المتابع لتصرفات ترامب منذ أن وصل إلى الحكم بالولايات المتحدة، في يناير/كانون الثاني 2017، لا يجد أي عَنَت، أو عدم وضوح، لرؤية رئيس أكبر دولة تتحكم في مجريات الأمور بكثير من مناطق العالم، فالرجل تسبق تصريحاتُه كل مؤسساته، وتعرف من حسابه على تويتر ماذا يريد، وما الذي يخطط له. وتقريباً هو الرئيس الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية الذي تصادم مع الإعلام بطريقة فجّة، واختلف بشكل واضح مع الكونغرس ومجلس النواب، ولا نعدم أيضاً خروجه على إجماع حزبه في بعض القضايا.
إذاً، نحن أمام شخصية غير طبيعية، لم يألفها العالم من قبل، ويغلب عليه الجانب الاقتصادي في معظم تصرفاته، نتيجة لكونه رجل أعمال قبل أن يكون رئيساً، وتتحكم في كل سياساته لغة من يدفع أكثر، وهدفه أن يصل إلى ما يريد بأقرب طريق، بعيداً عن الدبلوماسية، أو السياسة الناعمة، ولذلك نجد دعمه الواضح والدائم للكيان الصهيوني في كل قراراته، مهما كلّفه ذلك من خلاف مع مناصريه داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو خارجها.
وليس بعيداً عن تصرفات ترامب الموتورة، أو المتهورة كما تُوصف في الإعلام الأمريكي نفسه، أن يدفع بملف "الإخوان المسلمين" لكي تصنَّف منظمة إرهابية إلى وزارة الخارجية، بعيداً عن بقية المؤسسات المهمة في أمريكا، لحرصه الشديد على تمرير القرار بشكل سريع وغير مدروس، لتحقيق كل ما يصبو إليه الصهاينة!
حقيقة ما يحدث في الشرق الأوسط
المسألة في حقيقتها هي وصْمُ كل من يعارض السياسة الأمريكية، بل بالأحرى سياسة ترامب في منطقة الشرق الأوسط، بالإرهاب، وتهيئة الأجواء لـ "إسرائيل"، لكي تتحكم أكثر في مجريات الأمور بالمنطقة العربية، ولا يخفى على أحد ما يفعله المتصهينون العرب (بن زايد، وبن سلمان، والسيسي) في خدمة هذا المشروع.
ولم يكن الانقلاب على المسار الديمقراطي في مصر، ولصق تهمة الإرهاب بالإخوان في 25 ديسمبر/كانون الأول 2013، بعيداً عن هذا المخطط الجهنمي، بل تعقَّبهم السيسي وأصدر أحكاماً بالإعدام على المئات منهم، وسجن عشرات الآلاف بتهم وهمية مُلفقة، وسجن مُعظم من يعارض سياساته الخادمة للمشروع الصهيوني، خارجة عن هذا المسار الذي يُراد للمنطقة العربية السير فيه، رغماً عن إرادة شعوبها.
وليس بعيداً أيضاً شيطنة الثورات العربية، ووصم كل مؤيديها بكل النعوت السيئة، أدناها أنهم يعملون لمصلحة جهات أجنبية، ولا أعرف ما هي الجهات الأجنبية؟!
وما يحدث من تدمير لسوريا، وإنهاك اليمن وتجويع أهله، ومحاولة تأجيج الحرب في ليبيا؛ بعيداً عمّا يُراد للمنطقة العربية، فضلاً عن استنزاف خيرات المنطقة بكل الوسائل، وما يقوم به ترامب من حلب للمملكة العربية السعودية خير دليل على ذلك.
واستمرار حصار قطر لفترة تقترب من العامين، ما هو إلا لمعاقبتها على نصرتها لقضايا الشعوب العربية، ولفضحها للأنظمة المستبدة في العالم، وليس ببعيد عن هذا المشهد ما يحدث من تضييق اقتصادي، ومحاولة انقلاب فاشلة في تركيا، إلا لأنها تدعم الديمقراطيات في المنطقة العربية، وتريد أن يختار الشعوب حكامهم بشكل ديمقراطي، بعيداً عن الانقلابات العسكرية.
خطورة تصنيف "الإخوان" منظمة إرهابية
إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحارب الإرهاب كما تدَّعي، وشكَّلت تحالفاً دولياً منذ سنوات، ورصدت له المليارات من جيوب الشعوب العربية، ولم تفلح في القضاء عليه حتى الآن، فماذا يعني ذلك؟!
يعني ذلك أنها تريد أن تستنزف المنطقة العربية بشكل مستمر بحجة مواجهة الإرهاب، الذي هي في الحقيقة أوجدته، نتيجة لسياساتها الخرقاء على مر السنين، تجاه قضايا الشرق الأوسط، خصوصاً قضية فلسطين، ولدعمها الأنظمة المستبدة التي هي صنيعة الإرهاب والانقلابات.
ولن ننسى حينما أرادت كونداليزا، رايس وزيرة الخارجية الأمريكية، دعم الإصلاح والتغيير بالمنطقة العربية، في عام 2005، وفاز الإخوان المسلمون بعشرات المقاعد في مجلس الشعب، وكذا فوز حركة حماس بنسبة كبيرة في الانتخابات التشريعية من العام 2006، تغيرت الأحوال وتبدلت الأمور، وعادت ريمة لعادتها القديمة، فيما سُمي دعم الاستقرار، ما دام الإصلاح يأتي بالإسلاميين!
أقول: هذه الديمقراطية العرجاء التي تسير بقدم واحدة، وتنظر إلى مصلحتها فقط، هي التي تنشئ الإرهاب وتغذيه وتدعمه.
ومن ثمَّ يريد ترامب، الأكثر وضوحاً في معاداة الإسلاميين، أن يصف أهم جماعة معتدلة وسلمية على مر السنين بأنها إرهابية، على الرغم من أنه يعلم يقيناً أن جماعة الإخوان المسلمين في كل أدبياتها وبياناتها تُنكر الإرهاب بشتى أنواعه وصنوفه، وأعلنت في أكثر من موقفٍ رفضها لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وأفغانستان، وغيرها من المناطق التي دمَّرتها السياسة الأمريكية الخرقاء.
ربما نختلف حول أداء الإخوان المسلمين السياسي، خصوصاً في مصر، لكننا لا نستطيع أن ننكر، من باب الإنصاف، أن هذه الجماعة لها دور كبير على المستوى الدعوي والاجتماعي، ونصرة القضايا الإسلامية، خصوصاً فلسطين، ومناطق عديدة مستهدفة من العالم الإسلامي، ولا ينكر ذلك إلا جاحد، أو مستبد ظالم.
إذاً، هذا القرار الذي يسعى إليه ترامب، وتدعمه أنظمة عربية مستبدة، من اعتبار هذه الجماعة إرهابية، مع علمهم جميعاً أنها ليست كذلك، ستكون له تداعياته من جانبين:
ثالثاً: اتجاه عديد من الشباب في العالم العربي إلى اعتناق ظاهرة الإلحاد، وعدم اعتبار الدين الإسلامي ذا تأثير في الحياة، ومن ثم عدم اقتناعهم بما تقوم به بعض المنظمات، والجمعيات، والجماعات، لنصرة القضايا الإسلامية.
في تقديري أن كل هذه الممارسات والادعاءات الكاذبة سواء من ترامب، أو أدواته في المنطقة العربية، ما هي إلا لدعم وتثبيت (إسرائيل)، وتمرير صفقة القرن التي أوشكت على التنفيذ، نتيجة لخيانات أنظمة عربية مستبدة، وستزيد من انتشار ظاهرة الإرهاب، الذي يدَّعي هؤلاء أنهم يحاربونها!
والخلاصة؛ أن ترامب وأعوانه في المنطقة العربية، خصوصاً السيسي وبن زايد وبن سلمان، سيدفعون المنطقة إلى الهاوية، وسيساعدون في تأجيج الحروب الأهلية، وانتشار أعمال العنف والإرهاب، وهذا له خطورته على الأمن والسلم الدوليين.
كما أن هذا القرار المحتمل سيُفقد كثيرين الأمل في مسارات التغيير السلمية والديمقراطية، وقد يدفع البعض، خاصةً الشباب، إلى اللجوء إلى أساليب أخرى نرفضها جميعاً، بل إن جماعة الإخوان تكون بمقدمة الذين يواجهون من يفكر في اتخاذ مسارات لا تتفق مع منهج الجماعة السلمي في إحداث التغيير.
وهذا القرار سيُعقِّد السياسة الخارجية لأمريكا بالمنطقة، خاصة في الدول التي يشارك فيها المحسوبون على فكر الجماعة في الحكم بشكل ما أو بآخر، سواء في تونس أو المغرب أو الأردن أو الكويت، أو حتى طريقة تعاملها مع تركيا؛ فضلاً عن مصير مئات المؤسسات والجمعيات الخيرية المنتشرة في أنحاء العالم التابعة أو القريبة من الإخوان، فهذا القرار سيتبعه فرض عقوبات وقيود على حركة الإخوان في تلك الدول وغيرها.
كما أن هذا القرار في حال اتخاذه، سيزيد من موجة الإسلاموفوبيا، ويدعم اليمين المتطرف في الغرب، وسيجعل التحول السلمي وتداول السلطة، خاصة بالشرق الأوسط، من المستحيلات، وسيُفقد كثيرين الأمل في مسارات التغيير السلمية والديمقراطية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.