الأشخاص الذين يعانون الحساسية الغذائية يكون لديهم جهاز مناعة يتفاعل مع بعض البروتينات الموجودة في الغذاء، كما لو كانت هذه المركبات شيئاً خطيراً وضاراً بالجسم مثل البكتيريا أو الفيروسات. تؤثر الحساسية الغذائية بجميع أنحاء العالم في 250 مليوناً إلى 550 مليون شخص في البلدان المتقدمة والنامية.
حالياً الحساسية الغذائية عند الأطفال تبدو في ازدياد، وفي بعض الناس يمكن أن تكون الحساسية الغذائية مهدِّدة للحياة، وقد تشمل أعراضها الغثيان والإسهال. ومن الأغذية الشائعة التي تظهر فيها حساسية الغذاء، البيض والمكسرات وفول الصويا والحليب، ويكون تشخيص هذا المرض تحدِّياً حقيقياً أمام الأطباء. ستجد هنا كل ما تحتاج معرفته عن حساسية الغذاء، وكيف يمكن التعامل معها.
ما هي حساسية الغذاء؟
حساسية الغذاء هي ردُّ فعل من جهاز المناعة يحدث مباشرة بعد تناول طعام معين، ويمكن أن تحفز أي كمية، حتى وإن كانت صغيرة من الغذاء المسبب للحساسية، على ظهور علامات وأعراض، مثل المشكلات الهضمية أو تورم الممرات الهوائية. كذلك يمكن أن تسبب حساسية الغذاء لدى البعض أعراضاً حادة أو تفاعلاً مهدِّداً للحياة يُعرف باسم فرط الحساسية.
تؤثر حساسية الغذاء في الأطفال والبالغين، وعلى الرغم من عدم وجود علاج، فإن بعض الأطفال يتخلصون من الحساسية تجاه الطعام كلما تقدموا في السن. ومن السهل الخلط بين الحساسية تجاه الطعام ومرض آخر أكثر انتشاراً معروف باسم عدم تحمُّل الطعام، وهو الحالة التي لا يستطيع فيها الشخص هضم نوع معين من الغذاء بصورة طبيعية وسهلة، وقد تظهر أعراضه بعد تناول هذا الطعام بساعات أو حتى أيام، وتختلف حدة هذه الأعراض من شخص إلى آخر.
يمكن أن تتراوح الأعراض بين خفيفة وشديدة، وتؤثر في كل فرد بشكل مختلف، ليس بالضرورة أن يختبر كل شخص مصاب بالمرض ما يلي من الأعراض، فقد يختلف كل رد فعل من شخص إلى آخر، وتشمل علامات وأعراض حساسية الغذاء:
على الرغم من أن عدم تحمُّل الطعام مزعج، فإنه حالة أقل خطورة من حساسية الغذاء ولا يرتبط بالجهاز المناعي.
أعراض الحساسية الغذائية
وخزاً في الفم، حرقاناً في الشفتين والفم، وقد تتضخم الشفاه والوجه، والطفح الجلدي، وقد يصبح الجلد حاكّاً أو تظهر عليه بعض البقع، والغثيان، والإسهال، وسيلان الأنف، وألماً في البطن، وصفيراً أو احتقاناً بالأنف أو صعوبة في التنفس، والدوخة أو الدوار أو الإغماء.
أعراض الحساسية المفرطة
الحساسية المفرطة تعني الحساسية الشديدة، عادةً ما تحدث أعراضها بعد فترة وجيزة من التعرض لمسببات الحساسية المحددة، ولكن قد يستغرق الأمر بضع ساعات، وتشمل علامات الحساسية المفرطة وأعراضها:
انخفاضاً حاداً وسريعاً في ضغط الدم، وانقباض المسالك الهوائية وتضيّقها، وتورماً بالحلق أو شعوراً بكتلة فيه تسبب صعوبة التنفس، وحكة بالجلد وظهور الطفح الجلدي وانتشاره سريعاً وقد يغطي كثيراً من الجسم، والنبض السريع، والدوخة أو الدوار أو فقدان الوعي، وتضخم الحلق والشفاه والوجه والفم سريعاً.
مسبِّبات الحساسية الغذائية الشائعة
هناك أطعمة أساسية تسبب حساسية الغذاء، وتمثل نحو 90% من مسببات الحساسية الغذائية، ويشار إليها عادة باسم "الثمانية الكبار"، وهي: البيض، والسمك، والحليب، والمكسرات من الأشجار مثل البندق والجوز واللوز، والفول السوداني، والمحار، وفول الصويا، والقمح.
بالنسبة للبالغين، تشمل مسببات الحساسية الغذائية الشائعة أكثر الأنواع من الأسماك والفول السوداني وبعض المحار مثل سرطان البحر، والمكسرات مثل الفستق والجوز واللوز والفول السوداني.
أسباب حدوث حساسية الغذاء
عندما تصاب بحساسية الغذاء، فإن جهازك المناعي يخطئ التعرف على طعام معين أو إحدى المواد الموجودة في الطعام، ويصنفها على أنها شيء مؤذٍ. واستجابةً لذلك، فإن جهازك المناعي يحفز الخلايا على إطلاق جسم مضاد يعرف بالجلوبيولين المناعي E، لإبطال الطعام أو مادة الطعام المسببة للحساسية.
وفي المرة التالية التي تأكل فيها ولو أقل القليل من هذا الطعام، فإن هذه الأجسام المضادة ترسل إشارة إلى جهازك المناعي لإطلاق مادة كيميائية تسمى الهيستامين، بالإضافة إلى مواد كيميائية أخرى في مجرى دمك، تلك المواد الكيميائية هي التي تسبب أعراض الحساسية.
هناك أسباب مرجحة لاتخاذ الجهاز المناعي رد الفعل هذه، وإن لم تكن هناك أدلة دامغة على علاقة هذه الأسباب بالحساسية الغذائية، ومنها:
– النظام الغذائي:
يشير بعض العلماء إلى أن حدوث تغييرات في عادات الأكل قد يكون سبب ظهور حساسية الغذاء، في حين يقول آخرون إنه قد يكون بسبب انخفاض استهلاك الدهون الحيوانية وزيادة تناول الدهون النباتية.
– المبيدات الحشرية والأغذية المعدلة وراثياً:
يعتقد البعض أن التعرض الشديد للمبيدات الحشرية واستهلاك الأطعمة المعدلة وراثياً يؤثران في وظيفة الجهاز المناعي.
– مضادات الأكسدة:
معظم الناس يتناولون الفواكه والخضراوات الطازجة أقل من الأجيال السابقة، وهذه الأطعمة المتروكة غنية بمضادات الأكسدة، التي تساعد في الحماية من تلف الخلايا، وربما يسهم تناول قليل من مضادات الأكسدة خلال الطفولة، في الحدّ من تطور الجهاز المناعي السليم.
– فيتامين (د):
تكون حساسية الغذاء أكثر انتشاراً في البلدان التي تكون أشعة الشمس أقل بها، فأشعة الشمس مصدر مهم لفيتامين (د)، ومرجَّح أن يكون تناول كميات منخفضة من فيتامين (د) مؤدياً إلى ارتفاع خطر الحساسية للأغذية.
قد تتم تربية الأطفال في بيئات فائقة التعقيم، مع تعرض أقل بكثير للجراثيم، فالبلدان المتقدمة ذات الاستخدام العالي للصابون والمنتجات المضادة للبكتيريا، وذات التعرض الأقل للبكتيريا السليمة في التربة والبيئة- لديها معدلات أعلى بكثير من الحساسية الغذائية.
الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بحساسية الغذاء
بعض الناس يكونون أكثر عرضة للإصابة بحساسية الغذاء من غيرهم، ومن عوامل إصابة شخص ما بحساسية الغذاء وعدم إصابة شخص آخَر ما يلي:
1- التاريخ العائلي
يزداد خطر إصابتك بالحساسية تجاه الطعام إذا كان الربو أو الإكزيما أو حالات الحساسية مثل حمى القش، شائعة في عائلتك.
2- إصابتك بأنواع أخرى من الحساسية:
إذا كنت مصاباً بالفعل بحساسية تجاه نوع واحد من الطعام، فقد يزداد خطر إصابتك بحساسية تجاه أنواع أخرى من الطعام، وبالمثل إذا كنت تعاني أنواعاً أخرى من ردود الفعل التحسسية، مثل حمى القش أو الإكزيما، فسيزداد خطر إصابتك بحساسية الطعام.
3- العمر:
تعتبر حساسية الطعام أكثر شيوعاً لدى الأطفال، خاصةً الأطفال في سن المشي والرضع، مع التقدم في العمر ينضج الجهاز الهضمي وتقلُّ احتمالات امتصاص الطعام أو مكونات الطعام الذي يسبب الحساسية.
يتخلص الأطفال عادةً من الحساسية تجاه اللبن والصودا والقمح والبيض مع تقدم العمر، لكن من المرجح أن تستمر الحساسية المفرطة والحساسية تجاه المكسرات والمحار مدى الحياة.
4- الربو
عادةً ما يحدث الربو وحساسية الطعام معاً، وعند حدوثهما معاً من المرجح أن تكون أعراض حساسية الطعام والربو شديدة.
كيفية تشخيص حساسية الغذاء
سيسأل الطبيبُ المريضَ عن الأعراض التي تظهر لديه بمجرد تناول أحد الأطعمة المسببة للحساسية، وهل كان هذا الطعام مطبوخاً أو غير مطبوخ، وما مكان تناوله، والوقت الذي يستغرقه ظهور هذه الأعراض، سوف يهتم الطبيب بأي حساسية أخرى موجودة مثل حمى القش أو الربو.
سيحتاج المريض أيضاً إخبار الطبيب عن أقربائه الذين قد يعانون الحساسية، هناك بعض الاختبارات التي يستخدمها الأطباء لتشخيص المرض، ومنها:
– اختبار وخز الجلد
وخلال هذا الاختبار توضع كمية صغيرة من الطعام المشتبه فيه على ذراع المريض، ثم يُثقب الجلد، للسماح لكمية ضئيلة من المادة بالدخول إلى تحت سطح الجلد، فإذا كان هناك أي رد فعل مثل الحكة أو التورم أو الاحمرار، فمن المحتمل وجود نوع من الحساسية.
يمكن أن تنتج عن اختبار وخز الجلد نتائج سلبية كاذبة أو إيجابية كاذبة، فيطلب الأطباء عادةً اختبارات أخرى، للتأكد.
– فحص الدم
يُسحب دم المريض للتحقق من وجود أجسام مضادة خاصة ببروتينات غذائية معينة.
– اختبار الاستبعاد الغذائي
في هذا الاختبار لا يتم تناول الأطعمة المشتبه فيها مدة تتراوح بين 4 و6 أسابيع، لمعرفة ما إذا كانت الأعراض ستتوقف أو لن تتوقف، ثم يعاد تقديم هذه الأطعمة لمعرفة ما إذا كانت الأعراض تعود أو لا.
لا يعدّ هذا الاختبار مضمون النتائج، فلا يمكن أن يخبرك الاستبعاد الغذائي بما إذا كان رد فعلك تجاه الطعام حساسية حقيقية ضده أو عدم تحمُّل له.
– تحدي الطعام الفموي
يجب أن يكون هذا الاختبار خاضعاً للإشراف الطبي، وقد يكون هذا الاختبار هو الأكثر دقة. فخلال هذا الاختبار سيعطى المريض كميات صغيرة ولكن متزايدة من الطعام المشتبه في أنه يسبب أعراضاً، وإذا لم يعاني رد فعل تحسسياً في أثناء هذا الاختبار، فقد يصبح المريض قادراً على تضمين هذا الطعام في النظام الغذائي الخاص به من جديد.
كيفية التعامل مع حساسية الغذاء
لا يوجد علاج نهائي لمرض حساسية الغذاء، وهناك أبحاث مستمرة للعثور على علاجات أفضل، للحد من أعراض حساسية الطعام ومنع نوبات الحساسية، حيث لا يوجد أي علاج أثبت فاعليته في منع الأعراض أو تخفيفها نهائياً.
تعد الطريقة الوحيدة لتجنُّب تفاعل الحساسية هي تجنُّب الطعام الذي يسبب العلامات والأعراض، ومع ذلك ورغم بذل أفضل الجهود في الابتعاد عن هذا الطعام، فإنك قد تتناول الطعام الذي يسبب رد الفعل التحسسي، ومن طرق التعامل مع هذا المرض:
– الحِمية الغذائية
يحتاج كثير من المرضى رؤية اختصاصي التغذية بعد تشخيصهم بحساسية غذائية، ومن المهم أن يتخلص المريض من هذا الطعام من نظامه الغذائي، فعلى سبيل المثال إذا كانت الحساسية من الفول السوداني فقط فلن تكون هناك عواقب صحية إذا لم يأكل الفرد الفول السوداني قط، لكن إذا كانت الحساسية من الحليب، فإن هذا يعني إيجاد مصادر أخرى للكالسيوم والبروتين.
قد لا يعني التخلص من الطعام متمثلاً ببساطة في عدم تناوله، فقد يشمل أيضاً عدم استنشاقه أو لمسه، أو تناول الأطعمة التي تحتوي على آثار منه بداخلها، فلا ينبغي تناول الكيك الداخل في مكوناته الحليب والقمح مثلاً.
– التعامل بحذر شديد
يحتاج المرضى قراءة ملصقات الطعام والشراب بعناية، وقراءة حتى بعض ملصقات أنواع الصابون وأطعمة الحيوانات الأليفة والمواد اللاصقة قبل استخدامها، كذلك يجب الحذر عند تناول الطعام في الخارج، لأن اليقظة حينها قد تكون صعبة بعض الشيء.
– دواء لحالات الطوارئ
يمكن تناول مضادات الهيستامين التي تأتي في شكل مواد هلامية أو سوائل أو أقراص، وعادةً ما تكون فعالة للمرضى الذين يعانون الحساسية الخفيفة أو المعتدلة. والهيستامين هو المادة الكيميائية التي تسبب معظم أعراض الحساسية، ومضادات الهيستامين قد تقلل من آثارها، وعند رد الفعل التحسسي الشديد يمكن تناول بعض الأدوية الأخرى التي يوصي بها الطبيب.
– التأقلم مع المرض والحصول على الدعم
قد تكون حساسية الطعام مصدراً مستمراً للقلق يؤثر في حياتك بالمنزل، والمدرسة، والعمل، فمما يسهّل التعامل مع المرض والتعايش معه التواصل مع الآخرين والحصول منهم على الدعم، خاصةً الأسرة والأصدقاء.