أين يدرس ملوك المغرب ؟ تبدأ القصة معهم وهم صغار، "مولاي، في هذه السنة بذلت مع رفاقي جهوداً على النهج القويم الذي رسمتَه لنا جلالتكم، ونعدكم وعداً صادقاً بأننا سنواصل المسير على طريق الجد والاجتهاد، والعمل دائماً بتوجيهاتكم الرشيدة، من أجل مزيد من التحصيل والمعرفة".
بهذه العبارات خاطب الأمير الحسن، وليُّ عهد المغرب، والدَه الملك محمد السادس، خلال حفل نهاية أول سنة دراسية له وكان عمره آنذاك ست سنوات.
11 سنة مرت على هذا الخطاب المقتضب، قبل أن تنشر وسائل إعلامية محلية خبراً تؤكد فيه استعداد الأمير المغربي للالتحاق بكلية العلوم القانونية التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط خلال الموسم الجامعي المقبل، ليسير بذلك على خطى والده الملك محمد السادس، الذي تخرج في الكلية نفسها وحصل على شهادة الدكتوراه في القانون عام 1993.
القانون.. تخصُّص ملوك المغرب
أن تكون أميراً أو ملكاً لا يعني أن تفعل كل ما تريده، فعلى الرغم من رغبة ولي عهد المغرب الحالي في أن يكون طياراً حربياً، فإنه يتخصص بالقانون، ليسير بذلك على خطى والده محمد السادس وجده الحسن الثاني اللذين درسا بدورهما القانون عكس ما كانا يرغبان فيه.
ورغم توجُّه الملك الراحل الحسن الثاني إلى دراسة القانون، حيث أتمَّ تعليمه الجامعي بمدينة بوردو الفرنسية، وحصل على دبلوم الدراسات العليا في القانون عام سنة 1951، فإن ميوله كانت أدبية أكثر.
يقول عبدالهادي بوطالب، الأستاذ بالمدرسة المولوية ومدرِّس الحسن الثاني، في مذكراته متحدثاً عن تلميذه: "كان متفوقاً في الأدب الفرنسي والأدب العربي والجغرافيا والتاريخ وغيرها من المواد الأدبية، أكثر مما كان متفوقاً في دروس الرياضيات والهندسة".
هذه الميول دفعت الحسن الثاني إلى إعلان رغبته في التخصص بدراسة التاريخ بعد حصوله على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة)، لكن والده السلطان محمد الخامس رفض ذلك، وفضَّل أن يدرس ولي عهده القانون.
يتذكر الراحل الحسن الثاني كلام والده الملك محمد الخامس، وفق ما جاء في كتاب "ذاكرة ملك"، والذي قال له: "ستجد دائماً مهندساً ليبني القناطر، ومؤرخاً ليكتب التاريخ، ولكن القانون وحده سيمكِّنك من أن تدافع عن نفسك وعن حقوق شعبك".
المصير نفسه واجهه الملك الحالي للمغرب، الذي كان عاشقاً للأدب، إلا أنه توجه إلى دراسة القانون بدوره، حيث يقول حسن أوريد، مؤرخ المملكة السابق وزميل محمد السادس بالمدرسة المولوية، في أحد حواراته الصحفية: "محمد السادس كان له ميل إلى الأدب، وكان قارئاً نهِماً، متمتعاً بذوق جمالي وفني، ومُحِباً للرسم والموسيقى".
المدرسة الأميرية.. صانعة الملوك والنخَب
ما إن بلغ ولي العهد المغربي الحالي سن التمدرس، حتى بادر والده عام 2008 إلى إلحاقه بالمدرسة المولوية، رفقة 4 من التلاميذ، قبل أن ينضاف تلميذ آخر عام 2012، ثم تلميذ سادس في المرحلة الإعدادية، حيث جرت العادة أن يختار الملك أطفالاً من أبناء الشعب للدراسة مع الأمراء. وهو التقليد الذي حافظ عليه محمد السادس والذي بدأه جده محمد الخامس مؤسس المدرسة المولوية الأميرية عام 1942.
وجدَ مؤسس المدرسة المولوية أنها ضرورة حتمية حين بلغ ولي عهده آنذاك سن التمدرس، وحرص على اختيار مديرها وطاقمها التدريسي والتربوي بعناية فائقة، كما عمل على اختيار 10 أطفال ليرافقوا ولي عهده في مساره الدراسي، الذي تلقوا خلاله القرآن الكريم والفقه واللغة العربية واللغة الفرنسية والمواد العلمية.
وكانت المدرسة التابعة للقصر الملكي والتي تفصلها عنه مسافة 200 متر لا غير، عبارة عن فصل واحد يضم الحسن الثاني وزملاءه، ليتم إنشاء أقسام أخرى مع بلوغ بقية الأمراء والأميرات من أبناء محمد الخامس سن التمدرس.
وعلى خطى والده، التحق الملك محمد السادس في سن الرابعة بالكُتاب القرآني الملحق بالقصر الملكي في الرباط ثم بالمدرسة المولوية، مرفوقاً بعدد من الأطفال الذين تم استقدامهم من مختلف المدن ومن طبقات اجتماعية مختلفة.
يحكي حسن أوريد، زميل الملك محمد السادس بالدراسة، في حديثه مع إذاعة مغربية، تفاصيل الدراسة بالمعهد المولوي، قائلاً: "كنا نستيقظ في السادسة صباحاً، ونصلي الفجر خلف المقرئ الحاج عبدالرحمن بنموسى، ثم نبدأ في حفظ القرآن إلى غاية السابعة والنصف، وفي الثامنة صباحاً تبدأ الدروس".
أما عن العلاقة التي كانت تربط ولي العهد آنذاك بزملائه، فقد أكد الناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي أنه كان "صديقاً وزميلاً وأميراً كذلك"، مستطرداً: "عندما كنا نقسم التلاميذ إلى فريقين للعب الكرة، مستعملين في ذلك أقدامنا، كان ولي العهد صديقاً، وعندما نكون في الفصل الدراسي يكون زميلاً، لكننا كنا نعرف أنه أمير وله مسؤوليات قد تدفعه أحيان إلى التغيُّب".
لم تكن مهمة المدرسة المولوية منحصرة في إعداد الأمراء ليصبحوا ملوك المغرب فقط، بل تعدَّتها إلى إنتاج نخبة من المؤثرين وصانعي القرار الأقوياء بالمملكة.
جدران المدرسة الأشهر بالبلاد احتضنت إلى جانب الملوك، عديداً من الشخصيات البارزة، حيث عمل الملك محمد السادس على تعيين زملائه بالدراسة في مناصب نافذة داخل أجهزة الدولة، على رأسهم فؤاد عالي الهمة صديق الملك ومستشاره القوي، وحسن أوريد الناطق باسم القصر سابقاً ووالي منطقة مكناس، ومنير الماجيدي السكرتير الشخصي للملك، ومحمد رشدي الشرايبي مدير ديوان الملك سابقاً وغيرهم.
الأمير الحسن.. ملك المستقبل
وعلى الرغم من أن ولي العهد وزملاءه يتشاركون الأساتذة والفصل والمعارف نفسها، فإن التربية التي يتلقاها ليست كتربية بقية الأمراء أو الزملاء؛ اعتباراً لأهدافها التي تضع نصب عينيها المهام المستقبلية للملك القادم الذي سيخلف والده في حكم البلاد ورعاية الأسرة الملكية.
من أجل ذلك، يخضع الملك المستقبلي لتكوين معرفي ونفسي دقيق ومدروس يهيئه لمهامه القادمة، ويضعه تحت الضغط، كما يدربه على القيادة واتخاذ القرارات وتحمُّل المسؤولية الجسيمة المنوطة به حاضراً ومستقبلاً، باعتباره وريث عرش محمد السادس والأسرة العلوية.
وبقواعد والده وجدّه نفسها
ويولي الملك محمد السادس دراسة ابنه البكر وولي عهده اهتماماً كبيراً، ويحرص على أن "يحصل على تربية مثل التي حصلنا عليها، أنا وشقيقاتي وشقيقي"، وفق ما أكده خلال أحد لقاءاته الصحفية القليلة.
وتابع بالقول: "إنها تربية تميل إلى الصرامة مع برنامج دراسي حافل، إذ تلقينا تربية دينية جيدة في الكُتَّاب القرآني بالقصر، وأنا حريص على أن يتلقى ابني القواعد التربوية نفسها".
إلى جانب القرآن الكريم والتربية الإسلامية، درس ولي العهد الأمير الحسن، عديداً من البرامج الدراسية كالفلسفة، ودراسة وتحليل النصوص، والتاريخ، والجغرافيا، والنحو، وتاريخ الآداب، والترجمة، واللغات العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية، والعلوم والرياضيات، والرياضة.
ومنذ أن التحق ولي العهد ومن بعده شقيقته الأميرة خديجة بالفصول المدرسية، اعتاد والدهما الملك حضور حفل نهاية العام الدراسي سنوياً، مانحاً إياهما جوائز الامتياز، فضلاً عن تقليد بعض المتفوقين أوسمة على صدورهم.
وإذا كان المغاربة يشبِّهون ولي العهد الحالي الذي سيحمل اسم "الحسن الثالث" مستقبلاً، بجده العاهل الراحل الحسن الثاني في نظراته وحركاته وشخصيته القوية، فإن والده محمد السادس يريد له أن يتمتع بشخصيته الفريدة، إذ قال عنه في أحد الحوارات الصحفية: "لا أرغب في أن تكون شخصيته مطابقة لشخصيتي، أريد أن تكون له شخصيته الخاصة".