في الدرعية عام 1744 كان التحالف التاريخي بين مؤسس الوهابية والمؤسس الفعلي للدولة السعودية الأولى: الأمراء من آل سعود يحكمون والعلماء من نسل الشيخ عبدالوهاب يحددون التقاليد الدينية والاجتماعية وكان عرشُهم على الفتوى كيف يغير آل سعود ملامح الشرعية الدينية للنظام بعد بن سلمان؟ بعد دخوله مكة المكرمة على صهوة جواده لدى سقوطها في أيدي مقاتليه عام 1924 قال الملك عبدالعزيز في بلاغه إلى أهالي مكة وضواحيها: «إن مصدر التشريعات والأحكام لا يكونُ إلا من الكتاب والسنة والفِقه». وفي 1992 أعاد الملك فهد إنتاج الشرعية الدينية للمملكة بإصدار النظام الأساسي للحكم الذي يعتبر الدعوة الإسلامية أعظم وظائف الدولة وأهمها ويحدد مهام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والسعودية كانت تقول إنها المدافع الأول عن المسلمين وقضاياهم دعمت المملكة الحركات الإسلامية في العالم العربي وتوافقت مع الأجندة الأمريكية المعادية للاتحاد السوفياتي في أفغانستان والشيشان والصومال وحين كان الملك سلمان أميراً على الرياض في نهاية الثمانينيات جمع تبرعات للمجاهدين الأفغان وأرسل الأموال للبوسنة وفلسطين وغيرهما أنفقت السعودية أكثر من 100 مليار دولار لنشر الوهابية بتمويل المراكز والمدارس وطباعة الكتب وبعث الأئمة إلى كازاخستان وبورما ومنطقة البلقان وباكستان وإفريقيا.
لكنها الآن تحارب نموذج الإخوان المسلمين “كلنا إخوان” هكذا قال الملك عبدالعزيز لمؤسس جماعة الإخوان حسن البنا وبدأ التقارب بين المملكة والإخوان حتى عهد الملك عبدالله الذي بارك عزل الرئيس الإخواني في مصر واعتبر الإخوان جماعة إرهابية وتتجاهل مأساة مسلمي الإيغور دافع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الصين عن الإجراءات القمعية التي تتخذها السلطات هناك ضد مسلمي الأُيغور وقال إن “الصين لها الحق في تنفيذ أعمال مكافحة الإرهاب وتطهيرها من أجل أمنها القومي”.
السعودية خفضت أيضاً ميزانيات الدعم للمراكز الإسلامية في العالم وأصبحت تركز على مشروعات الإغاثة والتكافل بالدول الفقيرة مثل كفالات الأيتام ومتضرري الكوارث ومشروع كبش العيد وصدرت فتوى عن هيئة كبار علماء السعودية بتحريم “الجهاد في سوريا” بدون إذن من السلطات وقال ولي العهد إن المملكة تتقاسم المصالح مع إسرائيل.
وتعيد تعريف الشرعية الدينية بحكم الواقع الجديد الأرباح الهائلة للنفط أعطت لآل سعود اليد العليا فوق العلماء وكانت صلاحيات العلماء تتقلص مع الوقت لصالح الأمراء لكن السعودية جمّدت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في 2016 واعتقلت 105 من الدعاة والنشطاء والأكاديميين والكتاب خلال عام واحد فقط من تولي محمد بن سلمان ولاية العهد تغريدة حساب معتقلي الرأي.
هذا لا يعني أن محمد بن سلمان يريد استبعاد العلماء كلا.. فهو يحتاج إليهم كان في حاجة إلى تبرير ديني لحربه على اليمن فأفتى له الشيخ عبدالعزيز آل شيخ بأن “هذه حرب مقدسة تستهدف كسر شوكة الفرس” استخدم بن سلمان الهيئة مرة أخرى لتبرير الحصار على دولة قطر فقال آل شيخ إن “القرارات فيها مصلحة للمسلمين” ومن أجل مبايعته لولاية العهد اقتضى الأمر بياناً من هيئة كبار العلماء ما يريده بن سلمان هو استئناس العلماء بشكل كامل واستخدامهم بشرط أن يكونوا منزوعي السلطات تماماً الدور الديني الحقيقي للملكة يتراجع منذ 2017 لكن الشرعية الدينية التي يُظلل بها النظام السعودي حكمه باقية وتتطور.