في أنحاء العالم، يدرس المخطِّطون الحكوميون ويستعدون باستمرار لسيناريوهات الصراع التي تهدِّد بزعزعة استقرار دولهم أو حدودهم أو ما هو أكبر. الكثير من هذه النزاعات يتعلق بصراع أنداد على خلافات حدودية، أو مصالح وطنية متنافسة.
ويركز آخرون على حملات زعزعة الاستقرار الداخلية، أو الجريمة العابرة للدول، أو الإرهاب الدولي. لكن قضية أخرى تلوح في الأفق تواجه زعماء العالم، تتعلق بأغلى موارد الأرض: الماء.
في العديد من مناطق العالم -من شمال إفريقيا إلى الشرق الأوسط إلى وسط وجنوب آسيا- تتعرض الجهود المبذولة لإدارة إمدادات المياه العذبة داخلياً أو الحفاظ على اتفاقات المياه العابرة للحدود إلى ضغوطات، تحت وطأة الندرة بالتوازي مع النمو السكاني والاستهلاك وارتفاع درجات الحرارة.
العنف بسبب المياه يتفشَّى
وأشارت دراسة للبنك الدولي حول وضع المياه العالمي عام 2016، إلى أن مناطق بأكملها قد تشهد انخفاض إجمالي ناتجها المحلي بنسبة تصل إلى 6% بحلول عام 2050، بسبب خسائر مرتبطة بالمياه في قطاعات الزراعة والصحة والدخل والممتلكات. تضم المناطق التي سلط الضوء عليها عدداً من أكبر التجمعات السكانية في العالم، وهي مناطق ذات اقتصادات نامية، وممارسة كثيفة وغير مستدامة للزراعة، وتكثر فيها حالات الجفاف.
يقول دانييل دارلينج، وهو محلل أمريكي في الأسواق العسكرية الدولية ومجالات الدفاع، بمقالة كتبها في مجلة National Interest الأمريكية، إن بناء السدود وآثارها على اتجاه مجاري الأنهار عبر الحدود الوطنية -كما في حالة سد النهضة في إثيوبيا ومشروع تحويل المياه في الصين من نهر يارلونغ تسانغبو جنوب التبت- يهددان بتصعيد التوترات أو بتغيير كلي للمطالبات الوطنية في المناطق المتنازع عليها.
ويضيف دارلينج: يمكن لمثل هذه النزاعات أن تنتشر في أنحاء العالم، في مواجهة التحولات في الديموغرافيا وفي الموارد.
وفقاً لقاعدة بيانات نزاعات المياه المسلسلة زمنياً في معهد المحيط الهادئ، وقع ثمانية عشر حادثاً متعلقاً بالمياه في عام 2018 وحده، تتنوع من عنف يندلع في احتجاجات على إدارة المياه، إلى قتال مباشر بين المجتمعات المتنافسة على الوصول إلى المياه وحقوق الرعي.
تحديات أمنية داخلية كبيرة بسبب المياه
هذه الحوادث يبدو أنها ستصبح عادية لا استثناء، إذ تستهلك موارد المياه بشكل أسرع من تجدد هطول الأمطار في بعض المناطق، والمحدودية تفاقم التوترات طويلة الأمد، سواء كانت إثنية أو قبلية أو وطنية. تهدَّد أنظمة المقايضة الحساسة بين دول المنبع ودول المصب على الأنهار الكبرى بالانهيار بسبب الاضطرابات، كما في حالة دول آسيا الوسطى التي تتقاسم أجزاء من وادي فرغانة.
بالإضافة إلى ذلك، قد تخلق مشكلات الندرة ضغوطاً أمنية داخلية عن طريق التسبب في "التطرف" بين القطاعات السكانية الضعيفة.
نظرًا لأن المياه موردٌ حيوي ومحدود، فإن الدول الصناعية في العالم تحمي بشكل طبيعي الإمدادات المحلية وتولي الأهمية للأمن المائي في الحالات التي يتدفق فيها الماء عبر الحدود المشتركة. قد تشكل ضغوط الموارد حافزاً للنزاع المسلح، عندما تختلط بالنزاعات أو التنافس السياسي.
الحروب على موارد المياه لا تخلو من سوابق، فحرب الأيام الستة عام 1967، على سبيل المثال، كانت في جزء منها محاولة إسرائيلية لوقف بناء بناء سد على نهر اليرموك، أحد روافد نهر الأردن، وهو مصدرٌ رئيسي للمياه لإسرائيل.
المياه سبب لحرب مستقبلية كبيرة بين الهند وباكستان
توجد نقطة أخرى ممكنة الاشتعال في واحدة من أكبر حلبات التوتر في العالم: الحدود بين الهند وباكستان. هناك قد يؤدي التنصل المحتمل من معاهدة مياه "نهر السند"، وهي اتفاقية لتقاسم المياه أُبرمت برعاية البنك الدولي عام 1960، إلى مزيد من الإضرار بالعلاقات بين باكستان والهند، وربما يدفع الخصمين إلى صراع قد يجر دولاً أخرى.
بقيت المعاهدة سارية على الرغم من وقوع حربين خلال تلك الفترة بين الخصمين المتجاورين. يرجع الفضل في هذا إلى الأساس الذي بنيت عليه الاتفاقية: المصلحة الذاتية العقلانية لكلا الموقعين؛ لأن المياه مهمة لكليهما، فإن أي حرب عليها تهدد إمدادات كل منهما، وهو ما يعطل الرغبة الظاهرة في النزاع المسلح.
لكن مع مواجهة باكستان لإمكانية حدوث شح مائي، وإلقائها سبب هذا الوضع على "الإرهاب المائي" الهندي، تزداد احتمالية حدوث الأزمة.
الهند التي تخطط لمواجهة "تهديد توافقي" مفترض على كل من الحدود الشمالية الشرقية والشمالية الغربية من الصين وباكستان، عليها أن تسير بحذر لتفادي المعاملة بالمثل من بكين إذا أدارت الأخيرة ظهرها للعقلانية المائية. ففي حين تتمتع الهند باليد العليا على باكستان لأنها دولة المنبع لأنهار: ستلج، وبياس، ورافي، فإن الصين تتمتع بذات الموقف على الأنهار الرئيسية التي تتدفق إلى الهند من التبت.
ونظراً لهشاشة الوضع المائي لباكستان -ومن أسبابه انفجار النمو السكاني، وسوء استخدام وصيانة البنية التحتية للمياه، وأنماط الاستخدام غير المستدامة- فإن أي تهديد من جانب الهند بإلغاء المعاهدة أو زيادة حصة مياهها في أي من الأنهار التي تشملها، سينظر إليه من قِبل إسلام أباد على أنه عمل حربي.
الانحياز الإستراتيجي الباكستاني للصين قد يكون عاملاً يجذب بكين إلى الفوضى إذا اندلع النزاع، مما يؤدي إلى مواجهة الهند لحرب على جبهتين وهي أكبر مخاوف مخططيها. في ظل هذا السيناريو، الذي تجري فيه ثلاث دول نووية عمليات عسكرية على مستوى ما من الخطورة، فسيتدافع باقي العالم للتوسط في الأزمة عند ساعة الصفر.
ومع أن مثل هذا الحادث قد يبدو بعيداً عن التحقق، لكنه يستلزم تضافر مؤسسات متعددة الأطراف، ومنظمات غير حكومية دولية، والأهم من ذلك أن ينظر القادة العالميون إلى أبعد من بكين وإسلام أباد ونيودلهي للبدء في بحث كيفية نزع فتيل هذه الاشتباكات المحتملة على موارد المياه، الواقعة تحت ضغط متزايد في العديد من المناطق النامية في العالم.