عندما انطلق الربيع العربي في تونس فر زين العابدين بن علي إلى السعودية، أما مبارك فقيل إنه رفض الخروج من مصر، بينما القذافي قتل في المجارير، والآن يتساءل الكثيرون في العالم ما مصير الرئيس السوداني عمر البشير بعد أن عزله الجيش واعتقله.
كثير من التعليقات على الإنترنت تقارن بين مصير مبارك والبشير وترى أوجهاً للشبه بينهما على اعتبار، أنه في الحالتين فإن الجنرالات أطاحوا بالرئيس تحت ضغط المتظاهرين.
وكان المتظاهرون يضغطون دوماً لمحاكمة الرئيس في حالة مبارك بينما الجنرالات والقضاء يخففون من وطأة هذا التوجه إلى أن انتهى الأمر بتبرئة حسني مبارك من تهمة قتل المتظاهرين في عام 2017 بعد تبرئته من تهم أخرى قبل ذلك.
وأعاد مشهد مصور للبشير وهو في المستشفى للأذهان ما حدث للرئيس المصري حسني مبارك الذي كان يحاكم وهو راقد على سرير طبي، الأمر الذي دفع نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي إلى تخيل حوار افتراضي يقدم فيه مبارك نصائح للبشير لكيفية التكيف مع الوضع الجديد.
البشير يصاب بجلطة "خفيفة"
وكشف مصدر طبي سوداني، لوكالة الأناضول، الأحد 21 أبريل/نيسان 2019، أن الرئيس المعزول عمر البشير "أصيب بجلطة خفيفة قبل أيام، حيث تلقَّى العلاج بأحد المستشفيات، قبل إعادته إلى مقر إقامته الجبرية، ببيت الضيافة" في الخرطوم.
وأضاف المصدر، وهو أحد المشرفين على علاج البشير، أن الحالة الصحية للأخير بعد العلاج من الجلطة "مستقرة الآن"، لكن حالته النفسية "تتدهور باستمرار".
وتابع المصدر ذاته، الذي اشترط عدم الكشف عن اسمه، كونه غير مخول بالتصريح للإعلام، أن "البشير يرفض تناول الطعام وتعاطي الأدوية، وتتم تغذيته على المحاليل الوريدية بالقوة".
ويوجد البشير حالياً في مقر إقامته الجبرية ببيت الضيافة في الخرطوم، بحسب المصادر الطبية، في حين قالت وكالة رويترز نقلاً عن مصدر في النيابة السودانية، إن الرئيس السابق معتقل داخل سجن كوبر، بعد صدور أمر من وكيل النيابة الأعلى المكلف من المجلس العسكري بالقبض عليه؛ تمهيداً لتقديمه للمحاكمة.
وفي 11 أبريل/نيسان الجاري، عزل الجيش السوداني "عمر البشير" من الرئاسة، بعد 3 عقود من حكمه البلاد، على وقع احتجاجات شعبية متواصلة منذ نهاية العام الماضي.
وشكَّل الجيش مجلساً عسكرياً انتقالياً، وحدَّد مدة حكمه بعامين، وسط محاولات للتوصل إلى تفاهم مع أحزاب وقوى المعارضة بشأن إدارة المرحلة المقبلة.
وقد فُتح بلاغان ضده
وقال مصدر قضائي في السودان لـ "رويترز"، السبت 20 أبريل/نيسان 2019، إن النيابة العامة فتحت بلاغين ضد الرئيس المعزول عمر البشير بتهمتي غسل الأموال وحيازة أموال ضخمة دون مسوغ قانوني.
وأضاف المصدر أن وكيل النيابة الأعلى المكلف من المجلس العسكري مكافحة الفساد، أمر بالقبض على الرئيس السابق واستجوابه عاجلاً، تمهيداً لتقديمه للمحاكمة.
النيابة تؤكد تواجد البشير بسجن كوبر وسيواجه تهمتين
وذكر أن النيابة ستستجوب الرئيس السابق الموجود حالياً بسجن كوبر، وأن هناك إجراءات قانونية ستُتخذ ضد بعض رموز النظام السابق المتهمين بالفساد.
وقالت مصادر من عائلته في الآونة الأخيرة، إنه نُقل إلى سجن مشدد الحراسة في الخرطوم. ولم يتسنَّ الوصول إلى أقارب للبشير، السبت 20 أبريل/نيسان 2019، للتعليق على التحقيق.
ويطالب تجمُّع المهنيين السودانيين الذي يقود الاحتجاجات، بمحاسبة البشير وأعضاء إدارته وتطهير البلاد من الفساد والمحسوبية، وتخفيف أزمة اقتصادية تفاقمت في السنوات الأخيرة من حكم البشير.
وذكرت وكالة السودان للأنباء، الأربعاء 17 أبريل/نيسان 2019، أن المجلس العسكري الانتقالي أصدر أمراً لبنك السودان المركزي بـ "مراجعة حركة الأموال اعتباراً من الأول من أبريل/نيسان"، وحجز الأموال التي تكون محل شبهة.
كما أن المجلس وجَّه أيضاً بـ "وقف نقل ملكية أي أسهم، إلى حين إشعار آخر، مع الإبلاغ عن أي نقل لأسهم أو شركات بصورة كبيرة أو مثيرة للشك".
5 مليارات جنيه سوداني في منزله
يأتي هذا التحرك بعد أن أعلنت لجنة مكافحة الفساد التي شكلها المجلس العسكري في السودان أنها وجدت 6 ملايين يورو، وأكثر من 300 ألف دولار عند تفتيشها مقر إقامة الرئيس المعزول عمر البشير.
وأضاف مصدر في اللجنة أنه تم العثور علي أموال سودانية بلغت أكثر من 5 مليارات جنيه، مشيراً إلى أنه تم إيداع الأموال في بنك السودان.
وكان البشير قد نقل الخميس إلى سجن كوبر بعد أن ظل تحت الإقامة الجبرية في مقر إقامته منذ الإطاحة به من الحكم الأسبوع الماضي.
لماذا قد يكون مصير البشير أسوأ من مصير مبارك؟
رغم التشابه في بدايات عزل الزعيمين فإن المآلات قد تكون مختلفة. فبينما كان الثوار في البلدين يريدان محاكمة صارمة للرئيسين المعزولين فإن الأمر مختلف بالنسبة للقوى التي تدافع عنهما.
فمبارك على عكس البشير لديه رصيد خارجي وتحديداً في الدول العربية الخليجية التي قيل إنها كانت متحفظة على محاكمته، كما أن المؤسسة العسكرية المصرية عادت للسلطة بشكل مختلف بعد 30 يونيو/حزيران 2013 بطريقة أنهت فعلياً مرحلة الثورة.
أما في الحالة السودانية، يبدو التخلص من البشير أو محاكمته المكسب الوحيد غير المكلف الذي يمكن أن يقدمه الجنرالات للثوار.
في نفس الوقت فإن العلاقة التي تربط دول الخليج بالبشير علاقة مصلحية حديثة بلغت ذروتها مع حرب اليمن. ولكن ما يهم دول الخليج هو استمرار المشاركة السودانية في حرب اليمن والإحاطة بالحراك السوداني بشكل يضمن ألا يتحول إلى بؤرة جديدة للربيع العربي.
ويمثل البشير عبئاً على الحكم الجديد يسعى للتخلص منه سبب سمعته السياسية المرتبطة بحرب دارفور وما ترتب عليه من قرار صادر بشأنه من المحكمة الجنائية الدولية.
وفي حين أن محاكمة البشير داخل البلاد تبدو حالياً خياراً يتصاعد، فإن هذا لا يمنع أن هناك سيناريوهات أخرى تواجه الرئيس الأطول في حكم السودان.
النفي.. ليس خياراً سهلاً على مضيفيه
يبقى النفي خياراً دائماً متاحاً للكثير من الرؤساء المخلوعين. وفي حالة البشير، أعلنت أوغندا أنها على استعداد لمنح اللجوء للرئيس السوداني المعزول عمر البشير منذ الإطاحة به من قبل الجيش، يوم الخميس 11 أبريل/نيسان 2019.
وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية، الأوغندي هنري أوكيلو أوريم، الثلاثاء 16 أبريل/نيسان 2016، إن بلاده تدرس إمكانية منح اللجوء للرئيس السوداني المعزول عمر البشير، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية. وقال أوريم إنه "في حال طلب من أوغندا منح البشير حق اللجوء، فإنه يمكن النظر فيها على أعلى مستويات قيادتنا". كما قيل إن الإمارات على استعداد لاستقباله.
ولكن يظل هذا الخيار بالنسبة للبشير أصعب مقارنة برؤساء آخرين، فالبشير لا يمتلك شبكة العلاقات الدولية والعربية التي كان يمتلكها مبارك، كما أن علاقته بجيرانه كانت دوماً متوترة.
ولكن الأسوأ بالنسبة له أنه مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، الأمر الذي جعله ضيفاً ثقيلاً وهو رئيس جمهورية ، حتى قيل إن محكمة نظرت في تسليمه خلال زيارته لجنوب إفريقيا، وأن المحكمة العليا هناك أمرت بمنعه من السفر ثم طالبت بمحاكمة من سمح له بالخروج من البلاد.
وبالتأكيد سيكون البشير ضيفاً أكثر إثارة للحرج وهو خارج السلطة، والأخطر أنه سيكون لدى الدول المضيفة له إغراء أكبر لتسليمه وهو خارج السلطة، مثلما حدث مع رئيس ليبيريا الأسبق تشارلز تايلور الذي قبض عليه وهو منفي في نيجيريا.
وسبق أن أعلن المتحدث الرسمي باسم المحكمة الجنائية الدولية، فادي العبدالله، إن المحكمة ستضطر إلى إبلاغ مجلس الأمن الدولي عن أي دولة تستضيف الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، إذا كانت من أعضاء المحكمة.
هل يحاكم أمام الجنائية الدولية؟
عقب عزل البشير أعلن المجلس العسكري أنه لن يسلم الرئيس السابق عمر البشير للجنائية الدولية. وجاء بعد يوم واحد من إعلان الجيش عزل البشير. ولكن يجب ملاحظة أن القرار صدر وكان وزير الدفاع السوداني، عوض بن عوف، هو رئيس المجلس.
وبن عوف يمكن وصفه أنه من الرجل المقربين من البشير والدليل أنه اختياره كوزير دفاع جاء في وقت شعر فيه البشير بخطوة الحراك الشعبي ووجود محاولات إقليمية لاستبداله.
ومع تولي عبدالفتاح البرهان رئاسة المجلس العسكري قال أحد أعضاء المجلس العسكري، إن قرار تسليم الرئيس السابق عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية التي تريد محاكمته بتهمة الإبادة في دارفور، يعود إلى حكومة منتخبة.
وقال الفريق جلال الدين شيخ في مؤتمر صحفي في سفارة بلاده لدى إثيوبيا، إن "قرار تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية أمر يتخذ من قبل حكومة شعبية منتخبة وليس من قبل المجلس العسكري الانتقالي".
وبدأت تظهر مطالبات شعبية بتقديم البشير للمحكمة
والمفارقة أنها جاءت من حزب إسلامي كان شريكاً للبشير للحكم فترة، وهو حزب المؤتمر الشعبي الذي كان يرأسه شريك البشير السابق في الحكم الدكتور حسن الترابي.
فقد فاجأ أمين عام حزب المؤتمر الشعبي علي الحاج، الجميع بتصريحات غير متوقعة حول محاكمة الرئيس السوداني المعزول، عمر البشير، أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وقال الحاج في تصريحات لـ"سبوتنيك": "أي شخص عليه عقوبة أو ارتكب جريمة لا يجب ألا يفلت منها سواء في السودان أو خارجه".وتابع "نحن مع العقوبة في كل الحالات، بالنسبة للجنائية الدولية اقترحنا أن نكون جزءاً من اتفاقية روما، ليس لمجرد محاكمة البشير ولكن حتى لا تتكرر جرائم مثل دارفور، لتكون رادعاً".
ومضى أمين عام حزب الترابي "أما بالنسبة لمحاكمة البشير، فهناك الكثير من الجوانب، تجب مراعاتها مثل، أصحاب الدم، وأهل الضحايا والنازحين واللاجئين وغيرها، ويجب أن تعالج وفق معايير يتفق عليها الجميع".
واستطرد "ليس من رأينا أن يفلت أحد من العقاب ولا أحد ينوب عن أهل الضحايا".
وقال الحاج "البشير يجب محاكمته في أي مكان، ولو تحدثنا عن محاكمة البشير في السودان يجب أن تشارك فيها الجنائية الدولية، نعتقد أن تكون المحاكمة على أرض السودان وأن تكون الجنائية الدولية جزءاً منها، حتى لا يكون هناك إفلات من العقوبة، حتى لا تتكرر نفس الأشياء التي حدثت في دارفور، والمحاكمات العادلة هي التي تمنع تكرار الجرائم".
وكان مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قد دعا السودان إلى التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت مذكرة اعتقال بحق الرئيس المعزول عمر البشير لاتهامه بارتكاب جرائم حرب قبل نحو 15 عاماً.
يشار إلى أن البشير مطلوب بموجب مذكرتي توقيف من المحكمة، بتهم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في دارفور بالسودان.
وقال المتحدث الرسمي باسم المحكمة الجنائية الدولية إن "السودان ملزم بالتعاون مع المحكمة وفق القرار الأممي رقم 1593 (وهو القرار الدولي الداعي إلى محاكمة المتّـهمين بارتكاب جرائم حرب في دارفور في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي)". وأضاف أن "المحكمة تطلب من السلطات السودانية التعاون في شأن هذه الأوامر والأوامر الأخرى الصادرة عنها إنفاذاً لقرار مجلس الأمن الذي ألزم السودان بالتعاون مع المحكمة".
ولكن الأمر الذي سيجعل تسليم البشير للجنائية أمراً صعباً، أن البشير قد يجر أقدام العديد من الجنرالات للمحكمة إذا مثل أمامهما وقد يكون بينهم جنرالات موجودون في الحكم حالياً.