هل تصدقين أن إعادة استخدام الملابس القديمة قد بات موضة الآن؟
مع حلول الربيع – شهر الموضة بلا منازع – تبدأ صيحات الأزياء الجديدة بالانطلاق، والجميع يكون متحمساً بلا شك لتجربة الألوان الربيعية الزاهية بعد معاناة دامت لأشهر مع قتامة ألوان الشتاء.
لكن ربيع هذا العام (2019) يحمل موضة مختلفة تماماً عن تلك التي انتشرت في السنوات السابقة.
فالأزياء الجديدة ليست أكثر صيحات هذا الربيع انتشاراً وشيوعاً.
بل تكمُن أحدث الصيحات في إعادة تدوير الملابس القديمة، مثل الفساتين والقطع العلوية والمعاطف والأحذية، التي تمتلكينها بالفعل ونفض الغبار عنها، وتغيير طرازها، ثم ارتدائها بدلاً من شراء أشياء جديدة.
بحسب مجلة Glamour الأمريكية، صيحة هذا العام هي "التوقف عن شراء ملابس جديدة"، لكن لماذا؟
إعادة استخدام الملابس القديمة كان مخالفاً للموضة فيما مضى
في السابق لم يكن ارتداء ملابسكِ القديمة تصرُّفاً مسايراً للموضة على الإطلاق.
وهذا ما كان يدفع بالكثيرين للاستمرار بشراء الملابس الجديدة حتى وإن لم يكونوا بحاجة لها.
في بريطانيا مثلاً، تعتبر نسب شراء الملابس الجديدة الأعلى على الإطلاق.
حيث يشتري البريطانيون الملابس أكثر من أي دولة أوروبية أخرى بحسب إحصائيةٍ حديثة.
إذ يشتري المستهلك المتوسط حوالي 26.7 كيلوغراماً من الملابس في السنة.
يُؤدِّي استهلاكنا للملابس الجديدة بمُعدلاتٍ مُرتفعةٍ إلى مُضاعفاتٍ وخيمة على كوكبنا، خصوصاً في ظل الطفرة التي تعيشها الموضة فائقة السرعة وتوفير العلامات التجارية لطرقٍ أسرع وأسهل في التسوق الإلكتروني.
شراء الكثير من الملابس قد يضرُّ بكوكبنا
تُصنَّع مائة مليار قطعة ملابس حول العالم سنوياً.
حوالي 78% من هذه القطع ينتهي بها الحال في مكب النفايات، وهذا يُعادل توجُّه شاحنة ملابس إلى مكب النفايات في كل ثانية.
ومن الضروري تقليل هذه المخلفات، لأن غاز الميثان الضار ينبعث من مكبات المخلفات.
ورغم ذلك، ذكر تقريرٌ صادر عن لجنة التدقيق البيئي أن المواد التي يُعاد تدويرها إلى ملابس جديدة لا تتجاوز نسبة 1% فقط من المواد المستخدمة في تصنيع الملابس.
هذا بالإضافة إلى إن تصنيع الملابس يستهلك مواد خام باهظة؛ مثل الماء والوقود الأحفوري، وينتج غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يزيد الاحتباس الحراري.
إلى جانب أن بعض مكونات عملية التصنيع، مثل الصبغات والأغلفة الكيميائية، هي مُكوِّناتٌ سامة.
في حين تزيد ألياف البلاستيك الدقيقة، التي تدخل في إنتاج الأقمشة الصناعية، من تلوُّث المحيطات.
الأضرار لا تلحق بالبيئة فقط بل بالعاملين في هذا المجال أيضاً
لا تقتصر الأضرار على البيئة والمحيطات بل تتعداها إلى العاملين في صناعة الأزياء.
إساءة استغلال العاملين في صناعة الموضة السريعة أصبحت أمراً منتشراً، إذ يتقاضى العديد من عمال مصانع الملابس أجوراً غير عادلة ويُعاملون معاملة مُجحفة.
وكشف تقريرٌ أصدرته منظمة Oxfam الشهر الماضي أن النساء في بنغلاديش وفيتنام يتقاضين 51 سنتاً في اليوم الواحد.
وهذا ليس حال العمال في الدول الخارجية فقط، إذ ذكرت لجنة التدقيق البيئي أن بعض مصانع الملابس في بريطانيا تدفع للعمال أجوراً أقل من الحد الأدنى للأجور.
لذا نحن حقاً نحتاج لخلق ثقافة جديدة كلياً في ما يتعلَّق بالملابس.
ومن السهل إدراك أن وقف حركة الموضة السريعة أصبح ضرورةً وليس خياراً، في ظل التغيرات المناخية والتلوث وسلاسل الصناعة الاستغلالية.
كيف سيبدو الكوكب دون تتبع الموضة دائماً؟ ،سيبدو في مظهر أفضل بالتأكيد.
الأناقة في تجديد الملابس القديمة
إن كنت تفكرين الآن في التوقف عن شراء ما يفيض عن حاجتك من الملابس، فلست وحدك.
اعتنقت العديد من الشخصيات الضليعة في عالم الموضة فكرة ارتداء الزي نفسه مرتين (أو حتى ثلاث أو أربع أو خمس مرات)، وهي الفكرة التي كانت تُعَدُّ فضيحةً في عالم الأزياء فيما مضى.
وشهدت الأشهر الأخيرة انتشار أكثر من هاشتاغ ترويجي لفكرة عدم الشراء مثل هاشتاغ "زي اليوم" (OOTD) في الشبكات الاجتماعية، في ظل اتجاه الشخصيات المُؤثِّرة لارتداء الملابس القديمة بدلاً من المقتنيات الجديدة كلياً.
أوضحت كاثرين أورميرود، الصُحفيّة والشخصية المُؤثرة التي أطلقت هاشتاغ #thisoldthing (أي "هذا الشيء القديم") أواخر عام 2018: "لا أرتدي أزياءً جديدةً كلياً في الكثير من الأحيان.. وشعرت أنني أفعل الشيء الصحيح حين قضيت الشهر الماضي في الحديث عن القطع التي صمدت رغم مرور الزمن".
قضت كاثرين الفترة الأخيرة في التسوق داخل خزانتها الشخصية فقط، إذ استطاعت تحويل الملابس القديمة إلى جديدة عن طريق إعادة تصميم ملابسها القديمة بإضافة الإكسسوارات وتغيير إطلالاتها بأشكالٍ مختلفة.
وانتشرت هاشتاغات أُخرى مثل #notnewyear (أي "ليس هذا عام الجديد") و #secondhandfirst (أي "المستعمل أولاً").
إذ تستخدمها شخصياتٌ مُؤثِّرةٌ على غرار إيلا غريس دينتون وكريستابيل بلامر وليزي وايت والصُحفية ديزي بوكانان وسيني هانسن، مُدوِنة الموضة الدانمركية، للتشجيع على فكرة عدم الشراء في ما يتعلَّق بارتداء الملابس.
حتى ميشيل أوباما ناصرت هذه الموضة الجديدة
لم يقتصر الأمر على الشبكات الاجتماعية فقط؛ إذ برهنت نساءٌ شهيراتٌ على أن الأناقة تكمُن في تكرار الصيحات، حين أعدن ارتداء أزيائهن القديمة مؤخراً في أحداثٍ عامة.
أبرز الأمثلة كانت زوجة رئيس أمريكا السابق ميشيل أوباما والفنانة تيفاني هاديش والممثلة كيرا نايتلي والمغنية ليدي غاغا.
لكن لقب ملكة عدم الشراء يجب أن يكون من نصيب ميغان ماركل بالطبع، إذ تحتل الآن المرتبة الثالثة كأكثر الشخصيات المشهورة تأثيراً في عالم الموضة.
ويُعرَف عن ميغان أنها ترتدي قطعها المفضلة في عدة مناسباتٍ عامة، بدايةً من الجاكيت الكاكي اللون من تصميم J.Crew ووصولاً إلى حذاء Kiki القطيفي بطول الركبة من تصميم Tabitha Simmons وبنطال الجينز الأسود الضيّق من Outland.
حان وقت التغيير
كانت هذه الأخبار ستُفاجئ غالبيتنا في حال قرأنا عنها في وقتٍ سابق.
لكن الموضة تغيرت تماماً هذا العام، وبدأت الفنانات اللواتي يعتبرن أيقونات في عالم الأزياء بتغيير المفاهيم القديمة التي تقتضي بشراء كل جديد في عالم الموضة.
أيضاً حرصت المبادرات الشهيرة والعروض المُميَّزة في أبرز القنوات التلفزيونية (مثل وثائقي Fashion's Dirty Secrets الذي أعدَّته ستايسي دولي لقناة BBC) في عام 2019 على زيادة وعينا بشأن آثار عاداتنا في التسوق، أكثر من أي وقتٍ مضى.
وشهد موقع Lyst، منصة البحث العالمية عن الموضة، ارتفاعاً بنسبة 47% في البحث عن كلمات مفتاحية متعلقة بالاستدامة وكيفية إعادة استخدام الملابس القديمة.
إذاً، حان الوقت لنتبنى نحن أيضاً هذه الثقافة الجديدة ونبدأ بالتفكير بطرق جديدة نعيد فيها استخدام ملابسنا القديمة.. فهذه هي موضة هذا العام.