قبل احتلال الأوروبيين لأستراليا في أواخر القرن الـ18، كان يسكن أستراليا سكانُها الأصليون الذين كانوا ينحدرون من 250 أسرة.
استولت بريطانيا على النصف الشرقي منها في العام 1770، وكان أول استحواذ رسمي عليها في 1788.
جمع الأوروبيون عدداً ضخماً من المصنوعات اليدوية الخاصة بالسكان الأصليين أثناء استعمار بلادهم، من بينها أسلحة، وحقائب، وألعاب وملابس، ومراكب، ومقتنيات احتفالية، والبقايا البشرية للأجداد.
وبدأ عددٌ من المؤسسات التي تحتفظ بهذه العناصر في إعادتها إلى السكان الأصليين، لكنَّ كثيرين يغضون الطرف عن الدور الحاسم الذي أدَّاه الجامعون في التهجير القسري للسكان الأوائل لهذه المناطق (شعوب كندا الأصلية).
أُنشئ متحف كوينزلاند وهو أحد المتاحف المعنية بجمع بقايا مقتنيات السكان في العام 1862، وتكدَّس بمجموعة ضخمة من الأعمال اليدوية على مدار الستين عاماً التالية.
كان العنف سلوكاً أساسياً لجمع المتحف لـمقتنياته، رغم الممارسات الكثيرة غير الموثَّقة بين الصانعين والمالكين والجامعين وأمناء المتاحف، إذ تعدت لنبش القبور وخطف الجثث بهدف جمع المعروضات.
إذ تتمتَّع العديد من المؤسسات داخل أستراليا وخارجها بتاريخٍ إشكاليٍ في مجال جمع المعروضات، وخاصةً حين يتعلَّق الأمر بدراسة رفات الإنسان.
دعوات لإعادة المقتنيات لأصحابها..
ويدعو نشطاء في مجال حقوق الإنسان إلى إعادة المقتنيات الثقافية لأصحابها منذ عقود، ما دفع بعض المتاحف الأسترالية -مثل متحف كوينزلاند- إلى تطوير برامج وسياسات لإعادتها بالفعل.
ويتعاون مع مجتمعات سكان أستراليا الأصليين وسكُان جزر مضيق توريس حتى تحظى عمليات إعادة رفات الأجداد والقطع المقدسة بالأولوية القصوى. لكنه لا يزال مُحتفظاً بالكثير من المقتنيات التي جُمِعَت بالعنف.
وحسب موقع The Conversation الأسترالي، فإنه لا تُوجد أدلة على علاقة المتحف بعمليات قتل المستوطنين للسكان الأصليين، لكنه متورِّطٌ في أعمال السلب والنهب، باعتباره المستفيد المستتر من تلك العمليات التي نفَّذتها الشرطة والحُماة والمُبشِّرون والأطباء المستوطنون الذين شكلوا شبكة الجامعين.
وصرَّح متحف كوينزلاند لموقع The Conversation الأسترالي: "نعتقد أنه من المهم رواية هذه القصص وفهمها، وندرك أن الماضي مؤلم، ونحن نعمل بجد من أجل مناقشة هذه القضايا.
وتُقِرُّ شبكة متحف كوينزلاند أنَّهم حصلوا على الكثير من بقايا أسلاف السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس، ومرفقاتهم الجنائزية، وقطعهم المقدسة، دون موافقة ودون اتِّباع العادات والأعراف التقليدية، وذلك في الفترة التي تراوحت بين سبعينيات القرن التاسع عشر وسبعينيات القرن العشرين".
التهجير القسري وجمع الممتلكات
أرسل ألكسندر دوغلاس، المُفتش المساعد الذي اشتُهِرَ بسبب دوره في إجلاء السكان الأصليين باستخدام العنف، رفاتاً ومرفقات جنائزية إلى متحف كوينزلاند في ثمانينيات القرن التاسع عشر.
وسُرقت تلك الأشياء أثناء الغارات التأديبية التي شُنَّت على السكان الأصليين في خليج كاربنتاريا.
وخلال العقود التالية، عرض فرانسيس ليون، وهو من السكان الأوائل لمدينة كيرنز، على المتحف بقايا مُحنَّطة سرقها خلال الهجمات الانتقامية على السكان وكتب في رسالته المُصاحبة قائلاً: "لقد تخلُّوا عن كل شيء، باستثناء (الرفات).. لكنهم تركوه بعد مُطاردة طويلة ويائسة، حين تَعرَّضت حياتهم للخطر المُحدق".
واشترى المتحف أيضاً بعض المقتنيات الثقافية -مثل الأسلحة والحقائب- من السكان الأصليين في كثير من الحالات. ومنح المتحف جامعيه "التبغ" ليستخدموه في عمليات الدفع، مما يُشير إلى الخلل في توازن العملة المستخدمة خلال تلك الفترة.
لكن حالتي ليون ودوغلاس كشفتا أنَّ تلك المقتنيات صُودِرَت إثر تهجير السكان قسرياً من بلادهم، وأنَّها أُخِذَت من أسطح المنازل، أو سُرِقَت أحياناً في أعقاب شن الغارات.
ونُهِبَ بعض رفات الأجداد بعد نبش القبور، أو سرقة الكهوف والأشجار الجنائزية والحقائب، وفقاً لأعراف المنطقة المسلوبة.
الناهبون خلفوا أضراراً كبيرة..
كان الناهبون على دراية تامة بالأضرار التي خلفوها، رغم أنَّ هذه الممارسات ظلَّت خارج حدود المعتقدات الأوروبية حول الموت والدفن، إذ نصَّت إحدى المراسلات، التي وصلت إلى المتحف في عام 1880، على أنَّ نبشَ رفات الشخص المتوفى حديثاً هو أشبه "بانتهاك القدسية إلى حدٍ كبير؛ ما لم يكُن الهدف هو خدمة مصلحة العِلم". واستغل البعض فكرة المساهمة في المعرفة العلمية لتبرير هذه الأفعال.
سُلب الرفات أيضاً من مواقع المذابح أيضاً، ثم أُرسِلَ إلى المتحف بعد موافقة الشرطة. وتورَّط الأطباء الفاسدون في سرقة أجزاء أخرى من الرفات داخل غرف التشريح. وفي عام 1885 مثلاً، أُرسِلَ رفات عمال جزيرة ساوث سي من المستشفى البولينيزية بمدينة ماكاي، مع تعليماتٍ واضحة بـ"جعله يبدو قديماً بعض الشيء".
الإمبراطورية والعلم
أدَّى ظهور علم الأعراق البشرية في منتصف القرن التاسع عشر، إلى جانب توسُّع الإمبراطورية البريطانية، إلى زيادة الرغبة في الاستحواذ على الأعمال اليدوية للسكان الأصليين. إذ جُمعت القطع بغرض الفضول أو جمع العينات العلمية، واستُخدِمَت بهدف "إثبات" التفوق الأوروبي.
واحتفظ فريق أمناء متحف كوينزلاند بشبكةٍ من الجامعين في كافة أنحاء المستعمرة، نتيجة اهتمامه بـ"علم الإنسان"، وضمَّت الشبكة المُبشِّرين، والصحفيين، ومديري المحطات، والأطباء، والموظفين الحكوميين.
واستغل المتحف أساليب الشرطة الاستعمارية العنيفة وممارسات "الإجلاء" -التي يُقصَد بها المذابح-، لتحقيق هذا الغرض.
وكان الحُماة "الشرطة" من أنشط الجامعين آنذاك، ومنهم والتر روث، حامي الشمال الذي أصبح كبيراً للحُماة في وقت لاحق، وأرشيبالد ميستون، حامي الجنوب. وأصبحا اثنين من أكبر المتبرعين للمتحف بإجمالي يصل إلى 700 قطعة، إذ حصلا على تلك المقتنيات أثناء وظيفتهما الرسمية.
الجمع بوصفه شكلاً من أشكال العنف
يُمكن النظر إلى نشاط الجمع نفسه بوصفه شكلاً من أشكال العنف، بعيداً عن الاستفادة من غنائم الاستعمار الأوروبي.
استفاد الأوروبيون من أعمال السلب أيضاً في ادعاء ملكية الأرض عاطفياً ومادياً. ونجح الغزاة في كتابة رواياتهم الخاصة عن ملكية هذه الأرض، عن طريق إزالة السكان الأصليين وثقافتهم.
ولا شك أنَّ عملية إعادة المقتنيات الثقافية الخاصة بالسكان الأصليين هي عمليةٌ مُهمة، ولكن معها لا يمكن أن نتناسى التاريخ الكامن خلف عملية جمعها والذي قام على جريمة إنسانية لن تسقط بالتقادم.