أهالي الفتيات حرقوهن وأنكروا الجريمة… ومن يتكلم عنهن في الهند قد يموت

جلس أفضل كوهيستاني في مساء إحدى ليالي شتاء 2016، في مطعم رخيص في مدينة راولبندي في باكستان،.

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/08 الساعة 08:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/09 الساعة 08:16 بتوقيت غرينتش
جرائم الشرف في باكستان/ istock

حكاية أقرب للخيال عن جرائم الشرف في باكستان في مختلف القرى، وقصة رعب دُفِنَت تحت جليد الشمال، إلى أن تحلَّى شاب بما يكفي من الشجاعة لينفض التراب عنها.

جلس أفضل كوهيستاني في مساء إحدى ليالي شتاء 2016، في مطعم رخيص في مدينة راولبندي في باكستان. كان يبلغ من العمر حينها 26 عاماً، وكان حسن الهندام، خلوقاً، لكن عينيه كانت بهما هذه النظرة الحادة لرجل له هدف، ويعلم أنه يحارب ضد قوى عنيدة ويسابق الزمن، ولم يلمس كوب الشاي الخاص به.    

بدأ يروي قصته، وهي القصة ذاتها التي تلاها سابقاً على كثير من المسؤولين، بدايةً من الشرطة وحتى القضاة في مقاطعته الجبلية النائية في شمال غربي باكستان، وصولاً إلى المحكمة العليا.

وبينما هو يتحدث، كانت نظراته تتفقد باب المطعم بين الحين والآخر، وقال كوهيستاني عدة مرات في حديثه لصحيفة The Independent، إنه يتوقع أن يتعرَّض للقتل يوماً ما لأنه كشف ما حدث في قرية أسلافه في 2012.

ماذا حدث في قرية أسلافه؟ وكم فتاة قتلت؟

على حد وصفه، في العام 2011 قُتِلَت 5 فتيات لأنهن جلبن الخزي على قبيلتهن، بعد أن نشر أحدهم فيديو يصورهن وهن يغنين ويصفقن في حفل زفاف، بينما يظهر رجل في الفيديو، وهو شقيق كوهيستاني.                  

وقال كوهيستاني إنَّ القرية بأكملها تآمرت للتغطية على عمليات القتل، إلى جانب أنَّ الكثير من شباب عائلته الذين ظهروا في الفيديو يرقصون في حفل الزفاف، تعرضوا للمطاردة والقتل.  

وأخبرني: "دمر هذا الأمر عائلتي. فالفتيات لقين حتفهن، وأشقائي قُتِلوا، ولم يُفعَل أي شيء لتحقيق العدالة أو حمايتنا. أعرف أنني أيضاً سأُقتَل على الأرجح، لكن لا يهم. فما حدث كان خطأً، ولا بد من تغييره".

مجرد الكلام عن الأمر خطر على حياته

وفي وقت مبكر من الشهر الجاري، تعرَّض كوهيستاني لإطلاق نار من معتدين مجهولين في شوارع مدينة أبوت آباد الباكستانية، على حد قول رجال شرطة محليين.

فيما وصفته تقارير إخبارية بأنه "واشٍ" قُتِل لأنه لفت الانتباه لهذه القضية البشعة.     

وأفادت التقارير بأنه أخبر المسؤولين بتلقيه "تهديدات مستمرة بالقتل" من حراس قَبَليِّين منذ يوليو/تموز الماضي، حين اعتُقِلَ 4 رجال، وأدينوا لاحقاً بقتل العديد من الفتيات.

وبحسب التقارير، طلب كوهيستاني حينها أن تحميه الشرطة، التي من جانبها لم توفر ذلك.

أهالي الفتيات حرقوهن وأنكروا الجريمة

قصة الفتيات الخمس تبدو أبشع من أن تكون حدثت فعلاً، حتى في باكستان.

لا تزال جرائم الشرف هناك تحصد مئات الأرواح كل عام، وتحديداً في المناطق الريفية النائية والمُحافِظَة مثل مقاطعة كوهيستان:

  • أن يأمر مجلس قرية، يرأسه رجل دين مسلم، بقتل الفتيات لأنهن رقصن وصفقن.
  • ثم يحرقهن ذويهم بجمر ملتهب ويدفنوا جثثهن في الجبال.
  • يدبر شيوخ القرية مكيدة لاستبدالهن بفتيات أخريات قريباتهن، ويأمرهن هؤلاء أن يدّعين أنهن هن الفتيات اللاتي قُتِلن إذا جاء رجال الشرطة أو أي شخص آخر ليسأل عنهن.
  • وفوق كل هذا، رفض النظام القانوني المحلي التماسات كوهيستاني لفتح تحقيق، وإخباره أنه يدنس حرمة تقليد مقدس بتحدي قرارات القبيلة.                                

تقليد غير قانوني، ولا دستوري، ولا إسلامي

قال كوهيستاني، وهو يميل للأمام بشدة ويتحدث بنبرة منخفضة سريعة: "لم يعترض أي أحد قط في مقاطعتي أو منطقتي على جرائم الشرف".

وأضاف: "يخبرونني أنني أسيء لسمعة ثقافتي وديني وقبيلتي. الجميع يعرف ما حدث، لكن لا أحد مستعد للإفصاح بالحقيقة. هذا تقليد غير قانوني، ولا دستوري، ولا إسلامي؛ لكن لا ينظر إليه الناس حتى باعتباره جريمة".     

لم تبدُ القصة معقولة لمن سمعها إلا بعدما كشف محامون وصحفيون ومدافعون عن حقوق الإنسان، وأعضاء من لجان تقصي الحقائق بعض جوانبها.

تقرير القاضي مثلاً، تضمن تفصيلة مخيفة:

إحدى الفتيات التي مَثُلَت أمام المحققين لإثبات عدم وقوع الجريمة، لم يتمكن المحققون من التعرف على هويتها، لأنَّ بصمة إبهامها زُعِم أنها تلاشت بسبب حريق بالمطبخ.             

جريمة شرف أخرى هزت باكستان، عن القضية المروعة لسيدة قطع زوجها الغيور أنفها وفقأ عينيها.

وبينما تحولت لكائن  صامت مشوه يجلس على السرير، قال زوجها ضخم الجثة، الذي كان مكبلاً بالأصفاد خارج قاع المحكمة -عبر مترجم فوري- إنه غير نادم على ما فعل؛ لأنه اقتصَّ لشرفه.              

كثير من الأشخاص في باكستان يعملون لتغيير هذه العادات، لكن كان معظمهم من السيدات العاملات والناشطات.

أما أفضل كوهيستاني فكان شاباً من دون خبرة أو نفوذ، لكن كانت لديه عقيدة واضحة وراسخة حول ما يجب أن تعنيه كلمة "شرف".  

ورغم أنه حضر إلى العاصمة إسلام آباد لحضور جلسة استماع في المحكمة العليا، التي كانت ستنظر في القضية قريباً، تصاعد عداء القبيلة ضده.

وأعرب حينها عن شعوره بالقلق من أن يتعقبوه ويهاجموه، لكنه كان متوازناً ومصمماً.

دفع حياته ثمناً لدفاعه عن الضحايا التي ماتت بحجة "الشرف"

تعرَّض كوهيستاني لأكثر من محاولة اغتيال، من بينها إطلاق النار على منزله، ما اضطره للانتقال إلى مدينة أخرى.

ولكن في 7 مارس/آذار 2019، توفي كوهيستاني بإطلاق رصاص في منطقة تجارية مزدحمة في مدينة أبوت آباد. وقالت الشرطة وقتها إنه توفي في موقع الجريمة.

قتل 3 من أشقائه الأكبر في العام 2013، وتم اعتقال 7 رجال من عائلات الفتيات اللواتي قتلن، ولكن تم إطلاق سراحهم العام 2017.

وما زالت القضية التي أثارت الجدال في باكستان تحصد أرواح الضحايا، إذ وصل عدد المتضررين منها إلى 9: الفتيات الخمس وأشقاء كوهيستاني الثلاثة، وأخيراً كوهيستاني نفسه.

وفي يوليو/تموز 2018، أمرت السلطات بقتح تحقيق جديد بالقضية، ما أسفر عن اعتقال 5 رجال اعترفوا بقتل 3 فتيات، ثم سحبوا أقوالهم عندما مثلوا أمام القاضي.

وقبل ساعات من موته، قال كوهيستاني لصحفيين محليين إن العدالة لا بد أن تأخذ مجراها، وإنه يجب معاقبة المسؤولين عن كل جرائم القتل تلك، وأشار  إلى أنه تعرَّض شخصياً لتهديدات.

وما هي إلا ساعات حتى لفظ آخر أنفاسه في شوارع أبوت آباد.وتسجل باكستان نحو 1000 جريمة شرف سنوياً من قبل الأقارب، وفق ما نشر موقع BBC. وتقدر منظمات حقوق الإنسان أن العدد أكبر من ذلك بكثير.

علامات:
تحميل المزيد