سيطرت فرق الإطفاء في العاصمة الفرنسية فجر الثلاثاء 16 أبريل/ نيسان 2019 على الحريق الضخم، الذي يبدو أنه عرضي، في كاتدرائية نوتردام في باريس، فيما وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه ستتم إعادة بناء هذا الصرح التاريخي.
والحريق الذي اندلع عند الساعة السابعة مساء الإثنين في الكاتدرائية التاريخية وأدى إلى انهيار برج الكاتدرائية القوطية التي شُيدت بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر والبالغ ارتفاعه 93 متراً وسقفها، أثار صدمة وحزناً في مختلف أرجاء العالم.
يشير تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية إلى أن كاتدرائية نوتردام، من أشهر معالم العاصمة الفرنسية باريس، حيث تجذب إليها نحو 13 مليون سائح سنوياً.
والكاتدرائية، التي يعني اسمها "السيّدة"، هي أيضاً مقرّ رئيس أساقفة باريس.
متى بُنيّت كاتدرائية نوتردام؟
بُنيَت الكاتدرائية على جزيرة صغيرة تُدعى أولا دي لا سيتيه "المدينة" تقع وسط نهر السين، وقد بدأ إنشاؤها في العام 1163، خلال عهد الملك لويس السابع، واكتمل البناء في عام 1345. وتُعتبر نوتردام بمثابة جوهرة العمارة القوطية في العصور الوسطى.
وقد تعرّضت الكاتدرائية للتلف والإهمال في تسعينيات القرن الثامن عشر، أثناء الثورة الفرنسية. وقد سردت رواية الكاتب فيكتور هوغو بعنوان "نوتردام باريس" -ونُشِرت باللغة الإنجليزية باسم "أحدب نوتردام"- للقرّاء حكاية حالة المبنى البائسة آنذاك.
وساعدت رواية هوغو على تحفيز عملية إصلاحات كبيرة في الفترة من عام 1844 وحتّى عام 1864؛ وخلالها قام المهندسان المعماريان جان بابتيست أنطوان لاسوس، ويوجين إيمانويل فيوليت لو دوك بإصلاح البرج ودعامات الأعمدة.
ما هي الأحداث التاريخية التي وقعت هناك؟
تم تنصيب هنري السادس من إنجلترا ملكاً لفرنسا داخل مقر كاتدرائية نوتردام في عام 1431.
وتوَِج أيضاً نابليون بونابرت، الذي سعى للحفاظ على الكاتدرائية متعددة الطوابق، إمبراطوراً هناك في عام 1804.
في عام 1909، أعلن البابا بيوس العاشر من داخل الكاتدرائية الغفران للقدّيسة جان دارك التي ساعدت فرنسا في محاربة الإنجليز، وحُرِق جثمانها قبل ذلك بقرون.
ماذا كان يجري حين اندلع الحريق؟
تخضع الكاتدرائية، التي لا يزال قدّاس الأحد يُؤدّى بداخلها، لتجديد واسع النطاق في الفترة الحالية. وفي عام 2017، كتبت صحيفة The New York Times الأمريكية أن الكاتدرائية في حاجّة ماسة للتحسينات؛ فعوامل الطقس والزمن قد أثّرا بشكل هائل على المبنى. وقد تم استبدال المنحوتات الأصلية بأخرى بلاستيكية، حيث كان الحجر الجيري ينهار بمجرّد اللمس.
وكان من المتوقّع أن تبلغ تكلفة عمليات التجديد نحو 180 مليون دولار.
صرح تاريخي يستقطب السياح
كاتدرائية نوتردام تعتبر الصرح التاريخي الذي يستقطب أكبر عدد من الزوار في أوروبا، ويزورها ما بين 12 و14 مليون سائح كل سنة.
وكان رجال الإطفاء دخلوا في سباق مع الزمن مساء الإثنين في باريس في محاولتهم لإنقاذ الكاتدرائية. وتجمع سياح وباريسيون في محيط الكاتدرائية فيما كانت تلتهمها النيران.
وأوضحت نيابة باريس مساء الإثنين أنه تم فتح تحقيق بتهمة "تدمير غير متعمد عبر حريق". وأوضح مصدر مقرب من الملف أن فرضية حريق عرضي بسبب أعمال الترميم "يركز عليها المحققون".
وستطلق مؤسسة التراث، الخاصة التي تعمل على حماية الآثار الفرنسية، الثلاثاء "حملة جمع أموال وطنية" لإعادة بناء الكاتدرائية كما أعلنت في بيان وصل إلى وكالة فرانس برس.
كما تعهّد الملياردير الفرنسي فرانسوا-هنري بينو بتقديم مئة مليون يورو لإعادة بناء كاتدرائية نوتردام.
وكان الرئيس الفرنسي أكد لدى تفقّده كاتدرائية نوتردام (السيدة العذراء) في وسط العاصمة الإثنين وقد بدا عليه التأثّر أمام ألسنة النيران التي كانت لا تزال تلتهم الكنيسة أنّ "الأسوأ تمّ تجنّبه"، مضيفاً: "سنعيد بناء نوتردام".
"رمز الثقافة الأوروبية"
أثار الحريق حزناً في مختلف أرجاء العالم وتوالت ردود الفعل من أوروبا وصولاً إلى العالم العربي والبرازيل وتركيا.
وأعرب الفاتيكان عن "حزنه" لاحتراق الكاتدرائية. واعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنّ الكاتدرائية هي "رمز لفرنسا" و "لثقافتنا الأوروبية".
من جهتها، أكّدت المديرة العامة لمنظمة اليونسكو أودري أزولاي وقوف المنظمة "إلى جانب فرنسا لحماية وترميم هذا التراث الذي لا يقدر بثمن".
ووصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحريق بـ "الفظيع" مقترحاً استخدام طائرات مخصّصة لمكافحة الحرائق لإخماده.
وفي العالم العربي، قال شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيّب في تغريدة: "أشعر بالحزن تجاه حريق كاتدرائية نوتردام بباريس، هذه التحفة المعمارية التاريخية. قلوبنا مع إخواننا في فرنسا، لهم منا كلّ الدعم".