مشاهد لافتة رصدتها كاميرات وسائل الإعلام العالمية حول ما يجري خارج مقار لجان التصويت في مصر أثناء إبداء الرأي في التعديلات الدستورية التي تمنح الرئيس عبدالفتاح السيسي سلطات كبيرة وتُبقيه في السلطة حتى عام 2030.
فسعياً لزيادة إقبال الناخبين، تلقَّى المصريون صناديق مواد غذائية "كراتين" وانتقالاتٍ مجانية، وأُمِروا في بعض الحالات بالتصويت بالموافقة على التعديلات الدستور في استفتاء استمر ثلاثة أيام وانتهى الإثنين 22 أبريل/نيسان، بحسب تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
لكن رغم عمليات الحشد الكبيرة التي قامت بها الأجهزة الأمنية في البلاد لحث المصريين على الإدلاء بـ "نعم" في هذا الاستفتاء، فإن السيناريو الآخر للنتيجة، وهو التصويت بـ "لا" قد يحقق قدراً لا بأس به هذه المرة دون أن يكون محل ترحيب من مؤيدي الرئيس المصري بالتأكيد.
رِشى انتخابية.. ولكن!
ففي إحدى اللجان الانتخابية كان الناخبون يُمسِكون قسائم ويطلبون علانيةً من أنصار السيسي معرفة الأماكن التي يمكنهم الحصول منها على صناديق المواد الغذائية، التي تتضمَّن الأرز والزيت والسكر، بعدما صوَّتوا. وكان مكان الحصول على تلك الصناديق يقع في المربع السكني المجاور، على بعد أقل من دقيقة واحدة سيراً على الأقدام، في منزلٍ تجمَّع عنده الناخبون في الخارج سعياً لتبديل القسائم بصناديق مواد غذائية.
وقالت امرأةٌ كانت تقف بالخارج: "تُختَم قسائم الناس بعد التصويت من أجل الحصول على السلع الغذائية".
كانت هذه الممارسات هي أحدث مؤشِّر لحملةٍ مدبَّرة تهدف إلى ضمان بقاء السيسي في الرئاسة حتى عام 2030 بسلطاتٍ جديدة من شأنها أن تمنحه السيطرة على القضاء، وتسمح للجيش المصري بممارسة المزيد من السيطرة على سياسة البلاد.
لكن ما ظهر عقب انتهاء التصويت يشير إلى أن أمراً ما حدث غير الذي كان متوقعاً، فحالة من الرفض حاولت المعارضة المصرية أن تحفز بها المشاركين في الاستفتاء على تلك التعديلات بأن يدلي المصريون بآرائهم، ولكن بـ "لا"، يبدو أنها أربكت السلطات المصرية التي لم تكن تريد أن يحدث مثل هذا السيناريو.
فبحسب ما تداوله رواد التواصل الاجتماعي، فإن عدداً كبيراً من بطاقات التصويت أثناء الفرز في بعض اللجان كانت نسبة "لا" أكبر من "نعم"، وأيضاً التعليق الغريب للإعلامي القريب من السلطات المصرية عمرو أديب بأن نسبة لا قد تكون كبيرة. أيضاً اتخاذ اللجنة المشرف على التصويت قرار بوقف بث الفرز في بعض اللجان وطرد الصحفيين منها يشير إلى أن الأمر ليس سهلاً.
أيضا العشرات من المصريين الذين أدلوا بأصواتهم في الخارج نشروا صوراً على حسابها على منصات التواصل الاجتماعي وهم يظهرون رفضهم لهذه التعديلات بوضع "لا"، مما يساهم في احتمالية خروج الأمر عن السيطرة التي كانت تريدها السلطات المصرية.
القصة ليست كما يروَّج لها!
رغم ذلك ثم احتمال أخرى قد يكون وراء إظهار حالة الرفض التي انتشرت بشكل كبير بين المصوتين في الخارج أو في بعض اللجان التي تم فرزها أمام وسائل الإعلام، بأنه ما يريده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هو تمرير هذه التعديلات حتى ولو بنسبة أقل مما كانت عليه الاستفتاءات السابقة والتي كان دئماً ما تتجاوز 95% إلا في التعديلات الدستورية التي نظمها الرئيس الأسبق محمد مرسي والتي وصلت فيها النسبة إلى 65% فقط.
هذا الاحتمال يستند على أن الرئيس المصري لم يكن يعبأ بنسبة التصويت الكبيرة بـ "نعم"، ولكن كان يريد فقط نسبة المشاركة الكبيرة التي حاولت السلطات الحشد لها بشكل قوة حتى تضيف مزيداً من الزخم حول هذه الإجراءات في الوقت الذي يعترض عدد كبير من أوساط النخبة المصرية على تمديد فترة حكم السيسي.
ومن ثَم قد يحقق هذا التصور الهدف منه وهو مشاركة كبيرة من المصريين بكل أطيافهم في الوقت الذي رفضت فيه جماعة الإخوان المسلمين المشاركة فيه لعدم اعترافها بالعملية السياسية بالكامل منذ انقلاب يوليو/تموز 2013، وفي نفس الوقت تمرر هذه التعديلات بالشكل المطلوب.
لكن رغم هذه الفرضية المعتبرة فإنه في حال تحقق هذا التصور، فإن زيادة نسبة التصويت بـ "لا" سيمنح المعارضة المصرية قوة في التعامل مع الوضع السياسي بالبلاد في الفترة المقبلة، بعدما وصل عدد كبير إلى مرحلة اليأس من أي تغيير مستقبلي بسبب الإجراءات القمعية التي تقوم بها الأجهزة المصرية.
قصة التعديلات
في غضون بضعة أسابيع، مرَّر البرلمان المصري، الذي يسيطر عليه نوابٌ موالون للسيسي، التعديلات الدستورية لتمديد فترة الرئاسة إلى 6 سنوات والسماح للسيسي بالترشح لولاية رئاسية ثالثة. ومن جانبها أسكتت حكومة السيسي أي معارضة، بما في ذلك إيقاف حملةٍ على الإنترنت مناهضة للتعديلات.
وبعدما أقرَّ نواب البرلمان التعديلات في الأسبوع الماضي، دعت الحكومة إلى إجراء استفتاء مفاجئ، مما حرم أي معارضةٍ متبقية من فرصة الاستعداد. وفي الوقت نفسه، قبل التصويت بأكثر من أسبوع، علَّق أنصار السيسي لافتاتٍ في القاهرة والعديد من المدن الأخرى تحمل وجهه وتحث المصريين على التصويت بـ "نعم" للتعديلات. وفي العديد من شوارع العاصمة، لم تكن هناك لافتة واحدة ظاهرة تحث المواطنين على التصويت بـ "لا"، بحسب الصحيفة الأمريكية.
بيد أنَّ هذه ليست المرة الأولى التي يبذل فيها السيسي قصارى جهده للاحتفاظ بالسيطرة على البلاد؛ إذ أعيد انتخابه رئيساً في العام الماضي 2018 بعدما أقصى جميع خصومه الموثوقين من السباق، سواءٌ بالاعتقالات أو غيرها من أشكال التخويف.
الطعام مقابل التصويت
أفاد المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي تُعيِّن الدولة أعضاءه، بوقوع حالاتٍ شهدت حصول الناخبين على الطعام مقابل التصويت. وانتشرت عبر شبكات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تُظهِر ناخبين يحصلون على صناديق سلع غذائية مقابل التصويت بـ "نعم" على التعديلات. وظهرت تقارير على شبكات التواصل الاجتماعي أيضاً عن شراء أصوات الناخبين بمبالغ زهيدة من المال في المناطق الأفقر.
من جانبها، وصفت الهيئة العامة للاستعلامات التابعة للحكومة التقارير التي ظهرت عن توزيع الصناديق الغذائية بأنَّها محدودة، وأنَّها لم تتضمَّن مشاركة أي جهةٍ حكومية. وقالت كذلك إنَّ الحكومية إذا أرادت التأثير في الناخبين، فلن تحتاج إلى اللجوء إلى مثل هذه الإجراءات.
فيما ذكر المجلس القومي لحقوق الإنسان كذلك أنَّه جرى رصد سياراتٍ مزينة بشعارات بعض الأحزاب السياسية كانت تنقل المواطنين إلى اللجان الانتخابية.
وفي الوقت نفسه، كانت هناك شاحنات تجوب شوارع القاهرة وتحمل شاشات LED تعرض مقاطع فيديو تروِّج للسيسي، وتحثُّ المواطنين على التصويت.
فيما قال بعض الناخبين إنَّهم تلقوا أوامر من رؤسائهم في العمل بالتصويت لمصلحة السيسي.