قبل 11 أبريل/نيسان 2019، لم يكن أحد خارج السودان إلا المهتمين يعرف كثيراً عن هذا الشخص الذي أصبح رقماً صعباً في المعادلة الأمنية السودانية.. إنه محمد حمدان دقلو "حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع.
حميدتي، الذي أصبح نائباً لرئيس المجلس العسكري الحاكم الآن عقب الإطاحة بالرئيس عمر البشير، رفض في البداية المشاركة في المجلس العسكري، لكن هذا الرفض لم يستمر إلا يومين، بعدها وافق تاجر الجِمال السابق على أن يكون الرجل الثاني في السودان الآن، وربما الأول.
وقبل أن يوافق حميدتي أُطيح بأهم شخصين في المعادلة السابقة: وزير الدفاع ونائب "البشير" عوض بن عوف، وصندوق الأسرار ومدير الاستخبارات صلاح قوش.
فكيف أصبح حميدتي قوة لا يستهان بها في السودان؟ وإلى أي قوة يستند هذا الرجل، الذي لم يكمل تعليمه وانتهى به الحال تاجراً للإبل؟!
القوة القبلية
الجنرال حميدتي، الذي يبلغ من العمر 43 عاماً، ينحدر من قبيلة الرزيقات العربية البدوية التي تعد من كبرى القبائل المنتشرة بالسودان، خاصة في إقليمي دارفور وكردفان، والتي بات لها دور كبير بالحرب الأهلية التي كانت يقودها نظام البشير.
حميدتي توقف عن الدراسة وعمره 15 عاماً سنة 1991، وبدأ شبابه بممارسة تجارة الإبل والقماش وحماية القوافل، حتى أصبح معروفاً بقيادة مجموعة صغيرة لتأمين القوافل وردع قُطاع الطرق واللصوص، ولم يلتحق قط بالمؤسسة العسكرية، ولعل هذا الأمر هو الذي أسهم في ارتفاع شعبيته بين السودانيين بالفترة الأخيرة.
الرجل الذي جعلته تجارته يتنقل بين معقله في دارفور وتشاد وليبيا ومصر، بائعاً للإبل وحامياً للقوافل إلى أن كوّن ثروة كبيرة وشكَّل ميليشيات مسلحة، لفت انتباه صناع القرار في السودان، خاصة مع سعي الحكومة إلى ضم القبائل إلى تحالفها مع "الجنجويد"، لمواجهة التمرد في دارفور، وقد كان للبعد القبلي دور مهم بقوته.
في البداية شكلت الحكومة بالخرطوم قوات شعبية من القبائل الموالية وكان حميدتي قائدها، وما لبثت هذه القوات أن تطورت في السنوات الأخيرة، بعد هيكلتها وتحويلها إلى قوات قومية، حتى انضم إليها أبناء مختلف القبائل السودانية تحت اسم "قوات الدعم السريع"، التي صارت تضم أكثر من 30 ألف عنصر، وجرى تسليحها بشكل جيد على نحو ينافس قوات الجيش البرية.
وكان للبشير دور في تعزيز نفوذ هذه القوات خلال الفترة الأخيرة، لكن المفاجأة هي أن هذه القوات كانت في مقدمة المنقلبين على البشير، ويرى معلقون سودانيون أن حميدتي كان له دور مهم في كواليس الإطاحة بالبشير، وأنه رفض رفضاً قاطعاً استخدام البشير للأدوات والقوات الأمنية في قمع المحتجين.
قوات الدعم السريع
عقب تفكُّك قوات الدفاع الشعبي، أصبح الجيش السوداني أعزل وهو يقاتل ميليشيا جون قرنق في حرب عصابات معقدة بجنوب السودان، تعجز عن خوضها الجيوش النظامية، خصوصاً في جنوب السودان حيث تخاض المعارك في الغابات. وفي النهاية بعد شد وجذب وضغوط أمريكية، تم توقيع اتفاق سلام بين الحكومة وقرنق تضمَّن حق تقرير المصير لجنوب السودان، وانتهت الحرب التي استمرت من 1955 وحتى 2005 كأطول حرب أهلية في إأفريقيا.
انفجرت أزمة دارفور بعد انتهاء حرب جنوب السودان، ولأن الحرب كانت في ذلك الإقليم حرب عصابات أو ما يطلق عليها حرب الغوريلا، احتاجت القوات المسلحة قوات مساندة لمكافحة التمرد، فأنشأت قوات شعبية من بعض القبائل الموالية للدولة، لمكافحة التمرد، في عملية تكرار بالمسطرة لتجربة الصحوات في العراق، التي استطاعت تدمير "القاعدة"، واشتهرت هذه القوات عالمياً باسم قوات الجنجويد.
اضطرت الدولة إلى إعادة هيكلة قوات الدعم السريع ونزع صفة القبلية عنها بعدما امتلأت أدراج مجلس الأمن و "الجنائية الدولية" بما ارتكبته هذه القوات من فظائع.
استطاعت القوات (الأهلية) تدمير الحركات المتمردة واستعادة كل الأراضي التي سيطروا عليها، لكن كانت التكلفة الوطنية باهظة، فقد تورطت هذه الميليشيات التي تعمل بإشراف الدولة في انتهاكات جسيمة بحق المدنيين؛ وهو ما أدى لاحقاً إلى إحالة ملف دارفور إلى محكمة الجنايات الدولية، ومنها تم استصدار أمر توقيف بحق الرئيس السوداني كسابقة دولية لم تحصل من قبل، وهي اتهام محكمة دولية اتهام رئيساً وهو على رأس عمله ويتمتع بالحصانة الدبلوماسية.
اختارت الدولة في السنوات الأخيرة، هيكلة هذه القوات الشعبية وتحويلها إلى قوات قومية، فهيكلتها تحت اسم قوات الدعم السريع، بإشراف جهاز الأمن السوداني، وتم إلغاء الطابع القبلي لهذه القوات بإدخال أبناء مختلف القبائل السودانية شرقاً وغرباً بقيادة الفريق محمد حمدان حميدتي.
لقد كان المجتمع الدولي رافضاً لهذه القوات منذ نشأتها الأولى، ولكن هذا الوضع لم يستمر طويلاً، فقد انفجرت أزمة اللاجئين غير الشرعيين في 2015، ومعها ظهر التهديد الكبير لتنظيم داعش في ليبيا، وهو ما جعل الغرب يغيّر رأيه وموقفه من القوات ومن النظام الذي يستند إليها.
الموقف من المتظاهرين
في الأيام الأولى للتظاهرات الرافضة لحكم البشير، كانت قوات الدعم السريع اللاعب الأهم في بعض المحافظات، من أجل وقف هذه التظاهرات خاصة في العاصمة الخرطوم، لكنها لم تدخل في صدام مباشر مع المتظاهرين، وبقيت تتعامل بحذر مع تلك التحركات، لكن في الأيام الأخيرة اقتربت قوات حميدتي بشكل كبير من المتظاهرين.
وفي أثناء الإطاحة بنظام البشير في 12 أبريل/نيسان 2019، كان لـ "حميديي" دور بارز في عزل الرجل، بحسب ما نشرته وسائل إعلام، تمثل بأنه كان أحد القادة الذين طالبوا البشير بالرحيل، في حين رفض بعد ذلك تصريحات وزير الدفاع، عوض بن عوف، بشأن الفترة الانتقالية وطالبه بألا تزيد المدة على 6 أشهر وليس عامين، كما أنه اعتذر عن المشاركة في المجلس العسكري قبل أن يقبل بمنصبه الجديد عقب إقالة عوض بن عوف وصلاح قوش.
وعقب توليه منصب نائب المجلس العسكري، أمر حميدتي قواته بعمل حملات نظافة للشوارع، أمام القيادة العامة للجيش السوداني، بحجة وجود "أجسام غريبة" خلَّفتها اشتباكات الأيام الماضية.
ومن أجل استمالة المتظاهرين إلى صفه، قال بيان قوات الدعم السريع: "مهمة قواتكم الحفاظ على سلامتكم".
جنوده في حرب اليمن
لم يكن تأثير قوات الدعم السريع على الداخل فقط، بل بسبب وجود قوات كبيرة لهم في الحرب الدائرة باليمن والتي يدعم فيها السودانُ الإمارات والسعودية، ارتفعت أسهم حميدتي إقليمياً، لكون هذه القوات تتبع له بشكل مباشر ولا تأتمر إلا بأمره فقط.
وكان هذا العامل من الأمور المهمة التي توقَّف عليها موقف الإمارات والسعودية من الثورة السودانية، فعقب تصريحات المجلس العسكري بأن قواتهم ستبقى في اليمن انهال الدعم الخليجي على السودان سياسياً واقتصادياً أيضاً، وربما هذا الأمر كان ينمُّ عن حالة القلق السعودي والإماراتي من التغير في السودان، لكن هذه الأطراف لا يعنيها إلا ما يحدث باليمن وكيف سيكون الأمر إذا انسحب السودان، صاحب القوات الأكبر هناك.
لذلك يعد دعم الإمارات والسعودية لحميدتي أمراً مهماً ما دام هذا الرجل محافظاً على قواته باليمن، لكن في الوقت نفسه قد يمارس حميدتي ضغوطاً على البلدين من أجل مزيد من الدعم، وإلا فإنه سيهددهما بسحب الوقت، وهو ما قد يثير أزمة بالتأكيد لقوات التحالف في اليمن.
وفي كل الأحوال يظل الشارع السوداني، الذي يرفض بعضه التدخل العسكري في اليمن، صاحب القرار مستقبلاً إذا ما انتقلت السلطة إلى حكومة مدنية لا تجد لها ناقة ولا جملاً بالحرب الأهلية في اليمن السعيد، ولكن حتى هذا الوقت سيبقى محمد حمدان دقلو الرجل الأقوى داخلياً.