في القاع .. ولكن!
من قاع الحفرة التي يقبع فيها لسنوات، هتف بأعلى صوته "يسقط يسقط حكم العسكر" لكنه لم يسمع حتى صدى صوته، فجدران قاع الحفرة لا تجعل الصوت يرتد ليسمع صداه، حاول مرة أخرى وهتف بأعلى صوته فردد خلفه البعض ممن يقبعون معه في نفس الحفرة، كرروا المحاولة ولكن المحصلة أنهم ما زالوا جميعاً فيها، نعم إنها تلك الحفرة اللعينة التي وجدوا أنفسهم فيها جميعاً. أحد الجالسين قال لهم بصوت مثخن ضعيف أعياه تعب واحباط السنوات الطوال "يا جماعة ماذا تفعلون! هل نسيتم؟ نحن في القاع.. وما زلنا نحفر"
نعم نحن في القاع، قدّر الله لنا أن نكون في هذه الحفرة، احبطنا الحال الذي وصلنا له، أعيا بعضنا ارهاق المنفى، أعيا بعضنا ارهاق سلب الحرية، أعيا بعضنا ارهاق عدم الاحساس بالأمن والأمان داخل وخارج بلده. البعض حاول أن يغير الواقع، البعض قاوم، لكن ما النتيجة؟ أليست التجربة خلال تلك السنوات كفيلة بأن نراجع الاستراتيجيات والأدوات؟
استراتيجيات وأدوات الأرض والحفرة
الاستراتيجيات والأدوات التي تناسب سطح الأرض لا تعني بالضرورة أنها تناسب الحفرة. فلكي تصعد من الدور الأرضي إلى الدور الأول تستطيع استخدام السلم أو المصعد، ولو منعتك عصابة أغلقوا مداخل السلم أو المصعد، ليبقوك على وضعك في الدور الأرضي كما يريدون لك أتكون، سوف تبتكر وتستخدم أدوات ووسائل تمكنك من مقاومة تلك العصابة لكي تعبر وتصعد عبر السلم أو المصعد.
لكن حتماً يختلف الحال وتختلف بناء عليه الاستراتيجية والأدوات التي يجب عليك ابتكارها لتخرج من قاع الحفرة إلى الدور الأرضي، لا تنس أنك في القاع وأن أدوات قاع الحفرة التي سوف تساعدك للصعود إلى الدور الأرضي ليست كالأدوات التي ستساعدك للصعود من الدور الأرضي إلى الدور الأول، بل إن خصائص الحفرة تختلف كلية ً عن خصائص الأرض، هل نسيت أنك في الحفرة لا تستطيع سماع صدى صوتك! لا يمكن استخدام نفس الأدوات، وإن كان استخدام بعضها -أحياناً- على التوازي مع أدوات مبتكرة وجديدة تتناسب مع الحفرة قد يجدي نفعاً.
في مصر -مثلاً- في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك ومع بداية الألفينات وانتهاء بما قبل يناير ٢٠١١ كانت الوقفات الاحتجاجية السلمية التي تنظمها بعض الكيانات مثل حركة كفاية وجماعة الإخوان و ٦ إبريل وغيرهم إضافة إلى بعض الأصوات الإعلامية المعارضة وإن بدى في ظاهرها أنها مستقلة إلا أنها لا تعدو إلا أن تكون صنيعة مخابراتية تعارض رافضة لعميلة التوريث لجمال مبارك المدني حتى لا يسحب البساط من تحت الحكم العسكري، ورغم القمع الذي كان يمارس حينها إلا أنه كان هناك متنفس يجعل من تلك الوسائل والأدوات مناسبة لطبيعة المرحلة التي أُطلق عليها مرحلة "سطح الأرض" وأُشَبِهها بال"الدور الأرضي".
استراتيجية الخروج من قاع الحفرة
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.