اعتبر موقع Middle East Eye البريطاني، أن رئيس النظام السوري بشار الأسد، يقع في مأزق كبير، ولن يتمكن من السيطرة على كامل سوريا، رغم استعادة المدن الهامة فيها من يد المعارضة المسلحة، بسبب التنافس الإقليمي في هذا البلد المنكوب.
وقال سامي حمدي، مدير تحرير موقع إنترناشونال إنترست الأميركي، في مقال بالموقع البريطاني، إن القوات المتواجدة على الأراضي السورية، حتى تلك التي تقاتل بجانب الأسد مثل إيران وروسيا وميليشيات حزب الله، وضعت رئيس النظام السوري محتجزاً كرهينة في يد هذه القوى.
وأضاف، مع انكشاف النهاية المروعة للأحداث في الغوطة الشرقية، حيثُ تتحرك قوات النظام للإطاحة بجبهة النصرة وفصائل المعارضة الأخرى، يبدو أنَّ ميزان الحرب السورية قد انقلب لصالح بشار الأسد ظاهرياً، على أرض الواقع، الأمر ليس كذلك.
وبحسب المقال فقوّات النظام السوري المدعومة من روسيا وإيران تُحكِم سيطرتها الآن على المناطق المحيطة بدمشق، ومن بينها الغوطة الشرقية. ومع هذا الانقلاب الهائل في الأحداث، يبدو أنَّ الأسد قد استعاد الحكم مرةً أخرى، بينما يبدو أنَّ الثورة السورية قد لفظت أنفاسها الأخيرة، أو أوشكت على ذلك.
لكن هذه النظرة إلى الأحداث تُعد مبالغةً في تبسيط الأمر على أي حال، لأنَّ الواقع على الأرض يرسم صورةً مختلفة للغاية. فحتى لو نجح الأسد في إخلاء المناطق المحيطة بدمشق من فصائل المعارضة، وترسيخ وجود قواته في حلب، واستعادة آخر المعاقل الكبرى للمعارضة في إدلب، فإنَّ استعادة السيطرة على باقي سوريا هو أمرٌ مستبعد للغاية.
المصالح التركية والأميركية
في الشمال، عبرت القوات التركية الحدود وطوَّقت عفرين، بهدف الحفاظ على نوعٍ من الوجود العسكري، لمنع قيام تمرُّد من جانب وحدات حماية الشعب الكردية، بحسب الموقع البريطاني.
وبدأت خدمة البريد التركية عملياتها في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في شمالي سوريا، وفازت شركات تخطيط المدن التركية بعقودٍ لإعادة إعمار بعض المدن، بما في ذلك مدينة الباب.
وظهرت مدارس ومستشفيات تديرها تركيا، إلى جانب تدريس منهج تعليمي تركي. وإحباط الأسد من النشاط التركي واضح، وذلك وسط تقارير تتحدث عن تقديمه المساعدة للأكراد من أجل مقاومة الأتراك.
في الشمال أيضاً، توجد القوات الأميركية في مدينة منبج، إلى جانب قدراتٍ جوية عبر قاعدة إنجرليك العسكرية في تركيا. وبرغم توتُّر العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة بسبب الدعم الأميركي للأكراد، أوضح الأميركيون أنَّهم لن يتخلوا عن مصالحهم في سوريا، حتى لو لم يعد من الممكن الاعتماد على الأكراد، بحسب المقال.
وأظهرت الولايات المتحدة استعدادها التصدي لروسيا بضربها القوات الروسية، في فبراير/شباط الماضي، ما أسفر بحسب تقارير عن سقوط عشرات القتلى، بينهم مواطنون روس.
ولم يوضح التقليل الروسي من شأن الحادثة أنَّ روسيا مترددة في الانخراط في صراعٍ مفتوح مع الولايات المتحدة في سوريا وحسب، بل أوضح أيضاً الحدود التي وضعتها لعملياتها هناك. فالهدف ليس استعادة الأسد للحكم، بل منع ظهور وكيلٍ أميركي محله. وبإمكان موسكو أن تقبل توازناً للقوى، شرط ألا يميل لصالح واشنطن بشدة، كما يقول المقال.
تمديد الهلال الشيعي
وبحسب الكاتب، ثُمَّ هناك إيران، التي تنشط قواتها وسط الميليشيات العراقية التي "تخفر" الجنوب الشرقي. كانت تلك المجموعات ضرورية في الأيام الأولى للصراع قبل التدخل الروسي، وذلك بمقاومتها الناجحة لقوات المعارضة، والتواصل مع حزب الله في لبنان، لتوجيه ضربةٍ حاسِمة للجيش السوري الحر في مدينة القصير في 2013.
وبعد تحطيم أحلام الأكراد بالاستقلال محلياً، والقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق، تواصل هذه الميليشيات استخدام ذريعة محاربة الإرهاب للحفاظ على وجودها في سوريا.
حاجة الأسد لتلك القوات من أجل فرض السيطرة على سوريا له مشكلاته. فهو لا يستطيع واقعياً أن يطلب منها المغادرة. وعلاوةً على ذلك، أي عداء محتمل تجاه إيران يقيَّد بكماشة الجغرافيا التي يمكن لإيران من خلالها إبقاء الأسد تحت السيطرة. فمع وجود حزب الله في الغرب والميليشيات في الشرق، وكلاهما غير بعيدٍ عن دمشق، فإنَّ الأسد عملياً مُحتجزٌ كرهينة، وهو وضعٌ يفاقمه غياب جيشٍ سوري يُعوَّل عليه، كما يقول المقال.
في الوقت نفسه، عزَّز الروس حضورَهم في حميميم وطرطوس. ودائماً ما تأتي التدخلات الأجنبية بثمن، ويُتوقَع أن تدفع سوريا ثمناً باهظاً مقابل كل تلك الجهود التي بذلتها روسيا لإنقاذ النظام.
النفوذ الروسي في "الدولة العميقة"
لكنَّ العلاقة مع روسيا أكثر تعقيداً بكثير. فأولاً، الأسد شخصٌ يمكن الاستغناء عنه بالنسبة لموسكو، ويظل ورقة مساومة مطروحة على طاولة التفاوض.
وروسيا معروفة بمرونتها في سياستها الخارجية، فهي تدعم حزب العمال الكردستاني اليوم، وتتخلى عنه غداً من أجل علاقاتٍ أكثر دفئاً مع أنقرة، وتُهدِّد بتدمير دول خليجية، قبل أن تُعزِّز العلاقات الثنائية الاقتصادية معهما، من أجل استغلال انعدام الثقة الإقليمي تجاه الولايات المتحدة، بحسب المقال.
بالنسبة لروسيا، الهدف الرئيس هو إعادة بناء مؤسسات الدولة في سوريا، وترسيخ نفوذ روسيا في "الدولة العميقة" في سوريا.
وثانياً، روسيا وإيران ليستا حليفتين طبيعيتين، وبالرغم من مصالحهما المشتركة في حماية النظام، فإنَّهما تختلفان حول ما يتضمنه ذلك "النظام". فإيران تسعى للحفاظ على الأسد، في حين لا تسعى روسيا للأمر ذاته.
علاوةً على ذلك، تسعى روسيا للحفاظ على وحدة الدولة السورية، عن طريق استعادة أكبر قدر ممكن من الأراضي. وهي حريصة كذلك على الاستفادة من السخط الإقليمي تجاه الولايات المتحدة، عن طريق تطوير علاقاتٍ دافئة مع أعداء إيران، بما في ذلك السعودية.
انتصارات جوفاء
وبحسب المقال، في ظلِّ ترسُّخ هذه القوى الأربع في سوريا، من الصعب تصوُّر المدى الذي قد تذهب إليه القوات الحكومية من أجل استعادة السيطرة على سوريا. فهذه القوات ليست قوية كافية للقتال ضد الجيش التركي، وعلى الأرجح لن تكون قادرة على الاعتماد على روسيا، حليفة تركيا الحالية للمساعدة في هذا المسعى.
وتفتقر أيضاً هذه القوات إلى القدرات اللازمة لقتال القوات الأميركية في منبج. وتجعل الميليشيات الإيرانية القوات الحكومية عاجزة، ولا تجرؤ تلك الأخيرة على الانقلاب على القوة الحاسِمة لسلاح الجو الروسي، الذي قلب الطاولة لصالح الأسد في المقام الأول.
وهذا يعني أنَّ الأسد ليست لديه أوراق ضغط، لدفع روسيا وإيران إلى صراعٍ مفتوح مع الولايات المتحدة والأتراك. لذا، وكما هو واضح، فإنَّ عودة الأسد الظاهرة مغالطة أكثر من كونها حقيقة، وانتصاراته لا يمكن في أفضل الأحوال وصفها إلا بأنَّها جوفاء.