هل يتغير مسار حرب اليمن بعد تصويت الكونغرس على وقف مشاركة القوات الأمريكية في الأعمال العدائية بحرب اليمن؟ فقد مرَّر الكونغرس يوم الخميس 4 أبريل/نيسان 2019، بنتيجة تصويت بلغت 247 صوتاً مقابل 175، استناداً إلى المواقف الحزبية إلى حد كبير، إجراءً يستخدم للمرة الأولى قانون قوى الحرب لعام 1973، الذي يعود إلى حقبة فيتنام، لفرض إنهاء المشاركة الأمريكية في نزاع خارجي.
هذه هي الأعمال العدائية التي يمنعها التشريع
ويشكل هذا التشريع تحدياً غير مسبوق من الكونغرس، في مواجهة دعم إدارة ترامب لدول الخليج الغارقة في الحرب الأهلية في اليمن.
كما يثير هذا التشريع تساؤلاً حول متى تكون الولايات المتحدة على الحياد، ومتى تكون في حالة حرب؟ بحسب ما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
القسم الرئيسي من هذا التشريع الجديد ينصُّ على أنَّ الأعمال العدائية تشمل إعادة التزويد بالوقود، وسوف يواصل السماح بتبادل المعلومات الاستخباراتية، وهي من العناصر الأخرى المتبقية من الدعم العسكري، ولا تتناول المبيعات الضخمة للأسلحة.
وفيتو ترامب ينتظره
ومن المتوقع أن يستخدم الرئيس ترامب حقَّ النقض (الفيتو) ضد هذا التشريع، الذي يُعتبر ذروة سنوات عديدة من معارضة الكونغرس لتدخل الولايات المتحدة في الحرب.
وقد أدَّت هذه الحرب إلى دخول السعودية ودول خليجية أخرى في قتال ضد جماعة الحوثيين المتمردة، فيما أصبح صراعاً بالوكالة بين حلفاء الولايات المتحدة وإيران.
القرار يتهم الجيش الأمريكي بالمشاركة في الحرب.. وهذه هي أدلته
وينص هذا القرار، الذي أقرَّه مجلس الشيوخ، الشهر الماضي، على أنَّ الجيش الأمريكي قد "أُشرك في أعمال عدائية" في اليمن "بما في ذلك تقديم مساعدة للتحالف الذي تقوده السعودية في مجالات الاستهداف الجوي، وتبادل معلومات استخباراتية، والتزويد بالوقود أثناء الطيران".
وجادلت إدارة ترامب بأنَّ الجيش لا يلقي بالقنابل ولا يرسل قوات برية إلى المعركة، وإنما يؤدي دوراً داعماً لا يمكن تقييده بهذا القرار.
إذ قال مستشار وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، في خطاب أرسله إلى قيادة مجلس الشيوخ عام 2018، إنَّ الدعم الأمريكي "المحدود" لا يحقق العتبة القانونية للأعمال العدائية، لأنَّ القوات الأمريكية لم تتبادل إطلاق النار مع الحوثيين، باستثناء حادثة واحدة للدفاع عن النفس عام 2016.
وفي أعقاب تصويت يوم الخميس، قالت ريبيكا ريباريتش، المتحدثة باسم البنتاغون، في بيان صحفي، إنَّ وزارة الدفاع كانت "شفافة في الحوار مع الكونغرس وإنَّ دعم وزارة الدفاع للتحالف الذي تقوده السعودية لا يشكل مشاركة في الأعمال العدائية".
وحتى قبل قرار الكونغرس فإن إدارة أوباما أوقفت معظم هذه الأعمال
وعندما اندلع الصراع في اليمن عام 2015، وافقت إدارة أوباما على تزويد طائرات التحالف بالوقود وتقديم أشكال أخرى من الدعم العسكري عن بعد.
قطعت هذه الإدارة في وقت لاحق بعض المساعدات، بما في ذلك مهمة استشارية في مقر القوات الجوية السعودية، وعلقت مبيعات أسلحة بعينها إلى السعودية، التي تعد من أكبر مشتري الأسلحة الأمريكية.
أما إدارة ترامب التي حركها سعيها لكبح جماح النفوذ الإيراني، فقد كانت أكثر دعماً للسعودية.
إلا أنَّ سعيها لتوثيق العلاقات قد لطفت منه مخاوف متعلقة بالأزمة الإنسانية الضخمة في اليمن، والانتقاد العلني للوفيات المتكررة نتيجة للغارات الجوية السعودية.
جريمة اغتيال خاشقجي ألَّبت الكونغرس ضدَّ الرياض
وقد اكتسبت معارضة الكونغرس للتورّط في الحرب الأهلية في اليمن زخماً مع تصاعد الغضب بعد الذبح المروع للكاتب السعودي لدى صحيفة Washington Post جمال خاشقجي، الذي يُلقي كثير من المشرعين باللائمة فيه على القيادة في الرياض.
وتقول الحكومة السعودية إنَّ أكبر الشخصيات في المملكة بما فيهم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لم يكونوا على علم مسبق بترتيبات اغتيال خاشقجي.
وقد رفض النائب الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا رو خانا، وهو أحد أبرز منتقدي الحرب في مجلس النواب، تفسير الإدارة لقانون قوى الحرب، إذ قال: "لا يشترط القانون وجود قوات برية، وإنما يشترط مجرد المشاركة".
ويشير هذا الإجراء إلى ذكر قانون قوى الحرب للقوات الأمريكية التي كُلفت بـ "قيادة أو التنسيق مع أو المشاركة في تحركات أو مصاحبة" قوات أجنبية.
اللافت أن توصيف إدارة ترامب لمفهوم اللاحرب متسق مع أسلافه
وقال خبراء قانونيون إنَّ حجة إدارة ترامب بشأن اعتبار المشاركة الأمريكية ليست أعمالاً عدائية متسقة مع طريقة تعريف الإدارات الأخرى للأعمال العدائية.
إذ قالت إدارة أوباما، عام 2011، إنَّ دورها في العمليات الجوية الدولية ضد الزعيم الليبي معمر القذافي، التي تجاوزت الدعم المقدم في اليمن، ينبغي عدم اعتبارها أعمالاً عدائية تقع تحت طائلة قانون قوى الحرب.
وقال ستيفن فلادك، أستاذ القانون بكلية الحقوق بجامعة تكساس الأمريكية: "المشكلة أنَّ رجل الشارع العادي سوف ينظر إلى ما نفعله في اليمن، لو كان على علم بما نفعله هناك، وسيجد صعوبة في أن يخلص إلى أنَّ ما نفعله لا يعد أعمالاً عدائية".
والسعوديون يتعهدون بالاستمرار في خوض الحرب حتى لو بأيديهم العارية
وقال مسؤول سعودي كبير، تحدَّث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة تصويت المشرعين الأمريكيين، إنَّ هذا الإجراء "لن ينهي النزاع في اليمن، ولن يخفف من الوضع الإنساني الصعب".
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن المسؤول السعودي قوله: "بصرف النظر عما إذا كان القرار سوف يصبح قانوناً أمريكياً أو لا، فإنَّ السعودية سوف تستمر في قيادة الجهود، لكي تعود حكومة اليمن الشرعية، ومواجهة المخططات التوسعية لإيران".
وأضاف: "لقد عقدنا العزم على الدفاع عن بلدنا والمنطقة، حتى لو تعين علينا فعل ذلك بأيدينا العارية".
والإدارة الأمريكية تقول إن دعمها العسكري قلَّل من الخسائر البشرية
جادلت إدارة ترامب أيضاً بالقول إنَّ دعمها العسكري أدى إلى زيادة فاعلية العمليات الجوية، وقالت، دون تقديم تفاصيل، إنَّ عدد الضحايا المدنيين قد انخفض.
ويُجري البنتاغون عملية عسكرية موازية في اليمن ضدَّ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، لا تخضع للتشريع الجديد.
وكان خانا ومجموعة صغيرة من المشرعين من الحزبين قد طلبوا عقد اجتماع مع ترامب، للدفاع عن وجهة نظرهم حول السبب الذي من أجله ينبغي للرئيس، بوصفه شخصاً قد دافع عن الانسحاب من الحروب الأجنبية، إنهاء دعمه للمساعدة الأمريكية للتحالف في اليمن.
هل يتغير مسار حرب اليمن بعد تصويت الكونغرس الأمريكي؟
وقد مثّل تصويت يوم الخميس لحظةً نادرة من تحرك الكونغرس لتقييد قدرات السلطة التنفيذية على المشاركة في الحرب في الخارج.
إذ فشل المشرعون على مدى سنوات في تحديث التفويض المستخدم منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لمجموعة من النزاعات في مجموعة من البلدان. ولكن تأثيره على الحرب ميدانياً، ليس كبيراً.
وحتى لو أقر هذا التشريع فإن تأثيره على الحرب محدود
وحتى لو جرى سن هذا التشريع، فإنَّ أثره سوف يكون رمزياً في الغالب، لأنَّ إعادة التزويد بالوقود قد أوقفت أواخر العام الماضي. لذا ميدانياً لن تضرر القوات السعودية وحلفاؤها كثيراً منه أو يستفيد الحوثيون.ولكن هذا لايعني أن صدور هذا القرار أمر بسيط أو أنه لن يكون له تداعيات.
وقال سكوت أندرسون، المحامي السابق بوزارة الخارجية الأمريكية والزميل بمعهد بروكينغز، إنه بصرف النظر عن النتيجة، فإنَّ هذا النقاش الدائر حول التشريع قد أبرز محنة المدنيين اليمنيين وفاز بتأييد قطاع من الجمهوريين.
وقال أندرسون: "بعد مشروع القانون هذا، يمكن (للمؤيدين) القول إنَّ أغلبية من كلا الحزبين في الكونغرس تريد إنهاء هذا الأمر، والرئيس يمضي قدماً. وهذا هو الفخ الحقيقي: إلقاء الكرة في ملعب الرئيس، وجعله يتحمل تبعات ذلك الأمر".