العودة إلى الذكريات.. هكذا يعيش المسلمون في بريطانيا شهر رمضان بعيداً عن أهلهم

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/05/07 الساعة 09:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/07 الساعة 09:08 بتوقيت غرينتش
كيف يعيش المسلمون في بريطانيا شهر رمضان/istock

استقبل مليار ونصف المليار مسلم حول العالم شهر رمضان، الشهر الهجري التاسع وأقدس الأشهر في التقويم الإسلامي، إذ أنزل الله فيه القرآن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، كما أنه الفرض الرابع من فروض الدين الإسلامي الخمسة.

صحيفة The Guardian  البريطانية رصدت في تقرير أحوال المسلمين في بريطانيا في هذا الشهر وكيف يقضي الصائمون يومهم في هذا الوقت من العام الذي تطول فيه ساعات الصيام.

وبحسب الصحيفة البريطانية، يكون الأمر أكثر صعوبة في أيام صيف بريطانيا الطويلة؛ حيث يتناول الصائمون وجبة السحور نحو الساعة 2.30 صباحاً وينقضي صيامهم بتناول وجبة الإفطار بعد الساعة 9.00 مساءً، ولكنه ليس مستحيلاً. يستمر البعض في ممارسة التمرينات الرياضية، أو لعب كرة القدم، أو الذهاب إلى النادي الرياضي حتى بعد انتهاء وقت العمل أو المدرسة.

ويقوم البعض الآخر بتخصيص وقت أطول للصلاة وتدبر القرآن. وكما يشهد كثير منا، فإن التحدي ذهني أكثر من كونه جسدياً. إن الشعور بالضعف أو الخمول في نهاية اليوم أمر شائع، ولكن تكيف الجسد وقوة الإرادة مذهلان. والصيام مثله مثل أي تدريب آخر، يصبح أسهل مع الوقت.

وبحسب تعاليم الإسلام، فإن هناك رخصة للإفطار لكبار السن، والأطفال، والمرضى، والحوامل، والحائضات، والمسافرين. وفي هذه الحالات، تُدفع فدية بدلاً من الصيام، وهي إعطاء المال أو الطعام للمحتاجين. وصيام رمضان لا يتلخص في مقاومة الرغبة في تناول الطعام، بل أيضاً الامتناع عن ممارسة الجنس، والتدخين، والتذمر، والسلوك السيئ بشكل عام أثناء ساعات الصيام، على أن تُعطى الأولوية للمودة والصدقات والإحسان، والصلاة. أي، يمكن اعتبار الصيام عبادة للتخلص من السموم.

عائشة محمد، 20 عاماً، عارضة الأزياء البريطانية من أصول صومالية، والوجه الإعلامي لأحد خطوط الموضة المحتشمة

عارضة الأزياء عائشة محمد / الغارديان

أكثر سؤال يوجه إلي هو "ألا تستطيعين حتى شرب رشفة ماء؟" الناس يعتقدون أن العارضات لا يتناولن الطعام على أية حال، وهكذا سيكون رمضان سهلاً بالنسبة إليهن. ولكن هذا ليس صحيحاً. بدايةً، دائماً ما ينتهي بك الحال ووزنك زائد، لأن جسدك يشتهي أصناف الكربوهيدرات الدهنية الثقيلة على الإفطار ثم لا تستطيع التحرك بعدها. تقول أمي دائماً عندما نملأ أطباقنا بالطعام، إنه "لن يمكننا تناول هذا كله".

عائلتي من الصومال، ومثلنا مثل غيرنا من الثقافات المسلمة، يكون هناك طعام كثير على مائدة الإفطار –مثل الأطباق المطهوة بالكاري والسمبوسة والفواكه– فهو وقت رائع تتجمع فيه العائلة معاً.

أنا أعتني بجسدي وأتناول الطعام دائماً أثناء التصوير، لذلك فإن هذا الشهر سيكون اختباراً، ولكن السلام الذي يشعر به المرء في أثناء رمضان يكون جميلاً. من الصعب أن أشرح، لأن معظم الناس لا يستطيعون تخطي فكرة الامتناع عن الطعام والشراب. فأنت في المقابل تكتسب كثيراً من الروحانيات. إنه منظور مختلف وأكثر هدوءاً. ضع نفسك مكان الأشخاص الذين يعيشون هذه الحقيقة كل يوم وسيذكرك هذا بأن تكون ممتناً وصبوراً، بحسب الصحيفة البريطانية.

وتضيف عائشة أنا أصوم منذ كنت ابنة 11 عاماً، ودائماً ما كان يأتي رمضان في شهور الصيف [يتقدم رمضان أسبوعين كل سنة مثل التقويم القمري] ويأتي في أيام الامتحانات. كان هذا صعباً. لا يتعلق الأمر بالطعام، ولكن بالحفاظ على تركيزك. الحمد لله، كنت أحصل على نتائج جيدة، والآن أصبحت طالبة جامعية. إن الساعة الأخيرة هي تلك التي يجدها الجميع صعبة، ولكنني أتواكب معها بالذهاب إلى النادي الرياضي. لا أمارس الرياضة بشكل مبالغ فيه، أجري بهدوء وأرفع بعض الأثقال. أجد تلك الطريقة جيدة جدّاً لإلهاء وجعل الوقت يمر بشكل أكثر سرعة. لدي ثمانية أشقاء وشقيقات تتراوح أعمارهم من 6 إلى 23 سنة، ومن الممتع أن تمارس طقوس رمضان مع الصغار. إنهم لا يصومون ولكننا جميعاً نحب تجمع العائلة في العيد. وإنه لشيء جميل ومميز أن كثيراً من المسلمين يفعلون ذلك معاً.. فهذا يجعلك تشعر بالقوة.

أرحيمة محمود، والتي تعمل مترجمة وناشطة وموسيقية إيغورية

الناشطة من أصول إيغورية رحيمة محمود / الغارديان

لطالما كان رمضان شهر الفرحة وأنا صغيرة، كان شيئاً نتطلع إليه. في تركستان الشرقية –ويطلق عليها الصينيون شينجيانغ– كنا نحظى ببعض فترات الحرية الدينية، لأن نظم المراقبة عالية التقنية الموجودة الآن لم تكن هناك.

وانتقلت رحيمة إلى المملكة المتحدة من شمال غرب شينجيانغ؛ حيث تحتجز الحكومة الصينية 3 ملايين مسلم في "معسكرات الاعتقال". تعيش في شمال لندن.

وبغض النظر عن مكان وجودنا، فإن رمضان أحد أعمدة الإسلام التي يحاول المسلمون التمسك بها. كانت عائلتي كلها تستيقظ في الوقت نفسه –وحتى الإخوة الأصغر سنّاً غير المكلفين بالصيام– لتناول وجبة السحور. كنا نعدها قبل الخلود إلى النوم، وكنا نتناول أطباقاً مثل جوشنان (ساندويتش لحم)، أو أرز البيلاو المطبوخ مع الجزر واللحم الضأن– وهي أطعمة ثقيلة ودهنية تحافظ على طاقتك خلال اليوم. ومع أن الطقس قد يكون حاراً وجافاً جدّاً، فإننا لم نجد الأمر صعباً. ففي الأسبوع الأول، تشعر أنك تائه، وبعد ذلك مثل أي تدريب آخر تتعود على الأمر، ويصبح الصيام شيئاً تود القيام به. إنه وقت السعادة والسلام النفسي، وتبذل جهداً كبيراً لتُعد كل شيء تفكر فيه على مائدة الإفطار، التي دائماً ما تكون ممتلئة، بحسب الصحيفة البريطانية.

في ثقافة الإيغور، نكسر صيامنا بشرب الماء، والشاي الأخضر، والشوربة الطازجة الخفيفة. وبعد ذلك، تأتي الوجبات الخفيفة والبسكويت، ثم ننتهي بالطعام الدسم. أحب تناول طبق "ليغمن"، وهو عبارة عن معكرونة النودلز المُعدة في المنزل من نقطة الصفر، ومعها لحم الضأن وكورما الخضراوات، والزلابية المطهوة على البخار أو المقلية.

لقد تركت مدينتي غولجا عام 2000 وانتقلت إلى لندن لإعداد رسالة الماجستير، ولم أتمكن من العودة. كل عائلتي هناك، واتصالاتي بهم محظورة، فلا أستطيع التحدث معهم. آخر مرة اتصلت بهم كان في شهر يناير/كانون الثاني 2017. كان أخي متأثراً وقال إن علينا توديع أحدنا الآخر في معية الله. لا أعلم إن كانت عائلتي محتجزة في المعتقل أم في السجن. توفيت أمي في عام 2013 بينما كنت أنا أصارع سرطان الثدي.

إننا المسلمون الذين يتعرضون لأقصى اضطهاد: وعندما أشاهد الأخبار حول ما تقوم به الحكومة الصينية لشعبي أشعر بقلق شديد، ويؤلمني الأمر حين أفكر في إخوتي الأحباء وهم يشهدون سرقة احتفالهم بالشهر المعظم منهم. كان أبي إماماً. إن الإيمان هو الشيء الوحيد الذي يثبت شعب الإيغور، وإنه من المؤلم جدّاً أن يُسلب الإيمان منك أو أن تتعرض للتصفية الثقافية. لذلك، في السنوات الأخيرة، على الرغم من أنني لازلت أنا وابني نتشارك وجبة الإفطار مع مجتمع الإيغور في لندن، فقد أصبح رمضان شهر حزين بالنسبة لي. لا أستطيع أن أتخيل كيف يتمكن أهلي وأصدقائي في الوطن من مواكبة الأمر.

مُدثر أحمد، 36 عاماً، البريطاني من أصول باكستانية والذي يعمل مستشاراً للشؤون العامة

دائماً ما استمتعت بشهر رمضان الباكستاني التقليدي طوال حياتي في شرق لندن. يكون الطعام غني بالكربوهيدرات وتُعدُّ أمي السمبوسة والأطعمة المنكهة بالكاري وطبق الباكوراس المقلي، إلى جانب كثير من الحلويات والتمور والأصناف المقلية.

الشاب البريطاني من أصول باكستانية مدثر محمد/ الغارديان

أقوم أنا وزوجتي بعمل تقاليدنا الخاصة، ونحاول أن نفعل الأشياء بطريقة مختلفة، وأن نكون أكثر تفكراً وحفاظاً على صحتنا. ولذلك، فإننا نعد الآن مزيداً من الشوربة والخضراوات والعدس. كما أننا نعد موائد إفطار وندعو غير المسلمين لمشاركتنا، فهذا وقت رائع للتعاون من أجل الترويج لفهم أفضل لماهية الإسلام.

وتابع: عدتُ لتوي من معسكر سابق لشهر رمضان نظمته في ديفون، وهو طريقة يجتمع من خلالها المسلمون معاً للتجهز للشهر الكريم جسديّاً وروحانيّاً قبل موعده بشهر. أنا أفكر بشكل أكبر في البيئة والاستدامة. لن أتناول اللحوم والأسماك هذه السنة وسأحاول تجنب إغماءة الطعام التي أتعرض لها عادة ليلاً. عندما تكون مرتبطاً بأعمال، فإنك لا تستطيع أن تفعل هذا بجسمك لأنه سيفقدك اتزانك.

لحسن الحظ، أعمل مع مسلمين آخرين، ونقوم جميعاً بتبديل ساعات عملنا. وعادة ما يضطرني عملي إلى السفر أسبوعاً بعد أسبوع، ولكنني لن أفعل هذا هذه السنة.

الشيء الأكثر صعوبة بالنسبة لي هو الاستيقاظ في الصباح وعدم تناول القهوة، لأن انسحاب الكافيين من الجسم أمر صعب بالنسبة لي لأنني أتناول فنجانين إلى ثلاثة فناجين يوميّاً.

غالباً ما سأكثف جهودي لأكون أكثر حضوراً في أثناء الصلوات، وأكثر تدبراً في أثناء تناول الطعام، وأن أمزج بين الممارسات الروحانية وبين الممارسات الصحية الحديثة.

تحميل المزيد