المواطن الأسترالي البالغ عمره 28 عاماً، والمقيم في سيدني، لم يلتقِ قط بابنه الذي بلغ عمره 18 شهراً، والمحتجز في الصين مع زوجته غوليار، منذ عادت إلى هناك في الشهر الرابع من الحمل.
طوال العام الماضي رأى "سام" طفله في لمحات مدتها 15 ثانية فقط.
غوليار مواطنة صينية، وتنتمي مثل سام إلى أقلية الإيغور العرقية المضطهدة.
إنها واحدة من ثلاث أمهات كشفت عنهن صحيفة The Guardian، عالقات في الصين مع أطفالهن الأستراليين، بسبب حملة بكين على الإيغور، والتي أدت لاحتجاز ما لا يقل عن مليون مسلم في مراكز الاحتجاز في منطقة شينجيانغ أقصى غرب البلاد.
على الأم تقديم تقرير أسبوعي للشرطة
يتعين على جوليار تقديم تقرير للشرطة كل أسبوع، ليس من الآمن بالنسبة لها أن تتصل بسام، إذ يقول الإيغور إنه يمكن توقيفهم للتواصل مع أشخاص خارج الصين، لذلك فهي مقيدة بنشر صور أو مقاطع فيديو، لا تزيد عن 15 ثانية، على وي تشات، تطبيق التواصل الاجتماعي الصيني.
جالساً على مقهى في سيدني، يُخرج سام هاتفه المحمول ليجد أن غوليار نشرت مقطع فيديو جديداً.
يفتحه ليشاهد ابنه وهو رضيع ممتلئ الخدين في رداء أخضر وأصفر، يرفع نفسه فوق كنبة ويبتسم لأمه التي تحادثه من وراء الكاميرا.
يحفظ سام الفيديو، ويضغط زر القلب تحته، لتعرف غوليار أنه شاهده، بعدها، عن بُعد 10 آلاف كيلومتر تمسح غوليار الفيديو.
هاتف سام ممتلئ بهذه اللمحات العابرة الثمينة، لمحات مدتها 15 ثانية لابن لم يلتقِه قط.
وقال سام: "ينال كل شيء إعجابي، أياً كان ما تضعه". لكن هذه الفيديوهات مصدر للألم أيضاً.
وأضاف: "لم أستطع حمله، لا أعرف حتى كيف قد يكون وزنه، ربما لا يعرف أصلاً من أكون".
المشكلة أن تأشيرة أستراليا مرفوضة
تزوج سام وغوليار في أورومتشي عاصمة شينجيانغ، عام 2016.
قضيا شهر العسل في الولايات المتحدة وتركيا، حيث اكتشفا أنها حامل.
وقال سام: "كنت متحمساً للغاية، لكني كنت قلقاً بعض الشيء أيضاً، كان إحساساً جميلاً فعلاً".
فاضطرت للسفر للصين
تقدمت غوليار بطلب للحصول على تأشيرة للذهاب إلى أستراليا، لكن طلبها قوبل بالرفض. كانت مريضة جداً بسبب الحمل، فقررت العودة إلى الصين لتكون بالقرب من أمها، بينما عاد سام إلى أستراليا واستمر في عملية طلب التأشيرة.
بعد وقت قصير من عودتها إلى البيت، اشتد اضطهاد الإيغور في شينجيانغ. صودر جواز سفر غوليار، ولم يتمكن سام من الحصول على تأشيرة لزيارة الصين.
عندما بلغ ابنه ستة أشهر، كان سام على متن قطار في سيدني، حين تلقى رسالة من صديق له في الصين، يخبره بأن غوليار قد نُقلت إلى أحد مراكز الاعتقال السرية سيئة السمعة.
ثم اختفت في أحد السجون السرية
"بكيت بحرقة في القطار، هذا الإحساس…" يتوقف عن الكلام، "حتى الناس في القطار جاؤوا وسألوني: 'ماذا حدث؟' ولم أستطع إخبارهم".
لم يسمع عنها شيئاً لمدة أسبوعين. في النهاية، عرف سام أن غوليار احتجزتها السلطات الصينية، وأفرج عنها لاحقاً لأنها كانت لا تزال ترضع.
تقول غوليار إن السلطات أخبرتها أنه عندما يبلغ طفلها سنة، سيلقى القبض عليها مرة أخرى، ويوضع ابنهما في دار للأيتام تديرها الدولة، لتتبناه بعد ذلك عائلة من عرقية الهان الصينية.
يقول سام إن السبب الوحيد الذي يبقيها خارج المعسكرات هو أن أسرتها دفعت رشاوى للشرطة يبلغ مجموعها أكثر من 60 ألف يوان (12,500 دولار).
اتصلنا بالسفارة الصينية في أستراليا مراراً للتعليق، لكنها لم ترد على الأسئلة المفصلة لصحيفة The Guardian.
وكل مساعي إحضارهم لأستراليا فشلت
سعى سام كثيراً للحصول على المساعدة من وزارة الشؤون الخارجية والتجارة لإحضار ابنه إلى أستراليا.
أبلغ في البداية بأن الحكومة الأسترالية لا يمكنها مساعدته إلا إذا كان هناك دليل على أن ابنه يحمل الجنسية الأسترالية، وهو أمر يستحقه عن طريق النسب.
رفضت وزارة الشؤون الداخلية طلب الجنسية مرتين. أخيراً، بعد معركة استمرت 11 شهراً، حصل ابن سام على شهادة الجنسية في فبراير/شباط الماضي، بعد أن ألغت محكمة الاستئناف الإدارية قرار الوزارة.
وقال مايكل برادلي، من شركة ماركو للمحاماة في سيدني، والذي ترافع عن سام: "لقد كان الأمر مثل اقتلاع الأسنان في كل خطوة على الطريق"، "لقد كان مروعاً".
الآن يواجه سام معركة للحصول على جواز سفر لابنه وتأشيرة لزوجته، التي ستحتاج أيضاً إلى إذن من الحكومة الصينية لمغادرة البلاد.
يقول برادلي: "لذلك فالأمر ليس بسيطاً، ولا أعرف ماذا سيكون الرد على ذلك"، لكنه يعتقد أنه إذا أرادت الحكومة الأسترالية المساعدة، فهناك الكثير مما يمكنها فعله.
"التدخل الوزاري يمكن أن يحقق أي شيء في غضون دقائق. إذا كنت زوجاً فرنسياً على سبيل المثال، عندئذٍ يمكن تحقيق أي شيء… يتمتع الوزراء بسلطات واسعة وتقديرية لجعل الأمور تحدث أم لا، لكنهم ببساطة لم يكونوا مهتمين".
ويوافقه نيك مكيم، المتحدث باسم حزب الخضر لشؤون الهجرة والمواطنة، الذي كان يناصر عائلة سام طوال العام الماضي.
يقول: "ما زلت لديّ مخاوف شديدة على سلامة طفل سام، وهو الآن مواطن أسترالي. أريد أن أرى ماريز باين والوزارة يفعلون أكثر من هذا بكثير للمساعدة في جلب ليس طفل سام فقط، وإنما زوجته أيضاً إلى بر الأمان هنا في أستراليا".
"بالنظر لما تخبرنا به الحكومة دائماً عن علاقتها القوية مع الصين، فأعتقد أن هناك الكثير مما يمكننا القيام به".
وقال متحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية والتجارة، في بيان، إن الوزارة استعلمت عن عدد من الأفراد الذين لديهم صلات بمجتمع الإيغور الأسترالي، لكنه لن يعلق على حالات محددة.
كان العبء على سام ضخماً. يعاني من الاكتئاب، واضطر إلى ترك وظيفته كسائق شاحنة، والآن يعمل بدوام جزئي مع أوبر. المال الذي يجنيه يكفي للبقاء بالكاد.
تقول سارة سميث، وهي مدافعة عن اللاجئين: "إنه مجرد قشرة إنسان، مقارنة بالرجل الذي التقيته قبل 11 شهراً"، "كان شاباً، مثالي الجسم، صحياً، ممشوقاً، أما الآن فقد فَقَدَ 10 كيلوغرامات، ويبدو معتلاً، كأنه يشبه الأشباح".
بالإضافة إلى ألم الانفصال والخوف على سلامة عائلته، فَقَدَ سام ثقته أيضاَ في أستراليا.
"قطعة الورق هذه التي تقول إنك 'مواطن أسترالي'، لا تعمل في النهاية إذا لم يكن لديك عيون زرقاء وشعر أشقر" كما يقول سام.
لكنه يقول إنه، في بعض الأحيان، يسمح لنفسه بالأمل، وعندما يفعل فإنه يتصور مشهداً خاصاً للغاية.
"أنا في المطار، أحمل الأزهار"، يقول مبتسماً: "بعد ما مررت به، لا يهمني إذا نمت في الخارج، طالما أن زوجتي وابني معي. لا أفكر حقاً في التمتع بحياة جيدة، حياة رائعة، كل ما أفكر فيه هو البقاء مع ابني وزوجتي".