"إنه أمر مخيف لدرجة الموت.. لست متأكدة من أن المدارس أصبحت أكثر أماناً الآن"، هذا ما قالته ناجية من حادثة إطلاق نار حصلت العام 1998. وبعد 21 عاماً، ما زالت حوادث إطلاق النار في المدارس المؤلمة تحصد أرواح الضحايا قتلاً ومحبيهم انتحاراً.
كيلي بلور -على سبيل المثال- تواجه كوابيس كل ليلة تقريباً. تروي لوالدتها في الصباح كوابيسها، مع أن الموضوع دائماً لا يتغير: الرعب الذي شهدته في مدرسة Marjory Stoneman Douglas الثانوية العام 2018، عندما فتح مسلح النار في فصلها، ما أدى إلى مقتل طالبين وإصابة 4 آخرين.
قبل بضعة أسابيع، اضطرت بلور البالغة من العمر 18 عاماً، للانسحاب من برنامج تدريب المسعفين، الذي بدأته بعد أن تغلب عليها التوتر أثناء نقلها ضحية أصيبت بالرصاص.
حتى مجرد مشاهدة نوع معين من الستائر يمكن أن يدفعها للهلع، يذكرها بفتحات الرصاص التي اخترقت ستائر الفصل في يوم الكارثة.
قالت لصحيفة New York Times: "تزعجني أشياء صغيرة ما كنت أعتقد أنها قد تزعجني".
بالنسبة لليافعين مثل بلور تظل الحياة محفوفة بالذكريات الصادمة، بعد أكثر من عام على مذبحة المدرسة في باركلاند بولاية فلوريدا، والتي أودت بحياة ما مجموعه 17 شخصاً، وهي نتيجة ثانوية دائمة لوباء العنف المسلح في البلاد.
انتحار الاهل والأصدقاء حزناً على ضحايا إطلاق النار في المدارس
عاودت المخاوف كثيرين مرة أخرى الأسبوع الماضي، عندما انتحر مراهقان حضرا المجزرة بفارق بضعة أيام بينهما.
ثم، يوم الإثنين، توفي أيضاً والد طفلة صغيرة قتلت في إطلاق نار عام 2012 في نيوتاون بولاية كونيتيكت، فيما اعتبرته السلطات انتحاراً.
يحذر الخبراء من أن الدوافع وراء الانتحار معقدة، وأن الوفيات الأخيرة لا تزال قيد التحقيق. لكن الوفيات الثلاث على مدى 10 أيام حظيت بتغطية واسعة، في بلدتين عرفتا مأساتين تسببتا في إصابات عاطفية مؤلمة يمكن أن تستمر لفترة طويلة بعد توقف إطلاق النار.
حتى بعدها بسنوات يقول العديد من الناجين من عمليات القتل الجماعي، إنهم ما زالوا يعانون.
صدور ضوضاء عالية تجعلهم يقفزون، يسترجعون الأزيز في أحلامهم، ويمكن أن يؤدي الحديث عن عنف بالأسلحة إلى تشنجات مفاجئة في الظَهر.
يواجهون هذه الانتكاسات وحدهم على الأغلب.
في أعقاب الهجمات مباشرة، تتضافر المدارس والمجتمعات المحلية لتوفير الراحة والمشورة والعلاج.
يشعر الطلاب بالتعاطف من زملائهم الطلاب والمدرسين. ويسألهم الجميع عما إذا كانوا على ما يرام.
ثم يمر الوقت.
22 عاماً غير كافية للنسيان
كان هولان هولم في الرابعة عشرة من عمره، عندما فتح طالب زميل في الأول من ديسمبر/كانون الأول عام 1997 النار على مجموعة مصلين في دائرة بمدرسة هيث الثانوية في ويست بادوكا بولاية كنتاكي.
قُتِلَ 3 طلاب وأُصيبَ خمسة آخرون، من بينهم السيد هولم.
خدشت الرصاصة جمجمته لكنها لم تخترقها. تطورت لديه حساسية شديدة لأصوات معينة، مثل الألعاب النارية وفرقعة البالونات.
لكنه لم يقبل الاستشارة، مقتنعاً أنه يجب عليه مواصلة حياته فحسب.
الآن عمره 36 عاماً، وما زال هولم يتجنب الجلوس وظهره تجاه مدخل الغرفة.
ويضيف أنه في الكنيسة "شديد الوعي" بالأشخاص الذين لا يتعرف عليهم. عندما يدخل أي مكان يميل إلى إجراء تقييم للتهديدات المحيطة.
في العام الماضي، بعد 21 سنة من إطلاق النار، ذهب لعدة أشهر إلى أخصائي في الصدمات.
"لا يمكنك أن تترك إطلاق النار يحدد حياتك" كما يقول، "لكنك لا يمكن أن تضعه خلفك".
يختلف تعامل الناس مع الصدمات وآثارها هي الأخطر
يواجه كل شخص صدمته بشكل مختلف. تؤثر عوامل مثل السن، والمسافة من المسلح، والمعاناة من الإصابة، أو رؤية شخص يصاب، على مدى القدرة على التعافي.
تقول روتشيل هانسون، وهي طبيبة نفسية متخصصة في علاج الصدمات بمستشفى جامعة ساوث كارولينا الطبية: "الأضرار الحادة المباشرة ربما يعالجها الوقت، لكن الآثار ربما تبقى".
وقالت الدكتورة هانسون، وهي أيضاً مديرة التدريب في National Mass Violence and Victimization Resource Center، وهو مركزٌ مختص بالفهم الاجتماعي للعنف الجماعي: "إن ما يقلقنا هو أن الناس ما زالوا يعانون من أعراض مرتبطة بالصدمة بعد ثلاثة أو أربعة أشهر، هذا مؤشر خطير".
يمكن أن تؤثر حوادث إطلاق النار في المدارس على المئات أو الآلاف من الأشخاص في وقت واحد، بما في ذلك الطلاب والمدرسين وأولياء الأمور وموظفي الطوارئ.
في باركلاند، تضم مدرسة Stoneman Douglas وحدها أكثر من 3000 طالب.
قال أليكس ويند البالغ من العمر 18 عاماً: "من الصعب الخروج من السرير والذهاب إلى المدرسة كل يوم". مبنى الطلاب الجدد الذي وقع فيه إطلاق النار، لا يزال قائماً ومُسيَّجاً في الحرم المدرسي، مضيفاً "المرور عليه كل يوم أمرٌ صعبٌ للغاية".
خدمات علاج الصدمات ليست متوافرة للجميع
بعد المأساة مباشرة، تغمر المدارس حرمها بالمستشارين وكلاب العلاج والأنشطة لمساعدة الأطفال على تجاوزها.
لكن إذا كان الضحايا في حالة صدمة، فقد يكون من السابق لأوانه معالجة ما مروا به. بحلول الوقت الذي تتأجج فيه الصدمة، قد لا تكون الخدمات متاحة بسهولة.
قالت سارة فرانكو، المديرة التنفيذية لمؤسسة جنوب فلوريدا الخيرية، التي تدير مركزاً جديداً للصحة والعافية في باركلاند: "الأمر يشبه الإعصار، الكل يريد المساعدة فور حدوثه"، مضيفة: "الآن بعد مرور عام، علينا أن نتراجع ونتأمل طريقة عملنا. هل يستطيع الجميع الوصول إلى هذه الخدمات؟ والجواب هو لا، ليس ذلك ممكناً".
دفعت حالتا انتحار سيدني أييلو، خريج مدرسة Stoneman Douglas بلغ من العمر 19 عاماً، وكالفين ديسير، وهو طالب بلغ 16 عاماً، القادة المحليين للمسارعة بفتح المركز الجديد، الذي تموله منحة من وزارة العدل، وكان من المقرر أن يبدأ عمله منذ حوالي شهر.
وضعت برامج مماثلة موضع التنفيذ بعد إطلاق النار على المدارس في كولومبين بولاية كولورادو، وفي نيوتاون، حيث عثر على جيريمي ريتشمان البالغ عمره 49 عاماً، والذي كان فقد ابنته أفييل البالغة من العمر 6 سنوات عام 2012، ميتاً يوم الإثنين.
التعرض لاعتداء قاتل ذكرى لا يمكن نسيانها
يوم الإثنين، افتتح مركز باركلاند في مركز تجاري بالقرب من مدرسة Stoneman Douglas.
حثت المنشورات، المعلقة بكثافة عند الباب الأمامي، الآباء على سؤال أطفالهم عما إذا كانوا قد فكروا في الانتحار، وما إذا كانوا قد ذهبوا إلى أبعد من التفكير من خلال التخطيط لطريقة الموت، مشيرة إلى وجود خطر كبير.
سألت إحدى الفتيات وهي تشد أمها: "لقد أردنا أن نعرف ما إذا كان بإمكاني الحصول على علاج، أو أي شيء لمساعدتي".
يمكن أن يكون طلب المساعدة خطوة يصعب على الناجين اتخاذها.
كانت ليزا هامب، وعمرها الآن 32 عاماً، في فصل الكمبيوتر في سنتها الإعدادية في مدرسة Virginia Tech عندما اقتحم مسلح المبنى.
بعد ذلك، وبينما كانت في طريقها للخروج بأمان، تتذكر "رأيت كل شيء، جثث الموتى".
بعد أن خرجت سليمة جسدياً من حادث إطلاق نار خلف 32 قتيلاً في الحرم المدرسي، شعرت هامب بأنها لا تحتاج إلى قضاء وقت مع استشاري صحة نفسية.
بَنَت في ذهنها تسلسلاً هرمياً لمن يستحقون المساعدة: الأشخاص الذين فقدوا أحباءهم في القمة، يليهم الجرحى.
قالت: "وضعنا أنفسنا، نحن الناجين غير المصابين جسدياً، في القاع"، مضيفة: "نعتقد أنه يجب علينا أن نبلعه ونتقدم".
لكنها لم تنجح أبداً في المضي قدماً.
بعض الضحايا يعزلون أنفسهم ولا يطلبون المساعدة
تخرجت السيدة هامب بشهادة في الرياضيات، ثم حصلت على درجة الماجستير في بحوث العمليات والاقتصاد التطبيقي.
بينها وبين نفسها، عانت من قلق شديد. "كنت مستعدة دائماً لإطلاق النار الثاني في حياتي. ماذا لو اقتحم المهاجم النافذة؟".
وقامت بتفريغ الضغوط عبر الهوس بالتمرين والوزن، مما أدى بها في النهاية إلى الإصابة باضطراب في الأكل.
استغرق الأمر عدة سنوات قبل أن تطلب المشورة النفسية، التي قالت إنها أفادتها.
وقالت جانيل بيريت، وهي خريجة من مدرسة Stoneman Douglas وأخصائية اجتماعية مرخصة: "لسوء الحظ، فإن أكثر الناس المصابين بصدمات نفسية، لا أعتقد أننا سنراهم هنا على الإطلاق"، موضحة: "إنهم يعملون على محاولة عزل أنفسهم".
والبعض الآخر يجد راحة في الكلام عن الأمر
عندما كان شاباً يبلغ من العمر 17 عاماً في مدرسة Columbine وقت إطلاق النار عام 1999، يتذكر آندي ماكدونالد الذهاب إلى جلسة المشورة النفسية، وتوصله إلى أن العلاج لم يكن مخصصاً له.
بدلاً من ذلك، احتفظ بيوميات، كما قال.
قال ماكدونالد، البالغ الآن من العمر 37 عاماً، والمدرس بالمرحلة الإعدادية في نيو هامبشاير: "كنت محظوظاً حقاً بالتواصل مع أشخاص مختلفين في أعقاب الحادث، حيث كان بإمكاني التجول ومشاركة قصتي في مدارس مختلفة وأماكن مختلفة في جميع أنحاء البلاد"، مضيفاً: "كانت القدرة على التحدث عن ذلك، بالنسبة لي، مفيدة للغاية".
لا يزال يعاني عندما تحدث عمليات إطلاق نار أخرى، أو عندما تقترب الذكريات السنوية الكبيرة لكولومبين.
سيكون قد مر على الحادث عشرون عاماً في 20 أبريل/نيسان. وقال: "لا يمر يوم دون أن أفكر في الأمر بشكل ما".
الكوابيس لا تتوقف ويصبح الجلوس قرب المخرج حاجة لا خيار
كانت راندي غريغوري طالبة في الصف الثالث يوم 26 سبتمبر/أيلول 1998، عندما دخل شاب مدرسة أوكلاند الابتدائية في غرينوود جنوب شرق كاليفورنيا، وبدأ في إطلاق النار.
على الرغم من وفاة فتاة تجلس مقابلها في إطلاق النار، إلا أن السيدة غريغوري البالغة من العمر 39 عاماً، لا يمكنها أن تتذكر إطلاق النار.
وقالت: "أتذكر إخراجي من الباب والجري في القاعة، لكنني حجبت جزء إطلاق النار"، "أفترض أنها آلية للنجاة".
سرعان ما عاد الجميع إلى المدرسة، لم تكن هناك نصائح من أي نوع، لا تلوم غريغوري أي شخص، قائلة: "لم يكن إطلاق النار في المدارس حدثاً معتاداً في ذلك الوقت".
حتى يومنا هذا، تحاول غريغوري، التي تعمل كمدققة ضرائب حكومية، أن تجلس في مواجهة المخرج.
وأحياناً، تحلم بأن شخصاً ما يطاردها ويحاول إطلاق النار عليها. ابنتها البالغة من العمر 5 سنوات، رايلي، ستبدأ الدراسة في الخريف المقبل.
لم تعد المدارس في أمريكا آمنة
وقالت غريغوري: "إنه أمر مخيف لدرجة الموت"، "لست متأكدة من أن المدارس أصبحت أكثر أماناً الآن".
تتفق معها جوردان جوميز، وعمرها 15 عاماً، وكان عمرها تسع سنوات في الصف الرابع بمدرسة ساندي هوك، عندما قتل شاب 20 طفلاً و6 بالغين في 14 ديسمبر/كانون الأول 2012.
وقالت: "لا شيء يمكن أن يصلح ما حدث ذلك اليوم بداخلي، وداخل كل طفل في تلك المدرسة".
وأضافت: "إن خوفي الأكبر عندما أذهب للمدرسة كل يوم ليس الواجبات المنزلية أو الاختبارات. إنه الخوف من أنني لن أعيش لأغادر في نهاية اليوم، أو أنني إذا فعلت ذلك، فإن أصدقائي لن يفعلوا ذلك. لا أستطيع تحمل فكرة دفن أصدقائي".
وقالت لور، الفتاة التي تركت تدريب المسعفين مؤخراً، إن أحد الأخصائيين في مدرسة Stoneman Douglas أخبرها بعد فترة وجيزة من إطلاق النار أن عليها "التغلب على الأمر"، وشعرت هي بالرفض، كما تقول.
وهو ما ساهم في قرارها بإنهاء الدراسة الثانوية في مدرسة أخرى.
مؤخراً، تعتقد بلور أنها قد ترغب في تجربة العلاج. تقول: "أنا مستعدة الآن".