في وقتٍ سابق من الشهر الجاري، أصدر الكونغرس قراراً تاريخياً بإنهاء المشاركة الأمريكية في حرب اليمن، مُرسلاً بذلك توبيخاً قاسياً للتحالف الذي تقوده السعودية والذي أسهم في إحداث أسوأ أزمة إنسانية في العالم. لكنَّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استخدم الثلاثاء 16 أبريل/نيسان، حق النقض (الفيتو) ضد القرار.
بِن فريمان مدير مبادرة شفافية التأثير الأجنبي في مركز السياسة الدولية يقول بصحيفة The Washington Post الأمريكية إن الخطوةٍ كانت متوقعة لكنَّها مُحبطة. ومن الواضح تماماً أنَّ الولايات المتحدة يجب ألَّا تدعم التحالف الذي تقوده السعودية، الذي استخدم أسلحة أمريكية مراراً في هجماتٍ أسفرت عن مقتل مدنيين، وبل وعقد شراكةً سرية مع مقاتلي تنظيم القاعدة في اليمن، مما أدى إلى عودة التنظيم الإرهابي المسؤول عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.
فلماذا استغرق الكونغرس وقتاً طويلاً جداً لتمرير قرارٍ يُفيد مصلحة أمريكا بوضوح، ولماذا استخدم ترامب حق النقض ضده؟
الإجابة بسيطة: وهي التأثير غير العادي لجماعات الضغط السعودية
فوفقاً لتقريرٍ جديد صادر عن مبادرة شفافية التأثير الأجنبي، ذكرت شركات مُسجَّلة بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب أنَّها تلقَّت أكثر من 40 مليون دولار من المملكة العربية السعودية في العامين الماضيين 2017 و2018. واتضح أنَّ هناك أفراداً في جماعات ضغط سعودية وخبراء سعوديين في العلاقات العامة تواصلوا مع نوابٍ في الكونغرس ومسؤولين في السلطة التنفيذية ووسائل الإعلام والمؤسسات الفكرية أكثر من 4 آلاف مرة. وركَّزت معظم مجهودات هؤلاء الأفراد على ضمان استمرار مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية بلا انقطاع، ومنع إجراءات الكونغرس التي من شأنها إنهاء الدعم الأمريكي للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
وكذلك أفاد أشخاصٌ في جماعات ضغط ومحامون وموظفون في شركات علاقات عامة يعملون لمصلحة السعوديين بأنَّهم أسهموا بأكثر من 4.5 مليون دولار في تمويلات حملة الضغط طوال العامين الماضيين، من بينها ما لا يقل عن 6 آلاف دولار لترامب نفسه.
أموال سعودية ذهبت لأعضاء بالكونغرس قبل يوم التصويت
وفي كثيرٍ من الحالات، ذهبت هذه الأموال إلى بعض أعضاء الكونغرس الذين تواصل معهم هؤلاء الأشخاص بشأن حرب اليمن. وفي الحقيقة، ذهبت بعض الأموال إلى أعضاء في الكونغرس في نفس اليوم الذي تواصل معهم فيه بعض أفراد جماعات الضغط السعودية، فيما ذهب بعضها إلى نوابٍ بارزين في الكونغرس قبل يوم التصويت المهم على الدعم الأمريكي للسعودية في حرب اليمن، بل وفي خلال اليوم نفسه.
فعلى سبيل المثال، في يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، التقى عملاء أجانب سعوديون مُسجَّلون في مجموعة ماكيون -التي كان رئيسها التنفيذي هوارد ماكيون يرأس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب سابقاً- بمساعد جيمس إنهوف (السيناتور الجمهوري عن ولاية أوكلاهوما) في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ لمناقشة شؤون المملكة والتبرع بألف دولار لحملة إنهوف الانتخابية في اليوم نفسه. وبعد ذلك بأسبوعين، صوَّت إينهوف ضد قرارٍ ينهي مشاركة الولايات المتحدة في الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، وعارَض بشدة تمرير مجلس الشيوخ للقرار في العام الجاري.
وفي وقتٍ سابق من العام الماضي، وتحديداً في 16 مايو/أيار، قيل إنَّ روبرت مينينديز (السيناتور الديمقراطي عن ولاية نيو جيرسي) ورئيس موظفيه التقيا وكيلاً أجنبياً سعودياً مُسجَّلاً في شركة Brownstein Hyatt Farber Schreck لمناقشة القرار المتعلق باليمن، وحصلا على تبرعٍ بقيمة 500 دولار من إليزابيث غور عضوة جماعات الضغط في الشركة في اليوم نفسه.
وبعضهم تلقى التبرعات أيضاً قبل أيام من التصويت بالكونغرس
وقبل ذلك بشهرين، في 20 مارس/آذار، صوَّت مينينديز لتأجيل النظر في مُقترحٍ لإنهاء مشاركة الولايات المتحدة في حرب اليمن. وتلقى مينينديز كذلك تبرعاً من شركة Squire Patton Boggs، وهي شركة أخرى تمثل السعوديين، قبل أيامٍ من ذلك التصويت. وكذلك قبل التصويت بثمانية أيامٍ فقط، تلقت هايدي هايتكامب (عضوة مجلس الشيوخ الديمقراطية عن ولاية داكوتا الشمالية) تبرعاً بقيمة ألف دولار من شركة Glover Park Group، التي كانت تتلقى تمويلها من السعودية آنذاك. (جديرٌ بالذكر أنَّ الشركة أخرجت السعودية من قائمة عملائها في أكتوبر/تشرين الأول). وفي الأيام الأربعة التي سبقت التصويت في 20 مارس/آذار، تلقى بيل نيلسون (السيناتور الديمقراطي عن ولاية فيلادلفيا) تبرعاتٍ لحملته الانتخابية بقيمة 3 آلاف دولار من شركة Brownstein Hyatt Farber Schreck، من بينها تبرعٌ في يوم التصويت نفسه.
وقد كانت كل هذه تغييراتٍ رئيسية في التصويت مثَّلت عاملاً أساسياً في إبقاء الولايات المتحدة في حرب اليمن.
لكن تأثير آلة الضغط السعودية بدأ يضعف بعد جريمة قتل خاشقجي
بعد الجريمة المروعة التي تعرَّض لها الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، الذي قيل إنَّه قُتل بإذنٍ من الأمير السعودي محمد بن سلمان. توقفت منذ ذلك الحين العديد من شركات الضغط وبعض المؤسسات الفكرية والجامعات الأمريكية عن تلقِّي الأموال السعودية. وكلُّ ذلك قلَّص النفوذ السعودي إلى حدٍّ كبير، مما سمح بكشف حقيقة المملكة العربية السعودية، وأدى إلى اتخاذ الكونغرس الإجراء الصحيح أخيراً: وهو التصويت بالموافقة على إنهاء مشاركة الولايات المتحدة في حرب اليمن.
بينما تواصل توددهم الواضح إلى ترامب
إذ أدَّت آلة الضغط السعودية دوراً فعَّالاً في إبقاء ترامب منحازاً إلى السعوديين منذ بداية رئاسته. ومن بين العديد من الأشياء التي فعلتها لتوطيد تلك العلاقة أنَّها مهَّدت الطريق لتوثيق العلاقة بين بن سلمان وجاريد كوشنر، صهر ترامب، وساعدت في ضمان إجراء مقابلةٍ بين بن سلمان وترامب في البيت الأبيض في 20 مارس/آذار من العام الماضي، وهو اليوم نفسه الذي أجَّل فيه الكونغرس النظر في مُقترحٍ لإنهاء مشاركة الولايات المتحدة في حرب اليمن. وكذلك دفعت جماعات الضغط السعودية أموالاً نظير حجز نحو 500 غرفةٍ في فندق ترامب في واشنطن بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية مباشرةً.
والأمر الآن في يد الكونغرس لإبطال الفيتو الذي استخدمه ترامب وإنهاء مشاركة الولايات المتحدة في حرب اليمن. وإذا فعل ذلك، ستبعث هذه الخطوة بتوبيخٍ شديد للمملكة العربية السعودية، وتؤكِّد يشير أنَّ السياسة الخارجية الأمريكية ليست للبيع، وتُظهِر أنَّ الكونغرس، على الأقل، يضع مصلحة أمريكا فوق مصلحة آلة الضغط السعودية.