تقسيم المصالح.. روسيا وإيران والصين تتنافس للسيطرة على الاقتصاد السوري من بوابة إعادة الإعمار

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/04/18 الساعة 16:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/18 الساعة 16:05 بتوقيت غرينتش
أحياء سكنية مدمرة في حلب، 2018، رويترز

التقى وزير النقل بالنظام السوري، علي حمود، السفير الصيني لدى سوريا تشي كيانجين، في العاصمة السورية دمشق، 10 أبريل/نيسان 2019. وأكد حمود أهمية إشراك بلاده في مبادرة بكين "حزام واحد-طريق واحد"، وهي خطة طموحة لإعادة إنشاء طريق الحرير. ودعا حمود المستثمرين الصينيين إلى المشاركة في المشروعات التجارية على الأراضي السورية، وضمن ذلك مدينة الصناعات البحرية، التي من المقرر إنشاؤها على ساحل البحر الأبيض المتوسط بين مدينتي اللاذقية وطرطوس، وتطوير طرق النقل الدولي، وإطلاق مشروعات السكك الحديدية في ريف دمشق.

وأجرى بشار الأسد زيارة خاصة للعاصمة الإيرانية طهران يوم 25 فبراير/شباط 2019، لمقابلة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي والرئيس الإيراني حسن روحاني. وتمت الزيارة في ضوء التبادلات المكثفة بين الوفود التجارية الإيرانية والسورية ومناقشات الخبراء حول مطالبات إيران بأن تؤدي دوراً رئيسياً في إعادة إعمار سوريا.

وفي السياق ذاته أيضاً، تستضيف روسيا منتدى يالطا الاقتصادي الدولي الخامس في الفترة من 17 أبريل/نيسان إلى 20 أبريل/نيسان 2019. واختيرت سوريا عضواً فخرياً في المنتدى بعد اتفاقية التعاون المتبادل التي وقعت عليها جمهورية القرم وسوريا العام الماضي (2018). وتُعد الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) والتلفزيون السوري هما الشريكين الإعلاميين للمنتدى.

تقسيم النفوذ والمصالح

ووفقاً لصحيفة "آسيا تايمز" الصينية، تنوي روسيا البقاء في سوريا، باعتبارها القوة العسكرية الوحيدة على طول ساحل البحر المتوسط، بالنظر إلى قاعدتها الجوية في حميميم ودعوة دمشق لها لتحديث قاعدة بحرية تعود إلى الحقبة السوفييتية، في طرطوس. لكن الإيرانيين أيضاً لديهم مَنفذ على الساحل؛ فقد كان لديهم عقد إيجار جزئي لميناء اللاذقية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2018.

وعلى الرغم من السماح لإيران رسمياً باستخدام الميناء للأغراض الاقتصادية فقط، فإن هذا الواقع الجديد يتعلق بروسيا التي تتوقع مخاطر على قواتها، من خلال تعرُّض القوات الإيرانية لهجمات عارضة تشنها إسرائيل أو حتى الولايات المتحدة.

وربط الباحث الأمريكي جوشوا لانديس، الخبير في الشأن السوري، العلاقة بين إيران وميناء اللاذقية بالصين.

وقال لانديس لصحيفة "آسيا تايمز": "يريد الجميع إنشاء طريق الحرير في الوقت الحاضر، وتُعد الموانئ مكاناً جيداً لبدء هذا المشروع"، مشيراً إلى حلم طهران المتمثل ببيع النفط والغاز لأوروبا عن طريق ممرات النقل العراقية والسورية.

منافسة كبيرة للسيطرة على الاقتصاد السوري

في حين قال الباحث السوري سنان حتاحت، وهو زميل أول في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، لموقع Al Monitor الأمريكي، إن موسكو وطهران تتنافسان للسيطرة على الاقتصاد السوري، مع تركيز خاص على مشروعات إعادة الإعمار.

بوتين والرئيس السوري بشار الأسد/ رويترز
بوتين والرئيس السوري بشار الأسد/ رويترز

ونشر حتاحت بحثاً على موقع معهد تشاتام هاوس البريطاني، قال فيه: "بالإضافة إلى فتح خطوط الائتمان وتوريد المنتجات الاستراتيجية الحيوية، تسعى كلٌّ من روسيا وإيران إلى أداء دور أكبر في الاقتصاد السوري من خلال الاتفاق على عقود استثمار لشركاتهما وتكتلاتهما التجارية الكبرى".

وأضاف: "تريد موسكو وطهران الحصول على تعويض جزئي عن تدخلاتهما العسكرية في سوريا، ويتبع كلاهما أسلوباً لانتهاز الفرص بالسوق السورية".

وإذا جرى تحليل الأمر باستخدام أداة التحليل الرباعي -أي نقاط القوة ونقاط الضعف والفرص والتهديدات- فإن إيران وروسيا والصين تواجه تحديات فريدة من حيث وجودها الاقتصادي في سوريا.

لكن التحديات في سوريا كبيرة أمام هؤلاء الحلفاء

منذ عام 2012، تؤدي القوات الإيرانية -مع "الحرس الثوري" وحزب الله- دوراً عسكرياً حاسماً في سوريا؛ وهو ما أدى إلى ظهور فصيل موالٍ لإيران بالجيش السوري وقواتها الأمنية.

وعزز مكانةَ إيران بصفتها راعية للنظام السوري -من خلال تخصيص خطوط ائتمان بقيمة 7.6 مليار دولار أمريكي من عام 2013 حتى عام 2017، وتقديم إمدادات شهرية من المنتجات النفطية- وجودُ جماعات موالية لطهران في الحكومة السورية وبين رواد الأعمال المحسوبين على النظام السوري.

وساعدت روسيا فصائلها داخل الجيش السوري والمخابرات منذ سبتمبر/أيلول 2015، من خلال حملتها العسكرية والدعم المزعوم لبعض جماعات النخبة السورية. وفي عام 2014، أرسلت روسيا مساعدات مالية مخصصة لموظفي الخدمة المدنية، وتبعتها لاحقاً بإمدادات إنسانية من القمح. ودعمت شركة Stroytransgaz الروسية، وهي شركة كبرى متخصصة بالإنشاءات الهندسية شاركت في مشروعات سورية قبل الحرب وخلالها، المتعاطفين مع روسيا في الحكومة المحلية وقطاع الأعمال.

800 مليون يوان .. منحة صينية للنظام السوري تسلمتها حكومة الأسد في مارس الماضي 2019/ سانا
800 مليون يوان .. منحة صينية للنظام السوري تسلمتها حكومة الأسد في مارس الماضي 2019/ سانا

وحرص الصينيون بدورهم على تكوين علاقات مؤثرة مع مختلف الهياكل الحكومية وشركات القطاع العام منذ بداية الألفية الجديدة. وركزت الصين -التي ترى في سوريا مركزاً لاقتحام السوقين اللبنانية والعراقية- على مشروعات التعاون الثنائي بمجالات النفط والغاز والكهرباء. وقد تُدعم المكانة التي حققتها بكين في ذلك الوقت بإمكانات مالية وصناعية أكبر بكثير، مقارنةً بطهران أو موسكو.

وتُعد نقاط الضعف في الأطراف المعنية أوضح. إذ أدت محاولات إيران -التي تعتبر أن مساعداتها الاقتصادية استثمار طويل الأجل وليست هبات- للحصول على دور بارز إلى انقسام النخب السياسية والعسكرية ورجال الأعمال في سوريا. وحدثت توترات على جبهتين، الأولى: السوريون العلمانيون والمتدينون، وضمن ذلك العلويون، والثانية رواد الأعمال الذين يستفيدون من المشروعات الإيرانية وخصومها، والأطراف المتحالفة مع قطر والسعودية ودول الخليج الأخرى ولبنان والغرب.

كذلك واجهت الشركات الروسية تحديات في تمويل المشروعات داخل سوريا. وبالنظر إلى روابط روسيا القوية بالاقتصاد العالمي مقارنة بإيران، تُعد العقوبات الموقعة على النظامين السوري والروسي أحد أبرز التحديات. تتعقد هذه الصعوبات بسبب نقص الخبرات العملية الإيجابية في القطاعين الخاصين لكلا البلدين، بالإضافة إلى الفساد والبيروقراطية المفرطة في سوريا.

وتتمثل نقاط ضعف الصين في عدم وجود فصائل موالية لها بين صفوف الجيش السوري. كذلك تبدو بنوك هونغ كونغ مترددة في تمويل الاستثمارات المباشرة في إعادة إعمار سوريا؛ خوفاً من العقوبات الأمريكية.

أحلام الحلفاء على الأرض السورية

ومع ذلك، ترى القوى الثلاث بعض الفرص المثيرة لاهتمامها في سوريا. إذ تحلم إيران بإنشاء جسر استراتيجي مع حزب الله في لبنان، بالإضافة إلى خلق فرصة تاريخية للتجار ورجال الصناعة للوصول بشكل حصري إلى الأسواق السورية.

الأسد خلال زيارته لطهران في فبراير الماضي/ رويترز
الأسد خلال زيارته لطهران في فبراير الماضي/ رويترز

في حين تسعى روسيا إلى الحصول على تعويض عن نفقاتها العسكرية على الحرب، من خلال استخراج النفط والغاز والفوسفات والموارد المعدنية الأخرى، مع التركيز على الأرباح المستقبلية من تحديث البنية التحتية للنقل.

بينما تبدو الصين عازمة على زيادة اعتماد سوريا على بكين فيما يتعلق بالبنية التحتية الحيوية، مثل قطاع الطاقة، ومن ثم تقويض اليابان وألمانيا. كذلك تسعى الصين إلى اقتحام الأسواق الواسعة من أجل استهلاك سلعها. وفي الوقت نفسه، يريد الصينيون تنفيذ مشروعات منتقاة تهدف إلى ضمان توطين الصناعات، مثل إنتاج السيارات.

أخيراً، فيما يتعلق بالتهديدات، وضع الوجود الإيراني السلطات السورية بالفعل تحت خطر التعرض لهجوم من إسرائيل، وهو التهديد الذي تشعر موسكو بأنه بحاجة إلى اتخاذ إجراء حياله. وتخاطر بكين بخسارة استثمارات كبيرة في حال تنحى الأسد عن منصبه وظهور الشركاء التجاريين التقليديين لسوريا (اليابان وكوريا الجنوبية ودول الاتحاد الأوروبي) من جديد.

باختصار، ووسط تكهنات واسعة النطاق حول التنافس الاقتصادي المتنامي بين إيران وروسيا والصين في سوريا، تسعى موسكو وطهران إلى تقسيم مجالات مصالحهما وبناء علاقات بين الحكومات والشركات وشركائهما السوريين. وفي حين يركز الروس أكثر على الموارد المعدنية والبنية التحتية للنقل وإنتاج الأسمدة، يعطي الإيرانيون الأولوية لقطاعات التجارة والعقارات والزراعة والإنشاء. من جانبهم، ما زال الصينيون يقصرون جهودهم على قطاع الكهرباء وبعض الصناعات التحويلية.

تحميل المزيد