كان ينبغي لزيارة أهرامات الجيزة التاريخية أن تكون أبرز أحداث عطلة السائحة المجرية نويمي هاسون في مصر، لكن بعد مضي بضع دقائق، تراجعت نويمي لحافلة الرحلة مصدومة وممتعضة مما شهدته.
داخل مجمع الأهرامات، جياد هزيلة تلهث وتجاهد في جرّ العربات المُحمّلة بالسيّاح، صاعدين منحدراً حاداً، بينما يجلدهم سائقو العربات لإجبارهم على الإسراع.
بعض الجياد تعثرت وانزلقت على الأرض الإسفلتية المُعبدة، والآخرون لديهم جروح مفتوحة. وفي قسوة حر الصيف، لم يكن هناك مصدر للمياه.
قالت هاسون لصحيفة The New York Times: "لقد صُدمت، يا لهؤلاء الجياد المساكين. وكأنه عَالم آخر".
القسوة تجاه الحيوانات في مصر تنفر السياح
لسنوات، أفسدت مشاهد القسوة تجاه الحيوانات على السيّاح مشاعر الانبهار عند زيارتهم للأماكن العظيمة في مصر مثل أهرامات الجيزة أو وادي الملوك بالأقصر.
وصفوا في منشورات غاضبة على فيسبوك أو عبر رسائل بريدية لجمعيات حقوق الحيوان المصرية مشاهد الجياد وهي تنهار والجِمال المريضة والبغال الهزيلة.
كما انتقدوا سوق الجِمال الصاخب خارج القاهرة، حيث يدفع السيّاح أموالاً مقابل التقاط صور، بينما تُضرب الجِمال وحيوانات أخرى بوجوه دامية.
منظمة بيتا تدعو لمقاطعة الحيوانات العاملة في السياحة
تقدم المستشفيات البيطرية في القاهرة العلاج لسيل مستمر من الحيوانات العاملة المريضة، التي تم الاعتداء عليها، والتي تعاني سوء التغذية.
الآن تطالب منظمة بيتا (الأشخاص المطالبون بمعاملة أخلاقية للحيوانات) السيّاح بمقاطعة كل الحيوانات العاملة في الأماكن السياحية الكبرى المصرية.
بعدما لم يؤت طلبهم لدى وزارة السياحة للتدخل والمساعدة ثماراً، نشرت المنظمة صوراً تظهر إيذاء الجياد والجِمال لكسب الدعم الدولي للحملة.
قالت آشلي فرونو، مديرة برامج مساعدة الحيوانات في منظمة بيتا: "لم يعد هناك مكان لمثل هذا الإيذاء في السياحة الحديثة".
والبعض يطالب ملاك الحيوانات بالرأفة بها
لكن ما يشكل السياحة الأخلاقية في دولة مفقرة مثل مصر، هو أمر يخضع للجدل، حتى بين جمعيات حقوق الحيوان.
يوفر ركوب الحيوانات سبيلاً لكسب العيش لآلاف من العائلات المصرية، وتجادل بعض الجمعيات أنه من الأفضل إصلاح طرقهم المؤذية بدلاً من مقاطعتهم تماماً.
ويصر الكثير من الملاك على أنهم يعاملون حيواناتهم جيداً، البعض يقبل جِمالهم على الشفاه ليرضي السيّاح، ويقولون إنهم لا ينبغي أن يعاقبوا بأخطاء الآخرين.
يقدم أحمد كامل، الشاب النحيل الذي يتحدث عدة لغات، جولات بالعربة التي تجرها الحيوانات (الحنطور) حول الأهرامات مقابل 9 دولارات.
بعد ظهيرة يوم جمعة مزدحم قريب، ربّت على حصانه بحنان بينما تصدح أغاني بوب مصرية تعرف باسم (الأغاني الشعبية) من مكبر الصوت.
يقر أحمد أن بعض الملاك مؤذيون: "يعملون في الصباح ويذهبون للشرب بعد الظهيرة، ولا يكترثون لأي شيء، لكنني يجب أن أعتني بأسرتي. إذا تخلصتم منّا، ماذا سأفعل؟"
وقال إنه سمى حصانه على اسم ابنته، وأضاف "إنّي أحبها" دون أن يحدد هل يشير إلى الفتاة أم إلى الحيوان.
سيدة بريطانية أسست مستشفى لعلاج الجياد في مصر
في مستشفى بروك الخيري لعلاج الحيوانات في منطقة السيدة زينب بالقاهرة، يدفع د. محمد حماد باب كشك ليكشف عن حصان نحيل للغاية، بعظام حوض بارزة وجرح كبير في مؤخرته.
جُرح الحصان إثر حادثة وقعت في منطقة الأهرامات، وأدى لإصابته بعدوى في خصيتيه، وهو يخضع الآن للعلاج منها.
يقول د. محمد: "إذا نظرت في عينيه، سترى أنه ليس سعيداً".
أنشأت دروثي بروك تلك المستشفى التي ينتهي الحال بالكثير من الحالات السيئة فيها، في القاهرة عام 1934.
دروثي سيدة بريطانية انزعجت من معاملة جياد الحرب قديماً في مصر. الآن تعمل المستشفى في ثلاث قارات لتعالج الجياد والحمير والبغال.
وجمعيتها تشجع على معاملة الحيوانات بالحسنى
فيما يتعلق بالسياحة، تشجع جمعية بروك السيّاح أن يظلوا متنبهين بخصوص الإيذاء بدلاً من مقاطعة الركوب كلياً، تحث الزوار على الانتباه لعلامات سوء التغذية، وأن يرفضوا الركوب مع مالك يجلد الحيوانات.
بدلاً من تجنب الملاك تماماً، تحاول بروك استدراجهم لممارسات أفضل، باستمالتهم بالمال غالباً.
أشار د. محمد إلى حصان عليل آخر وقال: "أخبرت مالكه أنه إذا تعافى سريعاً سيتمكن من العمل مرة أخرى، وإذا لم نفعل شيئاً سيموت، ولن تكون له قيمة".
الفراعنة كانوا يقدرون الحيوانات ويحنطونها
في وقت مضى، كانت الحيوانات تحظى بتقدير في مصر.
حنط المصريون القدماء الحيوانات مثل القطط والكلاب والقرود والطيور لتقديمها قرابين للآلهة أو لمساعدة الحيوان على الوصول للحياة ما بعد الموت.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وجد علماء الآثار مجموعة من القطط المحنطة والجعارين (خنفساء الروث) في مقبرة خارج القاهرة.
كتبت وزارة الآثار المصرية على حسابها على موقع تويتر: "اكتشف العشرات من القطط المحنطة في #سقارة #المدينة الجنائزية مع 100 تمثال خشبي مُذْهَب لقطط وتمثال برونزي للقطة #المعبودة #باستيت".
لكن حالياً رعاية الحيوانات ليست بالأمر المهم في مصر
حديقة الحيوانات بالجيزة متهدمة وكئيبة. وتتجول الكلاب البرية في الشوارع ليلاً. عارض رجال الدين المسلمون القتل الرحيم للكلاب الضالة، قائلين إن هذا يعارض مشيئة الله.
في سوق برقاش للجمال خارج القاهرة، يُقدّم عرضاً مفتوحاً للوحشية.
جِمال تعرج على ثلاثة أقدام، إذ إن القدم الرابعة مثنية للأعلى ومُقيدة لمنعها من الهرب.
يرتدي الرعاة عباءات فضفاضة، رافعين عصياً من القصب، ويضربون الجِمال بقسوة لإبقائها في الصف.
ومشهد وجوه الجمال الملطخة بالدماء يبيت مشهداً معتاداً.
في القاهرة الوضع "أكثر تطرفاً"
يداعب أيمن رمضان، تاجر الجِمال، حبات مسبحته وهو ينظر بازدراء إلى مشاهد الإيذاء.
يقول أيمن: "بعيداً حيث أتيت، في محافظة قنا، على بعد حوالي 483 كيلومترا جنوباً، يعامل الناس الحيوانات باحترام، إذا أصيب جمل نعالجه، وفي الشتاء نوقد ناراً لإبقائهم دافئين".
لكن في القاهرة، المدينة الضخمة المزدحمة بالضوضاء والضغوط، الناس أكثر إيذاءً.
أضاف: "الوضع أكثر تطرفاً".
لم ترد رانيا المشاط، وزيرة السياحة المصرية، ولا العديد من المسؤولين الكبار في الوزارة على استفسارات تتعلق بخطة مصر للحد من الوحشية التي تتعرض لها الحيوانات.
القسوة على الحيوانات قد تؤخر انتعاش السياحة
تقترح منظمة بيتا على السيّاح التنقل بين الأهرامات بطرق أخرى، ربما يحتذون بأمثلة من أماكن سياحية أخرى مثل مسرح الكولوسيوم المدرج في روما، حيث يمكنك استئجار دراجات سيجواي أو في معابد أنغكور وات في كامبوديا، حيث تستبدل الدراجات الكهربائية بركوب الأفيال.
يحدث بعض الإصلاح بالفعل. تبني الحكومة حالياً مركزاً سياحياً في الأهرامات من المخطط افتتاحه هذا الصيف، ويقال إنه سيشمل منطقة منفصلة لركوب الجياد والجِمال.
حسب بعض التقارير الإخبارية المحلية، ستشمل تلك المنطقة مرافق لإطعام وسقاية وعلاج الجياد والجِمال.
حققت السياحة في مصر صعوداً قوياً في السنوات القليلة الماضية، بعدما كانت منهارة إثر الفوضى التي تبعت ثورات الربيع العربي في 2011.
لكن هذا الانتعاش هش؛ العنف القتالي هو القلق الأكبر، لكن السمعة السيئة نتيجة القسوة على الحيوانات يمكنها أن تؤثر بشدة على التجارة.
عريضة عالمية تطالب بتغيير الأحوال
بعدما عادت هاسون من رحلتها في مصر إلى موطنها في المجر، بدأت عريضة التماس عبر الإنترنت تطالب الحكومة المصرية بمنع الممارسات الوحشية تجاه الحيوانات العاملة في الأماكن السياحية.
اعتباراً من يوم الأحد 14 أبريل/نيسان 2019، كان قد وقّع على العريضة ما يقارب 50 ألف شخص.
كتبت: "هذا المكان هو قطعة من الجحيم على الأرض للجياد التي تجر العربات والجِمال. هذا الرعب يجب أن يتوقف الآن".
قالت أمينة أباظة، ناشطة مصرية، إنها تستقبل باستمرار تقارير مشابهة من سيّاح غاضبين عبر صفحة حساب الجمعية المصرية لرعاية حقوق الحيوان، على موقع فيسبوك.
وهي جمعية غير هادفة للربح. وأضافت: "أنا لا أبرز ذلك الإيذاء لأنتقد بلدي، لكنني أريد أن أجعله أفضل".
منذ سنوات قليلة، سائحة سويسرية هالها منظر حِمارة تعاني، فدفعت 900 دولار لتعالج الحيوان وتنقله إلى سويسرا.
تدخلت أمينة لتقنع السائحة بترك الحِمارة في ملجئها جنوبي القاهرة.
في البداية كانت الحِمارة، التي سُميت سيرافينا، تبدو غاضبةً، وتركل أي أحد يقترب منها، كما قالت أمينة. لكنها الآن تعيش بسلام مع أربعة حمير و23 كلباً ونسر مصاب.
تقول أمينة: "أصبحت سيرافينا صديقتي، هي تعلم أنها مميزة".