّها ستسحب فرقاطة من مجموعة بحرية تقودها الولايات المتحدة في الخليج، لأنَّ مدريد لا تريد أن تكون طرفاً في مهمة معادية لإيران بشكلٍ صريح. فقالت وزيرة الدفاع الإسبانية بالوكالة مارغريتا روبلز للصحفيين في بروكسل: "اتَّخذت الحكومة الأمريكية قراراً خارج إطار ما كان مُتَّفقاً عليه مع البحرية الإسبانية".
وفي نفس اليوم، وبحسب صحيفة The Guardian البريطانية، قال مسؤول عسكري بريطاني كبير في التحالف الدولي لمحاربة داعش، إنَّه "لا يوجد تهديد متزايد من القوات المدعومة من إيران في العراق وسوريا"، وهو ما يتعارض فيما يبدو مع آخر رسائل المسؤولين المدنيين والعسكريين الأمريكيين.
يرى بعض المحللين أنَّه لم تجرِ الاستفادة من دروس غزو العراق عام 2003، الذي شهد تطويع بولتون وبعض المسؤولين الأمريكيين الآخرين المعلومات الاستخباراتية من أجل تبرير الحرب.
فقالت إليز جوردان، المسؤولة السابقة في البيت الأبيض، إبَّان حكم جورج بوش الابن، في لقاءٍ مع شبكة MSNBC الأمريكية: "لا أصدق حقاً أنَّنا لم نتعلم أي شيء من العقد الأول من هذا القرن، بل نحن في الحقيقة نفكر في التصعيد مع إيران في حربٍ من شأنها زعزعة استقرار المنطقة أكثر، وإطلاق العنان لفوضى لا يعلمها إلا الله، في منطقة مضطربة جداً بالفعل".