تشديد الإجراءات الأمنية
في أحد الأيام الباردة بشهر فبراير/شباط 2018، وجد سكان أحد المجمعات السكنية في مدينة إيكاترينبرغ، التي ستقام فيها بعض مباريات كأس العالم لكرة القدم، أنفسهم فجأة، معزولين عن الطرق الرئيسية ومساحات وقوف السيارات. وقد أقيم سياج أمني حديدي يفصلهم عن الاستاد الذي ستقام عليه 4 مباريات في البطولة التي ستستغرق شهراً كاملاً.
ويمتد الحاجز، الذي أقيم بارتفاع 3 أمتار، إضافة إلى كاميرات مراقبة تلفزيونية، عبر عدة مجمعات سكنية، وسيظل قائماً حتى أغسطس/آب 2018، رغم أن البطولة نفسها ستنتهي في 15 يوليو/تموز 2018.
كما منعت الشرطة الروسية السكان من استخدام شرفات منازلهم، وحظرت عليهم فتح النوافذ أو الوقوف بجوارها في أيام إقامة المباريات؛ تجنباً لاستهدافهم بالخطأ من جانب قناصة الشرطة على اعتبار أنهم مهاجمون محتملون.
ويعيش المقيمون في مبنى 27 بشارع "كريلوفا"، وهي بنايةٌ مؤلفةٌ من 12 طابقاً مطليّة باللون البني بدرجتيه الفاتح والغامق مع سقف أحمر، على مسافة قريبة للغاية من الاستاد، لدرجة أنه يمكنهم رؤية المشجعين في المدرجات من نوافذ منزلهم.
وتقول إيلينا مورمول، وهي واحدة من سكان هذه البناية: "نعيش الآن خلف الأسوار، كأننا في حديقة حيوانات. مدخل البناية التي أسكن بها أصبح تحت الحصار". وتقول إنه لم يعد بإمكانها أن تذهب بابنها الذي يعاني إعاقة إلى المستشفى؛ لأنه أصبح ممنوعاً عليها استخدام الشريط الضيق من الرصيف الذي خصصته السلطات للوصول إلى الطريق. كما تأثرت أيضاً خدمات التوصيل للمنازل.
ولم تخلق الإجراءات الأمنية المكثفة مشكلات في إيكاترينبرغ فحسب؛ بل إن سكاناً في مدن أخرى ستستضيف مباريات كأس العالم يقولون إن تلك الإجراءات مربكة بشكل كبير، ولا تراعي مصالح المواطنين العاديين.
ويقول يفجيني شيرنوف، الذي يدير محلاً لبيع الأدوات الرياضية في البناية نفسها، التي يقع مدخلها تحت الحصار: "اتضح أن كل ما تم اتخاذه من إجراءات لا يراعي صالح المشجعين أو السكان… ولكن لكي يقول المسؤولون إنهم أدّوا ما عليهم".
يكمل شيرنوف: "لَم يضعنا أحد في حسبانه عند القيام بهذه الإجراءات. في بلدنا ليس هناك حاجة للناس أو الأفكار، المواطنون عليهم فقط دفع الضرائب، وأن يوافقوا على كل شيء وهم صامتون".
وقال تشيرنوف إن إيراداته انخفضت إلى أكثر من النصف؛ لصعوبة وصول الزبائن إلى المحل؛ بسبب السياج. وخلال المقابلة، لم يدخل المحل أي مشترٍ.
ولم تردَّ وزارة الداخلية الروسية في موسكو أو فرعها بمقاطعة سفردلوفسك التي تضم إيكاترينبرغ أو اللجنة المحلية المنظِّمة لكأس العالم على طلبات التعقيب على تلك المسألة إلا في وقت متأخر.
إجراءات أمنية خاصة
وأصبحت إيكاترينبرغ، التي تضم نحو 1.5 مليون نسمة وتبعد 1500 كيلومتر شرق موسكو، خاضعة تماماً لسيطرة قوات أمنية خاصة مثل غيرها من المدن العشر الأخرى التي ستقام بها مباريات في البطولة.
وتقول السلطات إن هذه الإجراءات تهدف إلى تعزيز أمن المشجعين وتقليل احتمالات وقوع هجمات، مشيرة إلى أن ما يترتب عليها من إزعاج هو أمر مؤقت.
وحظرت السلطات استخدام الطائرات اللاسلكية (الدرون) خلال مدة البطولة، كما شددت من القوانين الصارمة بالأساس والتي تنظم أمور الاحتجاجات العامة، ومنعت تنظيم حفلات الشواء، كما علَّقت مبيعات الأسلحة الشخصية والبنادق طوال فترة كأس العالم.
وقالت مسؤولة في شركة سياحة قريبة من المقاطعة، إن السلطات حاولت إقناعها مع عدد من الشركات الأخرى بالإغلاق في أيام إقامة المباريات.
وأضاف تاتيانا ستراخينا: "لن نغلق أبوابنا؛ فنحن شركة سياحية، وهذه الفترة هي ذروة نشاطنا. من سيعوضنا (عن أي خسائر)؟".
وقالت إن الاستعدادات لكأس العالم وأعمال الإنشاءات في الاستاد زادت من صعوبة أن يجد الزبائن مكاناً لإيقاف سياراتهم في موقع قريب من الشركة، وغالباً ما تعرضت سيارات الزبائن للسحب بعيداً من جانب الشرطة، مضيفة أن الشركة تبحث عن مقر جديد لها بسبب ما حدث.
وستزداد صعوبة سفر السكان المحليين إلى الخارج خلال البطولة؛ إذ قال مسؤولون في المطار ووكلاء سفر إن رحلات الطيران العارض سيعاد توجيهها لتهبط في مطار تشيليابينسك الذي يبعد 200 كيلومتر بدلاً من المطار المحلي لـ4 أيام في الأسبوع على الأقل.
وسيحتاج سكان 52 بناية سكنية تقع في المحيط الأمني بالقرب من استاد إيكاترينبرغ لتصريح خاص باستخدام سياراتهم؛ للتحرك في موعد إقامة المباريات نفسه. أما من يقع مقر عمله في المنطقة، لكنه لا يسكن فيها، فيلزم عليه استخدام المواصلات العامة.
ويقول المقيمون في 27 شارع كريلوفا، إنهم خضعوا للتدقيق في هوياتهم الشخصية على مدار عدة أشهر.
ويقول ديمتري شيفنين إن السكان قلقون من فكرة المعاناة في الوصول لمنازلهم خلال البطولة، بينما ذكرت مورمول إن الشرطة أعطت تعليمات صارمة إزاء ما يلزم تجنبه خلال البطولة.
وأضافت: "قام رجال الشرطة في المنطقة بالمرور على جميع الشقق، محذرين جميع السكان من الوقوف في شرفات المنازل خلال إقامة المباريات، وحذرونا أيضاً من فتح النوافذ أو استخدام النظارات المقربة؛ لأن القناصة (التابعين للشرطة) سيعملون في هذه المنطقة".
لكن الاستياء بسبب تعزيز الإجراءات الأمنية لا يشمل الجميع.
وتقول يوليا نيكولاييفا، التي تعيش مع ابنتها في البناية نفسها الواقعة تحت الحصار: "هناك المزيد من النظام الآن، والأمور أصبحت أكثر هدوءاً".
ويبدو من ذلك أن كأس العالم له وجه مغاير تماماً عن الأجواء الاحتفالية التي تعرضها القنوات والمواقع التابعة للحكومة الروسية؛ إذ يعاني آلاف المواطنين من السياسات الأمنية التي تنتهجها الحكومة الروسية في ظل تعتيم إعلامي.