قليلون من المواطنين اليمنيين العاديين سمعوا باسم "جمال خاشقجي". وبعد شهرٍ من عملية القتل الوحشية للصحفي داخل القنصلية السعودية بإسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم يكن اسمه يعني شيئاً لأولئك الذين يعيشون تحت القصف السعودي في اليمن. لكن مقتله مثَّل لحظة فارقة في القلق العالمي من تصاعد حصيلة الضحايا المدنيين للحرب السعودية المتواصلة، كما تقول صحيفة The Times البريطانية.
فمنذ عملية القتل، التي خلُصت وكالات الاستخبارات الأمريكية إلى أنَّ ولي العهد محمد بن سلمان هو مَن أَمَرَ بها، صوَّت الكونغرس الأمريكي لصالح إنهاء الدعم العسكري الأمريكي للصراع، ولو أنَّ ذلك لم يتضمَّن إنهاء مبيعات السلاح، التي وصل إجمالي قيمتها إلى 18 مليار دولار في عام 2017 وحده. وولي العهد هو أيضاً مهندس التدخُّل السعودي في اليمن.
وقرَّرت حكومات أوروبية عديدة، بينها ألمانيا وهولندا، إنهاء مبيعات السلاح للسعودية، بعكس الحكومة البريطانية، التي تصارع هذا الأسبوع طعناً قضائياً على قانونية صادرات الأسلحة للسعودية.
ومنحت بريطانيا تراخيص مبيعات أسلحة بقيمة 4.7 مليار جنيه إسترليني (6.15 مليار دولار) للسعوديين منذ 2015. وستنظر القضية فيما إذا كانت بريطانيا تنتهك سياستها الخاصة بمنع بيع السلاح عند وجود "مخاطرة واضحة" بـ "إمكانية" استخدام تلك الأسلحة، في ذلك النوع من انتهاكات القانون الدولي الإنساني، الذي تقول الأمم المتحدة إنَّه يحدث بحق المدنيين اليمنيين.
"ازدراء" دولي تقابله لا مبالاة سعودية
لكن فيما يتزايد الازدراء الدولي، ليس ثمة إشارات تُذكَر على أنَّ السعودية مستعدة للتخلي عن الحرب التي تشنُّها منذ أربع سنوات. وفي غضون ذلك، لا تزال واشنطن ولندن تقاومان وقف الدعم عن حليفتهما.
ويستعد ترامب لاستخدام حق النقض (الفيتو) ضد تشريعٍ يُنهي الدعم الأمريكي للحرب، على الرغم من الدعم الثنائي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لاستخدام الكونغرس لـ "قانون سلطات الحرب" التاريخي. ودافع وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت عن صادرات السلاح البريطانية، محاججاً بأنَّها تمنح المملكة المتحدة أوراقاً للضغط على السعوديين يمكن أن تفقدها حال وقف صادرات السلاح.
وقاد هانت مسعى دبلوماسياً لإنهاء الصراع، فسافر إلى ستوكهولم ليصبح أول وزير خارجية غربي يلتقي المتمردين الحوثيين، الذين يسعى التحالف الذي تقوده السعودية للإطاحة بهم.
لكن أثناء زيارة له لمدينة عدن، الشهر الماضي مارس/آذار، حذَّر هانت من أنَّ الاتفاق الذي أُبرِم في ستوكهولم قد ينهار في غضون أسابيع، ما لم يتم إحراز تقدُّم على الأرض. وتتنتاب كثيراً من المتابعين للعملية الشكوك بشأن فرص نجاحها.
فقالت هيلين لاكنر، خبيرة الشؤون اليمنية التي تُسدي المشورة للدبلوماسيين البريطانيين بشأن الأزمة: "لا تنجح الدبلوماسية إلا حين ترغب الأطراف المشاركة فيها في نجاحها، وهم لا يرغبون في نجاحها".
ويتذكَّر مصطفى النعمان، نائب وزير الخارجية اليمني السابق والقريب من المفاوضات، زيارته للرياض عام 2015 بناءً على طلب من محمد بن سلمان بعد فترة وجيزة من تدخُّل السعودية في اليمن. ويتذكَّر الرجل تباهي السعودية بأنَّ الحرب ستنتهي في غضون أسابيع. وقال: "استغرق الأمر أكثر مما توقَّع أي أحد، من السعوديين أو الإماراتيين".
إرث محمد بن سلمان
وكان الحوثيون المتحالفين مع إيران سيطروا على العاصمة صنعاء. وفرَّ الرئيس الضعيف لكن يتمتع في الوقت نفسه بالاعتراف الدولي عبد ربه منصور هادي. وتدخَّلت السعودية باعتبارها "قائدة التحالف العربي السُّنّي إلى جانب كلٍّ من الإمارات ومصر وآخرين".
كان المبرر هو وجود قرار أممي يدعو لإعادة هادي، لكنَّ دافع المملكة ربما كان سحق ما كانت تنظر إليه باعتباره نفوذاً إيرانياً في شبه الجزيرة العربية.
اتُّخِذ قرار التدخُّل من جانب محمد بن سلمان، الذي كان قد أصبح وزيراً للدفاع لكن لم يكن قد أمَّن بعد موقعه حاكماً فعلياً للمملكة. قال النعمان: "حين جاء محمد بن سلمان إلى السلطة، كان هذا هو إرثه. أراد أن يكون أول وزير دفاع يخوض حرباً في المنطقة وينتصر فيها".
وبعد مرور أربع سنوات، تثور شكوك حول أنَّ ولي العهد صاحب الـ33 عاماً سيقبل بأي شيءٍ أقل من استسلامٍ كامل من الحوثيين. فقال النعمان: "إن أوقف الحرب الآن، دون تحقيق الانتصار، سيثير هذا التساؤلات حول قدرته. لماذا ذهبنا (إلى الحرب) إن لم نفز بها؟ بالنسبة لي، نفسياً، هذه هي العقبة الرئيسية التي ستعوق نجاح الدبلوماسية".
ومع استمرار رحى الصراع متعدد الأطراف والعملية الدبلوماسية، يزداد تعقيد ما بدأ باعتباره حرباً أهلية بين اليمنيين يوماً بعد يوم.
إذ يجوب المجلس الانتقالي الجنوبي، وهي حركة انفصالية متحالفة مع الإماراتيين، العواصم الأوروبية، مطالباً بمقعد على طاولة المفاوضات.
وأبرم الإماراتيون والسعوديون تحالفاتٍ على الأرض مع مجموعات غير مستساغة تقاتل بعضها البعض في مناطق مثل تعز.
وفي غضون ذلك، تتعمَّق الأزمة الإنسانية، التي تُعَد الأسوأ في العالم، بعيداً بدرجة كبيرة عن عناوين الأخبار. ويستمر الضحايا المدنيون الناجمون عن قصف التحالف في التزايد. وكان 7 أطفال من بين 13 شخصاً لقوا حتفهم في صنعاء الأحد الماضي 7 مارس/آذار، حين استهدفت غارة جوية مستودعاً يقع بجوار مدرسة.
بريطانيا على "الجانب الخاطئ"
وانتصرت الحكومة البريطانية في قضية عام 2017 تتعلَّق بتراخيص صادرات السلاح للسعودية، وقبلت المحكمة حجج الحكومة بأنَّ "الرياض تجري تحقيقاتٍ في الحوادث التي تضمَّنت ضحايا مدنيين، وأنَّ بريطانيا تساعد في تحسين دقة الاستهداف".
وتقول حركة "الحملة ضد تجارة السلاح"، إنَّ التطورات منذ ذلك الحين، والتي تتضمَّن تحقيقاً من الأمم المتحدة في أغسطس/آب الماضي، يُوجِّه إدانات، قد قوَّضت تلك الحجج. وفي فبراير/شباط الماضي، خلُصت لجنة برلمانية عابرة للأحزاب إلى نتيجة مفادها أنَّ بريطانيا على "الجانب الخاطئ من القانون" بمواصلتها الموافقة على الصادرات.
وقالت اللجنة التابعة لمجلس اللوردات إنَّ الوزراء لم يقوموا بعمليات مراجعة مستقلة لمعرفة ما إن كانت الأسلحة البريطانية تُستخدَم في انتهاكاتٍ للقانون الدولي أم لا، وإنَّهم كانوا في المقابل يعتمدون على التقارير المعيبة التي تصدرها السعودية نفسها.
وكان الكثير من تلك التقارير مُقدَّمة من جانب أحد كبار مساعدي محمد بن سلمان، اللواء أحمد العسيري، الذي يُعتَقَد أنَّه عُزِل من منصبه نائباً لرئيس الاستخبارات العامة على خلفية تورطه في مقتل خاشقجي.
لن يُتضمَّن مقتل خاشقجي في القضية القضائية، لكنَّ شبحه يُخيِّم عليها. فبعد أربعة أسابيع من مقتله، التقى ممثلون عن شركة BAE، أكبر شركة دفاعية بريطانية، مع وزير التجارة الدولية ليام فوكس لمناقشة تداعيات الحادثة على مبيعات الشركة من السلاح للسعودية.
وحذَّرت الشركة في تقريرها السنوي الأخير من أنَّ "المناخ الجيوسياسي السائد" قد أخَّر صفقة متوقعة لبيع 48 طائرة من طراز تايفون جرت الموافقة عليها بين بريطانيا والسعودية، حين زار محمد بن سلمان لندن العام الماضي. ومن المتوقع صدور حكم في قضية هذا الأسبوع بحلول فصل الخريف، وهو حكمٌ من الممكن أن يُعطِّل تلك الصفقة تماماً.