في شارع جمال، وسط مدينة الحديدة، غربي اليمن، تجمَّع العشرات من مسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) بالقرب من مدرعات حديثة، ومن خلف ستارة نافذة منزلها المطل على الشارع، كانت بدرية سنان، طبيبة الأسنان، تراقب الموقف بتوتر.
فالأخبار الواردة من جنوبي المدينة تتحدث عن معارك عنيفة، بين الحوثيين من جهة، والقوات الحكومية المدعومة بقوات التحالف العربي الذي تقوده الإمارات بدرجة رئيسية، من جهة أخرى، وتبقى مسألة انتقالها للمدينة مسألة وقت.
تحاول سنان لملمة أغراضها مع طفليها وزوجها، استعداداً للنزوح إلى منزل شقيقها في مدينة إب، وسط البلاد، فهي كما تقول "الحرب لا ترحم أحداً، ولا بد من طريق للنجاة".
نزوح بدرية من منزلها، صنع حالةً من الكآبة والحزن لجيرانها الباقين في منازلهم، فحاولت أم وجدان أن تقوي من عزيمتها أمام أطفالها وتطمئنهم، بأنه لن يحدث شيء، وأن القتال سيدور في جنوبي المدينة فقط.
تقول أم وجدان لـ"عربي بوست"، إنها ستبقى مع أسرتها في المدينة "نحن لا نستطيع أن ننزح، ليس لدينا المال ولا لدينا وجهة، وإذا كان مكتوب لنا الموت، فليكن في بيوتنا، سأحاول أن اطمئن أطفالي ونحظى بفرحة العيد".
خوف وبقاء
سارت أم وجدان في الشوارع الفرعية في حي غليل، باتجاه منزل والدها، لكنها عادت بخوف بالغ، حاولت أن تتغلب عليه بقراءة آيات من القرآن الكريم، بعد أن شاهدت العشرات من المسلحين الحوثيين بالقرب من المنازل.
وتضيف "فجعوني (أخافوني).. أنا في بيتي ولا أعلم ما الذي يدور بالفعل، الدنيا حرب".
حالة العجز لدى سكان المدينة في تفادي الحرب، جعلت المدينة تبدو في وضع لا يختلف كثيراً عن الوضع في الأيام الاعتيادية، فالحركة مستمرة وإن بدت خفيفة، والأسواق لا تزال تشهد نشاطاً تجارياً في موسم العيد.
وحسبما تقول أم وجدان، بأن كل الناس في الحديدة بسطاء، لا يملكون حتى مخزوناً من الغذاء في منازلهم، لذلك سيستمرون في مواصلة حياتهم.
ويتفق معها عبدالجبار سعيد بأن "الحياة ستستمر حتى يصل القصف لمنازلنا، أين سنذهب؟".
وقال فيليبو جراندي المفوض السامي لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة، لرويترز، إن تصاعد العنف في الحديدة، قد يؤدي إلى تدفق للاجئين، لكنه استدرك بأنه "من المدهش حقاً أنه لم يحدث نزوح جماعي حتى الآن". ويعود ذلك إلى أن السكان عاجزون عن النزوح.
مقاومة في أول أيام المعارك
ودخلت المعارك بين الطرفين يومها الثاني، في محاولة من القوات الحكومية بدعم من التحالف استعادة السيطرة على المدينة الساحلية، التي يقطنها قرابة 600 ألف شخص حسب تقديرات للأمم المتحدة.
وعلى الرغم من مكاسب عسكرية للقوات الحكومية في الساعات الأولى من بدء العملية العسكرية "النصر الذهبي"، لكنها اصطدمت بحقول كبيرة من الألغام التي صنعها الحوثيون، حسبما قال ناصر الصبيحي، وهو أحد القادة الميدانيين.
يقول الصبيحي لـ"عربي بوست"، أحرزنا تقدماً ميدانياً كبيراً، ووصلنا إلى بُعد 7 كيلومترات من مطار مدينة الحديدة، لكننا اصطدمنا بحقول الألغام التي أعاقت عملية التقدم.
وكان الحوثيون أعلنوا صدَّ هجوم القوات الحكومية، وقالوا إنهم دمروا بارجة تابعة للتحالف بصاروخين بحريين، وبعد ساعات أعلنت الإمارات عن مقتل 4 من جنودها، دون أن تشير إلى تفاصيل مقتلهم.
وحسب وكالة أنباء الإمارات "وام"، فإن من بين القتلى ملازم بحري، مما يرجح أن الجنود قُتلوا بالقصف الذي طال البارجة.
طريق السيطرة على المدينة ربما لن يكون سهلاً، بالنسبة إلى الاستعدادات الكبيرة للحوثيين، الذين وضعوا رهانهم العسكري على آخر منفذ بحري لهم.
صراع طويل
معطيات المعارك في اليوم الأول خلقت حالة من التشاؤم لدى سكان المدينة، فالمعركة لن تكون شبيهة بمعركة عدن، التي جرت قبل 3 أعوام، حيث شنت قوات التحالف هجوماً خاطفاً على مواقع الحوثيين.
فهذه المرة صنع الحوثيون العشرات من خطوط الدفاع والتحصين حتى الوصول للمدخل الجنوبي للمدينة، وقال شهود عيان لـ"عربي بوست"، إن المسلحين حفروا عشرات الخنادق ونصبوا الحواجز الإسمنتية والترابية.
وقبل ذلك زرعوا المناطق التي يُزع فيها النخيل بالمئات من الألغام، في إشارة إلى تمسكهم الكبير بالمدينة.
فالمدينة تعد منطقة امتياز سياسي كبير، وتمنح الطرف الذي يسيطر عليها قيمة سياسية من كونه يجاور المصالح الدولية التي تمر بالبحر الأحمر، ووفق ذلك لن يستسلم الحوثيون بسهولة، مما يرجح أنها ستشهد فصولاً من الحرب.
وسينعكس الصراع الطويل على خسائر واسعة في أوساط السكان المدنيين، وهو ما لا يمكن تخيل إمكانية تجنبه بسهولة، وفق ما يقول المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، ماجد المذحجي.
ويضيف ماجد في تقييم موقف، نشره على فيسبوك، أن التحدي الأكبر يبقى في معركة بدون أضرار كبيرة تلحق بالبنية التحتية للمدينة.
غير أنه في نهاية الأمر سيفقد الحوثيون الكتلة الكبيرة من القوات والقيادات التي حشدوها، التي سيؤدي القضاء عليها وهزيمتها إلى اهتزاز قواتهم وسيطرتهم في كل مكان، وفقدان السيطرة على أكبر مدينة في الشمال.
صورة أخرى للنزاع
يرى الصحفي في مدينة الحديدة بسيم جناني، أن إطالة أمد النزاع سيخلف مأساة إنسانية، ويقول لـ"عربي بوست"، إن الهجوم لا بد أن يكون مبنياً على عملية عسكرية محكمة وخاطفة.
وأضاف "الحديدة لا يوجد بها ماء أو كهرباء أو خدمات، فلذلك لا يحتمل السكان أي ضغوط"، في إشارة إلى رفضه لأن تتحول مأساة المدينة إلى مقامرة سياسية تقف خلفها دولة الإمارات.
وكان مصدر يمني كشف لموقع Middle East Eye البريطاني، تعرُّض الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لضغوط من قِبل ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد، من أجل الموافقة على بدء معركة ميناء الحديدة.
وبحسب الموقع البريطاني، أجبرت الإمارات الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، على إعلان دعمه الهجوم على ميناء الحديدة ضد إرادته؛ الأمر الذي سيؤدي إلى تهميش الزعيم اليمني.
في الوقت الحالي، قال المصدر اليمني المطَّلع إن الحديدة تواجه خطر الوقوع تحت سيطرة إماراتية بشكل كلي، عوضاً من أن تكون تحت سلطة الدولة اليمنية.