استيقظ أنيس كانتر الإثنين 6 مايو/أيار 2019، نحو الساعة 4 صباحاً، وتناول وجبة خفيفة من اللبن الزبادي والفواكه وزبدة الفول السوداني، وتجرَّع أكبر كمية ممكنة من الماء.
ثم لمدة 16 ساعة تقريباً بين شروق الشمس وغروبها في بورتلاند، بولاية أوريغون، تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، سيمتنع أنيس كانتر الذي يُعرف أيضا باسم، أنيس قنطار، لاعب الوسط في فريق بورتلاند ترايل بلايزرز لكرة السلة عن الأكل والشرب وتناوُل الأدوية، حتى لو كانت للتعافي من خلع الكتف الذي أُصيب به قبل أسبوعين تقريباً.
بالنسبة إلى كانتر، اللاعب التركي من أصل سويسري والذي كان يصوم رمضان في أثناء مشاركته بمباريات كرة السلة التنافسية على مدار العقد الماضي، ليس هذا الروتين بالأمر الجديد. ولكن الأمر هذه المرة هو أنه لم يسبق له الصوم في أثناء اللعب على لقب بطولة دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين N.B.A.
صيام أنيس كانتر نجم دوري كرة السلة الأمريكي
إذ سيأتي صيام أنيس كانتر هذا العام، مع بداية شهر رمضان، في أثناء المباراة الثانية لفريق بورتلاند بسلسلة الأدوار الإقصائية ضد فريق دنفر ناغتس. ويبلغ متوسط النقاط التي يحرزها 20 نقطة تقريباً وأكثر من 10 كرات مرتدة في كل مباراة يلعبها ضد دنفر، وكان كانتر أحد اللاعبين الذين أحدثوا فرقاً لفريق بلازرز بعد داميان ليلارد.
في الدول ذات الأغلبية المسلمة مثل تركيا، حيث نشأ كانتر، تغير الشركات والمدارس في كثير من الأحيان، مواعيد العمل والدراسة لتسهيل الصيام. وبالولايات المتحدة، يسير العمل بوتيرته المعتادة بالنسبة لمعظم المسلمين الذين يقدَّر عددهم بـ3.45 مليون شخص، من ضمنهم كانتر. ولكنه اعتاد الصيام بمفرده دون مساعدة.
في المرة الأولى التي صام فيها كانتر، رمضان وهو يتدرب بجد على كرة السلة، كان يبلغ من العمر 16 عاماً، ويعيش بتركيا ويلعب مع فريق يضم لاعبين دوليين. في تلك السنة، بدأ شهر رمضان في نهاية شهر أغسطس/آب -فهو يتقدم نحو 11 يوماً كل سنة ميلادية- وكانت المرة الأولى التي يحضر فيها تمرينين في يوم واحد شاقة على كانتر.
وقال: "كنت ألعب ضد لاعبين في الثلاثين والخامسة والثلاثين من أعمارهم، وكنت الصائم الوحيد. وعندما كان يحين موعد إفطاري، كنت أشرب كثيراً من الماء، لدرجة أنني كنت أقول في نفسي: انتبِه يا رجل، لن يتبقى مكان للطعام!".
فقد تعوَّد التزام واجباته الدينية
ومنذ ذلك الحين، أصبح أنيس كانتر يمضي رمضان في كاليفورنيا، حيث التحق بالمدرسة الإعدادية في ليكسينغتون، حيث وقع الاختيار عليه للانضمام إلى فريق جامعة كنتاكي، ولعب مع ثلاثة أندية كبرى في دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين قبل انضمامه إلى نادي تريل بليزرز، وهي: يوتاه جاز، وأوكلاهوما سيتي ثاندر، ونيكس.
ورغم أن البطولة كانت تضم مسلمين آخرين (أصبح كريم عبد الجبار مسلماً عام 1968، أي قبل عام من بداية مسيرته في الدوري الأمريكي لكرة السلة للمحترفين والتي استمرت 20 عاماً، وكان حكيم أولاجون معروفاً بأدائه الجيد في أثناء الصيام)، لكن كانتر اعتاد إخبار الفرق التي ينضم إليها بواجبات دينه.
وقال كانتر: "قبل أن أذهب إلى هذه الفرق، أقول: (مهلاً، أنا مسلم وعليَّ أن أصلي خمس مرات في اليوم). ويحترمون ذلك لدرجة أنهم يوفرون لي غرفة للصلاة. لذلك قبل المباراة، وبعدها، وقبل التمرين، وقبل السفر، يمكنني الذهاب إلى تلك الغرفة متى أردت وأداء الصلاة".
وأول شيء يُخبر به الفرق التي يلتحق بها
وقال أنيس كانتر إنه بعد انضمامه إلى أي فرقة جديدة من فرق المحترفين، فهناك دوماً أسئلة متكررة يطرحونها في البداية، مثل: لماذا لا يشرب الكحول، لكنهم يطرحونها عادة بِنيَّةٍ حسنةٍ.
في الواقع، كان مدرب اللياقة البدنية في نادي أوكلاهوما سيتي شديد الاهتمام بشهر رمضان، لدرجة أنه صام ثلاثة أيام، لفهم احتياجات كانتر الغذائية بصورة أفضل. وتُقدِّم الفرق أيضاً وجبات خاصة لكانتر، والتي أصبح بعض زملائه في الفريق يحبونها.
وقال كانتر في معرض حديثه عن نادي أوكلاهوما سيتي ثاندر: "كان ستيفن آدمز مغرماً بالطعام الحلال، وأتذكر أنه كان حزيناً للغاية في يوم صفقة انتقالي إلى نادي نيكس. وكان لسان حاله يقول: (يا للخسارة! لن يمكنني تذوُّق الطعام الحلال بعد الآن)".
ومع أن شهر رمضان في السنوات القليلة الماضية كان يأتي بعد انتهاء موسم اللعب، كان أنيس كانتر يستمتع بشعور الصيام، لدرجة أنه كان يصوم مرة أو مرتين في الأسبوع على مدار السنة. وقد ساعده هذا الروتين على طمأنته بأن شعوره بالجوع والظمأ، والذي يشتد عادة بعد 15 دقيقة من تدريبات كرة السلة، سوف يمر في النهاية.
وحتى السفر من الساحل الشرقي إلى الغرب، والذي يضيف ثلاث ساعات إلى الصيام، لم يعد يرهقه. إذ قال: "إذا كان بإمكانك الاحتمال مدة 15 دقيقة، فيمكنك فعلها مدة 18".
والصيام لا يؤثر في مردوده داخل الملعب
وقال الدكتور ريتشارد بلومر، عميد كلية الدراسات الصحية ومركز الصحة واللياقة البدنية في جامعة ممفيس، إن الصوم لا يمثل بالضرورة مشكلة غذائية بالنسبة لكانتر.
وقال: "يعتقد كثير من الناس أن مخزون الكربوهيدرات أو الغليكوجين قد ينفد. وسيمثل ذلك مشكلة، لكن الواقع هو أنهم إذا تناولوا الطعام بكميات كافية في أثناء فترة تناول الطعام (المسموح بها)، فسيصبح بإمكانهم تخزين كل كمية الطاقة التي يحتاجونها".
وأظهرت دراسات حديثة أن الصيام يمكن أن يحسِّن أداء اللاعبين الرياضيين في التنفس اللاهوائي ويضر به في الوقت ذاته؛ وقال الدكتور بلومر إن تجارب اللاعبين تعتمد أيضاً على طريقة تفكيرهم. فإذا كان أنيس كانتر يعتقد أن الصيام يعوقه عن اللعب، فقد يفعل، "رغم أنه قد لا تكون هناك آثار فسيولوجية سلبية".
ولكن بالنسبة لكانتر، فهذه ليست مشكلة، إذ قال: "إنني أعمل بجد أكبر في رمضان، لأن جسدي اعتاد الصوم".
وكان طارق عظيم، وهو مدرب بدوري المحترفين لكرة القدم الأمريكية ويقيم في سان فرانسيسكو ولاعب دفاع سابق بنادي Frenso State، يشعر بالمثل.
إذ قال: "كان مستوى صفائي الذهني في أثناء شهر رمضان مدهشاً دوماً، صفاء في التفكير واستيعاب المعلومات. ومن الناحية الفنية، كنت أشعر بأنني على ما يرام تماماً في أثناء هذا الشهر. ولم أكن أعتمد كثيراً على القوة والطاقة".
خاصة عندما يلتزم وجبة السحور
وتذكَّر "عظيم" مباراة بعينها خاضها ضد نادي كولورادو ستيت، عندما كان لا يزال في الملعب بعد غروب الشمس. وخلال فترة الاستراحة، هرع إليه أحد زملائه وسكب المياه في جوفه.
وقال "عظيم": "كان لسان حاله يقول: (عليك أن تفطر، يا رجل! عليك أن تُدخل شيئاً في جوفك). شعرتُ بأن جسدي خفيف جداً، كما لو كنت أطفو. وأتذكر دوماً هذه الحادثة المميزة عندما يحين موعد الإفطار في رمضان. الأمر يشبه استعادة نشاطك بالكامل مجدداً".
ومثل أنيس كانتر تعلَّم "عظيم" مواجهة تحديات الصيام خلال شهر رمضان مع تقدمه في السن. عندما كان بالصف الخامس، وتحديداً عندما بدأ محاولة الصيام في رمضان، كان يستيقظ مع والديه نحو الساعة الرابعة صباحاً لتناول السحور، وهي الوجبة التي يتناولونها قبل شروق الشمس مباشرة.
وقال: "كان من الصعب للغاية أن أنجح في البقاء مستيقظاً وتناول الطعام. ما كان يحدث أنني أبقى مستيقظاً، وربما أتناول قضمة من بيضة، وبعدها يتهاوى جسدي حرفياً".
وبعد أن ينام "عظيم" عدة ساعات أخرى، كان يحاول الصوم أطول فترة ممكنة، لكن الأمر لم يكن سهلاً مع معدة فارغة. وقال: "في بعض الأحيان كنت أستمر في الصوم حتى الساعة العاشرة صباحاً".
وفي حين يستعد أنيس كانتر للمباراة الخامسة من سلسلة الجولة الثانية لفريق بورتلاند ضد فريق ناغتس، يخشى هو أيضاً أن تفوته تلك الوجبة الأخيرة قبل شروق الشمس ويصوم 15 ساعة إضافية. ولكنه أعدَّ العُدة.
وقال: "لهذا السبب أضع هاتفي دوماً بعيداً عن فراشي، كي أضمن أنني لن أعود إلى النوم وأفوّت وجبة السحور".