أظهرت دراسة كبيرة أن الأنظمة الغذائية غير الصحية مسؤولة عن 11 مليون حالة وفاة يمكن تجنُّبها على مستوى العالم سنوياً، أي أكثر من الوفيات التي يُسببها تدخين التبغ.
لكنَّ المشكلة الكبرى ليست في الوجبات السريعة التي نأكلها، بل الطعام المُغذِّي الذي لا نأكله، كما يقول الباحثون، الذين يدعون إلى تحوُّلٍ عالمي في سياسة تشجيع تناول الخضروات والفواكه والمكسرات والبقوليات.
وصحيحٌ أنَّ السكر والدهون المتحولة تسبب أضراراً، لكنَّ الدراسة وجدت أنَّ العدد الأكبر من الوفيات ناجمٌ عن عدم وجود أطعمة صحية في نظامنا الغذائي.
نوعية الأطعمة تختلف من بلدٍ إلى آخر
بحسب موقع صحيفة The Guardian البريطانية، يعد هذا البحث جزءاً من دراسة عبء المرض العالمي التي أجراها معهد القياسات الصحية والتقييم الصحي في مدينة سياتل، ونُشِرَت في مجلة Lancet الطبية.
ويقول الباحثون إنَّ النوبات القلبية والسكتات الدماغية هي أبرز أسباب الوفاة المرتبطة بالأنظمة الغذائية غير الصحية، يليها السرطان وداء السكري من النوع الثاني.
ووجدت الدراسة أنَّ اتباع نظامٍ أفضل في الأكل والشرب يمكن أن يمنع وفاة واحدٍ من بين كل خمس وفيات على مستوى العالم.
ومع أنَّ نوعية الأطعمة تختلف من بلدٍ إلى آخر، فإنَّ تناول قدرٍ قليل للغاية من الفواكه والخضراوات وتناول كمٍّ كبير جداً من الصوديوم (الملح) يتسبب في نصف إجمالي الوفيات وثلثي سنوات الإعاقة المرتبطة بالأنظمة الغذائية.
وكتب الباحثون: "تُبيِّن النتائج التي توصلنا إليها أنَّ النظام الغذائي غير الأمثل هو المسؤول الأكبر من أي مخاطر أخرى، بما في ذلك تدخين التبغ، عن حالات الوفاة على مستوى العالم، ما يُبرِز الحاجة الملحة إلى تحسين النظام الغذائي البشري في جميع الدول".
ويقولون إنَّه بدلاً من محاولة إقناع الناس بالحد من السكر والملح والدهون، التي كانت "محور التركيز الرئيسي للنقاش حول سياسة النظام الغذائي في العقدين الماضيين"، سيكون من الأفضل تشجيعهم على إدراج الخيارات الصحية في نظامهم الغذائي.
إذ قال أشكان أفشين، الباحث في معهد القياسات الصحية والتقييم الصحي والمؤلِّف الرئيسي للدراسة: "بصفةٍ عامة، يُبدِّل الناس خياراتهم في الحياة اليومية بخياراتٍ أخرى، فحين يزيدون من تناول شيء ما، يُقلِّلون من تناول أشياء أخرى".
15 مادة مغذية مختلفة
وذكر أفشين أنَّ الدول التي لديها نظامٌ غذائي متوسطي في الأساس تأكل كميةً أكبر من الفواكه والخضراوات والمكسرات والبقوليات، مشيراً إلى أنَّ لبنان وإسرائيل وإيران من بين أفضل الدول التي تتبع نظاماً غذائياً سليماً في منطقة البحر المتوسط. وأضاف: "لكن لا يوجد بلد لديه مستوًى أمثل من تناول جميع الأطعمة الصحية. فحتى في البلدان التي لديها نظام غذائي متوسطي، لا يعد مستوى التناول الحالي للعديد من العوامل الغذائية الأخرى هو الأمثل".
وأكَّد معهد القياسات الصحية والتقييم الصحية أنَّ هذه الدراسة هي أشمل تحليلٍ أُجريَ على الإطلاق حول الآثار الصحية للنظام الغذائي.
إذ بحثت الدراسة في 15 مادة مغذية مختلفة، بعضها جيد للصحة والبعض الآخر ليس جيداً بدرجةٍ كبيرة.
ووجدت أنَّ عوامل الخطر الرئيسية تتمثل في كمية كبيرة للغاية من الملح وكمية قليلة جداً من الحبوب الكاملة والفواكه والمكسرات والبذور والخضراوات وأحماض أوميغا 3 الدهنية المستخلصة من المأكولات البحرية.
وتضمَّنت عوامل الخطر الأخرى التي تناولتها الدراسة استهلاك كمياتٍ كبيرة من اللحوم الحمراء والمُعالَجة والمشروبات السكرية، وتناول كمياتٍ منخفضة من الحليب والألياف.
جديرٌ بالذكر أنَّ الأنظمة الغذائية غير الصحية تسببت في 10.9 مليون حالة وفاة، أي 22% من جميع الوفيات بين البالغين في عام 2017. وكانت أمراض القلب والأوعية الدموية هي السبب الرئيسي في حالات الوفاة، تليها السرطانات وداء السكري. وكان حوالي 45% من الوفيات أشخاصاً تقل أعمارهم عن السبعين.
أمَّا التبغ، فقد كان سبباً في وفاة 8 ملايين شخص، بينما تسبب ارتفاع ضغط الدم في 10.4 مليون حالة وفاة.
السكري من بين الأخطار
وسجَّلت إسرائيل أقل معدل للوفيات المرتبطة بالأنظمة الغذائية، إذ بلغ عدد حالات الوفاة المرتبطة بالأنظمة الغذائية 89 من بين 100 ألف شخص متوفى، تلتها فرنسا وإسبانيا واليابان. بينما احتلت المملكة المتحدة المرتبة الثالثة والعشرين، إذ بلغ عدد الوفيات المرتبطة بالنظام الغذائي 127 حالة وفاة من بين كل 100 ألف شخصٍ متوفى، فيما احتلت الولايات المتحدة المرتبة الرابعة والثلاثين، بعدد 171 حالة وفاة مرتبطة بالنظام الغذائي من بين كل 100 ألف شخص متوفى.
وذكر والتر ويليت، الأستاذ في جامعة هارفارد وأحد الباحثين المشاركين في الدراسة، أنَّ النتائج تتفق مع تحليلٍ نُشر مؤخراً عن الفوائد الصحية العائدة على القلب والأوعية الدموية من تناول مصادر نباتية للبروتين بدلاً من اللحوم الحمراء.
وقال: "إنَّ اتباع الأنظمة الغذائية الغنية بالصويا والبقوليات وغيرها من المصادر النباتية الصحية للبروتين سيكون له فوائد مهمة على صحة الإنسان والصحة الكوكبية".
من جانبه ذكر توم ساندرز، وهو أستاذ فخري في علم التغذية والأنظمة الغذائية في جامعة كينغز بلندن، أنَّ التحليل وضع تركيزاً كبيراً جداً على المكونات الفردية بدلاً من النظام الغذائي ككل.
وأضاف: "السمنة هي العامل الرئيسي في خطر الإصابة بداء السكري من النوع 2 وكذلك السرطان، وهناك أدلةٌ صحية قوية على هذه العلاقة. وتنتج السمنة من تناول كمياتٍ أكبر من اللازم من الطاقة الغذائية، بدلاً من مكوناتٍ غذائية محددة مثل السكر.
ويعد ميل الناس بدرجةٍ متزايدة إلى الجلوس وعدم الحركة سبباً رئيسياً لوجود خللٍ بين معدل تناول الطاقة وحرقها، لكنَّ زيادة توافر الأطعمة ذات الكثافة العالية من الطاقة -أي عددٌ أكبر من السعرات الحرارية في كل غرام- يُسهِّل للغاية تناول كميةٍ أكبر من اللازم من السعرات الحرارية".
الصوديوم والسكر والدهون
وقال كريستوفر موراي، مدير معهد القياسات الصحية وأحد الباحثين المشاركين في الدراسة: "تؤكد هذه الدراسة ما يعتقده الكثيرون منذ عدة سنوات، وهو أنَّ النظام الغذائي السيئ مسؤولٌ بدرجةٍ أكبر من أي عامل خطر آخر في العالم عن الوفيات".
وأضاف: "مع أنَّ الصوديوم والسكر والدهون كانت محور النقاشات المتعلقة بالأنظمة الغذائية على مرِّ العقدين الماضيين، فإن تقييمنا يشير إلى أنَّ عوامل الخطر الغذائية الرئيسية تتمثل في تناول كميات كبيرة من الصوديوم، أو تناول كميات قليلة من الأطعمة الصحية، مثل الحبوب الكاملة والفواكه والمكسرات والبذور والخضراوات. وتسلِّط الدراسة الضوء كذلك على الحاجة إلى تدخُّلاتٍ شاملة لتشجيع إنتاج الأطعمة الصحية وتوزيعها واستهلاكها في جميع دول العالم".