طالب "هاني كمال"، مؤلف مسلسل "أبو العروسة"، الحكومة المصرية بإقرار يوم 5 مايو/أيار، من كل عام، عيداً للعائلة، حيث الرجوع إلى فكرة لمّ شمل أفراد الأسرة والعائلة بشكل أوسع من جديد، في ظلِّ التفكك الأسري الحاصل نتيجة السوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت هوساً للكثيرين.
المسلسل الذي أحدث ضجةً عارمة على السوشيال ميديا، وتابعته العديد من الأسر المصرية والعربية لفت انتباه الجميع، في ظلِّ تردِّي طبيعة المسلسلات، حيث الاعتماد على الثراء الفاحش، فنشاهد إما قصوراً وفللاً وإناساً نعم هم بالطبع موجودون في عالمنا، لكن ليسوا هم الأكثرية.
وإما فقراء، بل وطبقات من المجتمع تحت خط الفقر ومن ساكني العشوائيات، حيث الألفاظ المتدنية والتصرفات البذيئة الخادشة للحياء تارة، والتي تدعو للعنف تارة أخرى، وكأننا في مجتمع عديم الشرف.
هذا غير تلك الأعمال الموجهة بشكل مباشر، التي تخدم فئةً معينة في المجتمع، وفصيلاً دون الآخر، حيث الاعتماد على تشويه وتحقير وشيطنة الفصيل الآخر، وكأننا نشاهد تصفية حسابات ورسائل موجهة ومباشرة دون أي احترام أو تقدير لعقلية المشاهد.
أما ما حدث مع مسلسل "أبو العروسة" بجزئيه الأول والثاني، فهو دليل أن لدينا كتاباً قادرين على خلق جوٍّ أسري لطيف في الواقع، قادرين على لم شمل الأسرة من جديد على مسلسل واحد، دون الخوف من مشهد خادش للحياء، قادرين على تصوير مفهوم الوحدة الوطنية بين المسلم والمسيحي دون مبالغة أو تضخيم للقضية المحسومة بالطبع بين المصريين، فالكل واحد، حيث التعامل من منطلق الإنسانية لا من منطلق الديانة، قادرين على إظهار مصر بشكل محترم دون التحجج بالجملة الشهيرة التي تتردد على ألسنة المؤلفين وصناع السينما والدراما "احنا بننقل الواقع"، مبرِّرين بذلك مشاهدَهم الساخنة، وألفاظَهم الخادشة للحياء، وتناول بعض القضايا الجرئية، التي إن حدثت في الواقع فبكلِّ تأكيدٍ لا يتعدى حدوثها 20% بين أبناء الشعب المصري.
أما الرومانسية المبالغ فيها من قِبل شخصية طارق، الممثل "محمود حجازي" مع زوجته في المسلسل زينة، الممثلة "ولاء الشريف"، التي رأها البعض "أفورة" واستفزازاً، فأنا أعتقد أنها ذكاء مؤلف أو "فهلوة"، حيث اعتمد على المبالغة في الحب، واختار الكتابة بلغة "الناس الملزقة بزيادة"، كي يصبح "تريند" على السوشيال ميديا، ومن ثم تنهال عليه الكوميكسات الساخرة من طريقة طارق، ثم يحصل على أكبر عدد من التعليقات على صفحات مواقع التواصل، منها المؤيد الرافض الناقد، فينتشر، ثم ينتشر المسلسل بشكل أكبر وأوسع، وهذا هو هدف المؤلف وجميع القائمين على العمل.
ولعل فكرة "التريند" هذه أصبحت من سمات واقعنا الحالي، فبعيداً عن المسلسل أصبحنا نشاهدها باستمرار، والأمثلة كثيرة وحدثت أمامنا، يمكن أن تكون الشهرة هي العامل المشترك، وهي الهدف أمام كل شخص يحاول أن يصبح "تريند" على السوشيال ميديا.
فتكون الطريقة كالآتي، يفعل شيئاً غريباً، فتنهال عليه التعليقات، محدثاً ضجة كبيرة على مواقع التواصل، فتستضيفه القنوات الفضائية واحدة تلو الأخرى، وبهذه الخطوة يعتبر نفسه وضع قدمه على أول سلالم الشهرة، حتى إن تلك الحيلة يلجأ إليها العديد من المشاهير أيضاً، الذين قلَّت شهرتهم وقلَّت إطلالاتهم على الشاشة، وتناساهم المخرجون.
والأمثلة كثيرة "اعمل بثاً مباشراً لحياتك الشخصية على السوشيال ميديا، أعلِن عن حبك لحبيبتك بطريقة غريبة، اشتم في الحجاب، وفي الدين، وتطرَّق إلى المعتقدات والثوابث، التحديات وما أدراك ما التحديات، قولي إنكِ حصلّك تحرش بكل فخر، ألّف كتاباً باسم غريب مريب، اطلعِي اشتمي في الرجالة (بلوك بلوك بلوك)"… وغيرها وغيرها.
لكن السؤال هنا: هل مجتمعاتنا العربية بحاجة إلى عيد أو يوم للتجمع العائلي، ولمّ شمل الأسرة من جديد؟ هل هذا هو الضمان؟
في الحقيقة عندما رصدت آراء رواد مواقع التواصل والعديد من متابعي المسلسل على أرض الواقع، وجدتُ أن الكثيرين يتمنَّون أباً مثل "عبدالحميد"، الفنان القدير سيد رجب، وجواً أسرياً دافئاً يسوده الحب والاهتمام.
لكن هناك شريحة أيضاً انتقدت تلك المبالغة من المشاعر الفياضة والجو الأسري المليء بالحب والطاقة الإيجابية، لافتين إلى أن الحبكة الدرامية كان لها تأثير السحر في ظهور المسلسل بهذ الشكل، كي يلتفت إليه أكبر عدد من المشاهدين ويذيع صيته.
أما الفئة الثالثة فلفتت إلى أنهم جزء أساسي ورئيسي من عدم وجود مثل هذا الجو الأسري الدافئ بسبب السوشيال ميديا، مشيرين إلى أن هؤلاء الأشخاص ذاتهم على السوشيال ميديا، والذين يمدحون ويُثنون على المسلسل يتناقضون مع أنفسهم، فهم طوال الوقت على مواقع التواصل، طوال الوقت مع الكوميكسات، طوال الوقت على "الشاتنج"، والدليل هذا الكم الهائل من التعليقات والكوميكسات التي ظهرت على المسلسل طوال 120 حلقة، متسائلين كيف لهذه الفئة التي تغزَّلت في المسلسل وتمنَّت أن يكون حالها مثل حال عائلة عبدالحميد، وهم في الأصل أجساد بلا أروارح، يأكلون ويشربون في بيوت آبائهم، وأرواحهم على السوشيال ميديا، حيث الردّ على أصدقائهم ومتابعيهم على هذا الفيديو اللايف الذي قاموا ببثه مباشرة أثناء قيامهم بعمل ما، أو تلك الصور الشخصية والاستوري "story" الذي يقومون برفعه على حساباتهم الشخصية لأحداث مهمة في حياتهك، قد لا تعلم والدتهم أو والدهم عنها أي شيء، فأين الوقت إذن للشعور بدفء وحنان الأسرة، ومشاركتهم في أدق تفاصيل حياتهم التي هي على صفحات مواقع التواصل، وعلى ألسنة الأصدقاء؟!
في نهاية مقالي أعتقد أننا لسنا بحاجة لعيد عائلة كما فعل عبدالحميد، نحن بحاجة إلى عدم التقليد، نعم بحاجة إلى مجاهدة النفس، والإصرار والتصميم على مقاطعة الإنترنت ولو لبضع ساعات في اليوم، بحيث يصبح هذا القرار إجبارياً على جميع أفراد الأسرة الواحدة، بحاجة إلى تخصيص وقت للحديث معاً، ومعرفة خبايا وأسرار الآخر؛ مشاكله وأحزانه وهمومه، ما هي الأشياء التي تُفرحه والعكس، كيف يُفكر في مستقبله، وعلى ربِّ الأسرة أولاً فعل ذلك، عليه عدم اليأس والصبر على أولاده؛ كي يعتادوا على ذلك؛ كي يصبحوا أصدقاءه بالفعل، من خلال الكلام والفضفضة في كل شيء، عليه التقرب لابنته بأقصى درجة ممكنه، عليه عدم الانغماس هو الآخر في السوشيال ميديا، عليه تخصيص يوم كلَّ أسبوعٍ لعطلة يأخذ فيها أسرته الصغيرة لقضاء يوم بعيداً عن المنزل وبعيداً عن الإنترنت، حيث الأجواء التي تساعد على الفصفضة والكلام، بحيث لا يحتاج هؤلاء الأولاد إلى الغريب كي يتحدثوا معه عن مشاكلهم.
أعتقد أننا بحاجة أيضاً إلى صلة رحم، إطعام الطعام، إكرام الضيف، حسن المعاملة، الكلمة الطيبة، تقبُّل رأي الآخر، التسامح والمغفرة، بحاجة إلى الصدق والشفافية في معاملاتنا… يعني في النهاية تطبيق تعاليم الأديان السماوية، تعاليم خالق الكون، وتطبيقها على أرض الواقع.
لو استطعنا فعلَ ذلك سنستطيع لمَّ شملِ الأسرة الصغيرة من جديد، وبالتبعية ستأتي العائلة والأصحاب وكلُّ مَن نحب، ليس في يوم كلَّ عامٍ، لكن طوال حياتنا، فالمناسباتُ كثيرةٌ والأعيادُ ما أكثرها، لكن الفكرة تكمُن في التنفيذ، وفي وضع نية لكل تصرف وفعل نقوم به في الحياة؛ كي ننعم دنيا وآخرة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.