امرأة كندية من أصل لبناني تبلغ من العمر 58 عاماً حيَّرت العلماء، وتكاد تغير مفهوم الطب بشأن الفيتامينات. تخلو الدماء التي تسري في عروق هذه المرأة من فيتامين "د" ، بسبب طفرة جينية لم يسبق لها مثيل.
ذهبت المرأة -التي لم يُكشف عن هويتها- إلى طبيبها وهي تشكو من آلام في الظهر والرقبة والكتفين والردفين، التي عانت منها منذ سنوات مراهقتها.
وكانت قد فقدت أيضاً 20 سم من طولها على مرِّ السنين، فضلاً عن إصابتها بكسور في أضلاعها وذراعيها وردفيها بعد حوادث سقوط طفيفة.
وكشفت عينة من دماء هذه السيدة -التي تعيش في كندا– أن مستويات فيتامين "د" في جسدها شبه منعدمة.
وأظهر اختبار الحمض النووي أنها لا تحمل جيناً يساعد على نقل الفيتامين عن طريق الدم.
وكان كلا والديها -وهما قريبان من الدرجة الثانية- حاملين لهذا الجين، وورثت الحمض النووي "المعيب" عن كليهما.
وساعدت علاجات فيتامين "د" عن طريق الفم والحقن على مدى سنوات عديدة في زيادة مستويات فيتامين "د"، لكنه لم يصل إلى مستويات طبيعية أبداً.
وكتب باحثون من قسم علم الوراثة الطبية في جامعة كالغاري عن هذا الحادث في مجلة New .England Journal of Medicine
ما هي أهمية فيتامين "د"؟
وفيتامين (د) مهم لصحة العظام. ويُعرف باسم "فيتامين الشمس"، ومصدره الرئيسي هو الأشعة فوق البنفسجية من الشمس.
ولكنه يوجد أيضاً في الأسماك الزيتية والفطر والأطعمة المدعمة بهذا الفيتامين.
بيد أن طريقة انتقال فيتامين (د) في الجسم مبهمة، لكن كان يُعتقد أنه يرتبط ببروتين رابط يمكّنه من الدخول إلى الخلايا.
وقال مؤلف الدراسة الدكتور جوليان ماركادير، عالم الوراثة الإكلينيكي: "كان الاعتقاد السائد أنه لا يمكن لفيتامين (د) أن يصل إلى الخلايا التي تحتاج إليه دون هذا البروتين الرابط. ولكن النتائج التي توصلنا إليها تشكك في هذا الأمر".
ويضيف لصحيفة The Daily Mail: "ومما أدهشنا أن مستويات الكالسيوم في جسدها كانت طبيعية رغم عدم وجود كمية تُذكر من فيتامين (د)".
وتابع قائلاً: "وهذا يعني أن فيتامين (د) في جسدها يصل بالفعل إلى الخلايا المنشودة، مع أن الآلية الدقيقة التي يحدث بها ذلك لا تزال مجهولة".
امرأة لبنانية تثير حيرة العلماء
ولفتت هذه المرأة -التي ليس لديها أبناء- انتباه الأطباء أول مرة، عندما انتقلت إلى كندا قادمة من مسقط رأسها لبنان وهي تبلغ من العمر 33 عاماً.
ولاحظ الأطباء أن هناك تقوساً "ملحوظ" في عمودها الفقري، بالإضافة إلى ضعف في حركة الظهر والكتفين والردفين.
وقد ساءت حالتها بمرور الوقت، على الرغم من تناولها الأدوية المضادة للالتهابات وخضوعها للعلاج الطبيعي.
وأصيبت المرأة أيضاً بمرض السكري من النوع الثاني، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع مستويات الدهون في دمها، ومرض الكبد الدهني اللاكحولي، وارتجاع الحمض (الحموضة)، وأورام حميدة في الرحم.
وهي تُصاب أيضاً بكسور في عظامها بعد تعرُّضها لسقطات طفيفة.
وقال الدكتور ماركادير: "كانت تعاني من كسور ناتجة عن تعرُّضها للسقوط، وهو سقوط طفيف لا يُتوقع أن يتسبب في انكسار عظمة واحدة في الشخص العادي".
ولم يؤثر منحها مكملات فيتامين (د).
مهما تناولت فيتامين "د"، جسمها لا يمتصه
وقال الدكتور ماركادير: "مهما كانت كمية أو عدد مرات تناولها فيتامين (د)، فإن مستوياته لن تتزحزح عن الصفر".
وكشفت قراءات كثافة العظام عن انخفاض مستويات فيتامين (د).
ويجري قياس المعدلات بالمقارنة مع المستويات الموجودة في الشخص السليم، البالغ من العمر 30 عاماً.
والمعدلات الطبيعية تبلغ -1 أو أكثر، فيما تعد معدلات -1 إلى -2.5 منخفضة.
وجاءت نتيجة المرأة -1.4 في فخذها اليسرى و-1.3 في ساعدها.
وكشف تحليل الحمض النووي "غياب" الجين الذي يرمز إلى البروتين الرابط لفيتامين (د).
وتسبب هذا في إصابتها بنقص حاد في فيتامين (د)، فيما كانت مستويات الفيتامين "شبه منعدمة".
ويعتقد أن المرأة -وهي واحدة من سبعة أبناء- هي الوحيدة من إخوتها أو أخواتها التي تعاني من هذا النقص.
حتى إن نسبة مستويات فيتامين (د) في جسدها لم تتعد 0.4% من نسبة مستوياته في أحد أشقائها الأصحاء.
وحالتها النادرة تثير تساؤلات عن فهمنا لطريقة عمل الفيتامين
وعلى الرغم من خطورة حالتها، لم تكن المرأة تعاني من مرض هشاشة العظام، ولكنها كانت تعاني من قلة النسيج العظمي، التي تعتبر حالة وسطاً بين هشاشة العظام وسلامتها.
كما أنها لم تُصب قط بالكساح وهي طفلة أو تليُّن العظام وهي بالغة، وهما حالتان تنتجان عادة عن نقص فيتامين (د).
ولم تُصب المرأة بالكسر الأول إلا وهي في سن 41 عندما انكسرت أضلاعها، قبل أن تُصاب قدماها وساعدها اليسرى وردفها اليمنى بكسور في حوادث متفرقة.
لم تتأثر هذه المرأة في البداية بتناول مكملات فيتامين (د)، ومع ذلك، وعلى مدار سنوات عديدة، بدأت مستويات فيتامين (د) ترتفع تدريجياً بفضل مزيج من الحقن عن طريق الفم والعضل.
ويعتقد الباحثون أن تقرير هذه الحالة يفتح طرقاً جديدة لفهم كيفية عمل فيتامين (د) في الجسم.