هل صنعت من قبل مركبة أو وردة أو عصفورة من خلال طي الورق بطريقة معينة؟ إن هذا هو أساس فن الأوريغامي بكل بساطة!
الأوريغامي هو عملية طي الورق بدون استخدام أدوات لصق أو مقص بهدف الحصول على أشكال ثنائية وثلاثية الأبعاد.
وفن الأوريغامي ليس فناً عشوائياً يقوم على الموهبة فحسب، وإنما علم له قواعد وأسس وخوارزميات رياضية ومدارس مختلفة كذلك.
اليابانيون هم أول من استحدث هذا الفن في القرن 17 الميلادي، وبدأ يتوسع إلى بقية أنحاء العالم في القرن التاسع عشر ليتحول إلى شكل من أشكال الفن الحديث.
تمكنت الهندسة من الاستفادة من جمال وقوة تقنيات الأوريغامي في تقديم تصميمات رائعة وفعالة يمكن رؤيتها في العديد من الابتكارات العلمية اليوم.. إليك أبرزها
روبوت أوريغامي لعلاج تسمم البطاريات
كشف باحثون من معهد ماساتشوستس للتقنية وجامعة شيفيلد بإنجلترا ومعهد طوكيو للتقنية عن كبسولة يتم التحكم في حركتها عن طريق مغناطيس خارجي لتنتقل إلى مواقع محددة داخل الجسم.
تحتوي الكبسولة على روبوت أوريغامي صغير بداخلها وعندما تنفتح الكبسولة يخرج منها الروبوت ليقوم بالمهام المسندة إليه داخل الجسم كإزالة الأجسام الداخلية الصغيرة أو توصيل الدواء أو تضميد الجروح بدلاً من الورق، تم تصميم الروبوت من أمعاء الخنازير المجففة التي تستخدم في أغلفة السجق.
روبوت بعضلات اصطناعية
صمم الباحثون في جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عضلات اصطناعية اعتماداً على تقنية شبيهة بالأوريغامي يمكنها رفع الأجسام حتى 1000 ضعف وزنها.. وهو ما يعادل مثلاً قدرة بطة على رفع سيارة!
تعتمد هذه الروبوتات على مبدأ فيزيائي بسيط هو مبدأ الحجرات المحكمة الإغلاق التي تمتلئ بالهواء أو السوائل وعند تفريغها تنكمش الجدران (المصنوعة من مواد مرنة قابلة للطي بطريقة تشبه الأوريغامي) بآلية معينة تسمح لها بالانثناء ورفع ونقل الأشياء من جانبها.
يمكن تطوير روبوتات الأوريغامي تلك لاستخدامها في العديد من المجالات، كالمستودعات لنقل وتحميل البضائع المختلفة، وستكون أطرافها ومجساتها طرية للتعامل حتى مع أدق الأشياء كالإلكترونيات.
الروبوت أيضاً مناسب تماماً لعمليات البحث والإنقاذ بعد الكوارث وقد صنع من مواد رخيصة مثل قطع من مطاط السليكون اللين وشرائح من البوليستر الشفاف.
الوسادة الهوائية
تخلى روبرت جيه لانج (أسطورة من أساطير الأوريغامي) عن حياته المهنية كفيزيائي وعالم رياضيات مع ناسا ليكريس نفسه لحبه الأول – وهو فن الأوريغامي
ساهم لانج بابتكار وتطبيق مبادئ جديدة لفن الأوريجامي وألهم بعض العلماء الآخرين بحلول لمشاكل هندسية معقدة!
قام لانج بمساعدة شركة الهندسة الألمانية EASi Engineering في تصميم وسادة هوائية باستخدام تقنيات الأوريغامي ونمذجة فتح الوسادة وطيها ضمن الأماكن المخصصة.
إن هدف الوسادة الهوائية airbag هو تقليل سرعة الركاب حتى الصفر بدون إحداث ضرر تقريباً وفي جزء من الثانية حتى لا يصطدم الركاب بأجزاء السيارة الداخلية عندما تتوقف السيارة فجأة.
استخدم لانج خوارزمية تسمى "universal molecule" لإنشاء وسادة هوائية ذات جوانب متعددة السطوح والتي يمكن طيها ضمن الأماكن المخصصة بحيث تحمي السائقين والركاب دون التسبب في أي ضرر بالنسبة لهم.
صمم لانج السادة بحيث تنفتح خلال جزء من الثانية بدون أية عائق وتصبح جاسئة بشكل جزئي بحيث تثبت أمام صدمة جسم الإنسان وتمنع إصابته.
يقول لانج "ما زالت هناك أبحاث من أجل تصميم وتطوير أنواع جديدة من هذه الوسائد الهوائية على طريقة الأوريجامي لإنقاذ حياة الملايين من البشر".
دعامات شرايين القلب
لاشك أن هذه الدعامات أنقذت ملايين الأرواح حول العالم بعد أن قام Zhong you وزملاؤه في جامعة أكسفورد بتطويرها.
وهي تعمل بمبدأ (طية بالون الماء) في الأوريغامي فهي عبارة عن أنبوب مرن يمكن طيه وتصغير حجمه وإدخاله إلى موقع الانسداد من خلال الشريان أثناء عملية القسطرة.
تبدأ الدعامة في التوسع عند وصولها لموقع الانسداد من خلال نفخ البالون ضمنها لفتح هذا الانسداد.
الروبوتات النانوية
يقصد بالنانو جزء من المليون من الملليمتر ولذلك فإننا نتحدث عن روبوتات صغيرة جداً مستوحاة من الأوريغامي تم تصميمها بهدف القضاء على الأورام السرطانية من خلال ما يسمى بـ (قطع التروية الدموية) أي حرمان هذه الأورام من الأكسجين والغذاء الذي يصلها مع الدم.
يتكون الروبوت النانوي من صفحة حمض نووي مطوي طولها 90 نانومتراً وعرضها 60 نانومتراً مُحملة بإنزيم مسؤول عن تخثر الدم في الأوعية الدموية المغذية للورم مما يؤدي لانكماش هذه الأورام والحد من نموها وعدم تعريض الأنسجة المجاورة لأية أضرار.
أظهر علماء من جامعة ولاية أريزونا الأمريكية والمركز الوطني للتقنية والعلوم النانوية دراسة نُشرت في "نيتشر بايوتكنولوجي"أن هذه الروبوتات ساهمت في قطع التروية الدموية عن سرطان الثدي والورم القتاميني (الميلانوما) وأورام المبيض السرطانية لدى الفئران بعد أسبوعين من العلاج!
جهاز لصيد الحيوانات الرخوية
ابتكر روبرت وود من جامعة هارفارد تصميماً مستوحى من الأوريغامي للإمساك بالحيوانات الرخوية في أعماق البحار دون الإضرار بها لأن شباك الصيد قد تمزق أجسامها.
قام العلماء بتصميم جهاز مشابه للشكل الهندسي المعروف بمتعدد السطوح الاثني عشري، وهو شكل لديه 12 وجه مستوٍ ومتطابق.. وعندما يفتح يصبح شكله مشابهاً لنجم البحر.
يمكنك التقاط الرخويات البحرية والإسفنج والشعاب المرجانية بسهولة باستخدام أداة الإمساك، والتي يتم تحريكها بواسطة مشغل ميكانيكي.
الجهاز يمتاز بالبساطة والحفاظ على سلامة العينات وتحمل الضغط في أعماق المحيطات يمكن فتحه أو إغلاقه بحركةٍ واحدة باستخدام مشغل ميكانيكي يحول الطاقة إلى حركة دورانية.
يوضع الجهاز المفتوح خلف العينة ثم يدير المستخدم المشغل الميكانيكي فتحيط الأسطح الاثنا عشر بالعينة والمياه، ولكنه لا يغلق بإحكام فتتسرب هذه المياه عند الوصول إلى السطح.
وقد تم استخدام بوليمرات ضوئية مطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في صناعة الجهاز ليتم طباعة الحيوانات الرخوية التي تم الإمساك بها بشكل ثلاثي الأبعاد في ساعات فقط. وسيحدث ذلك ثورة في الأساليب التي يجري بها علماء الأحياءالبحرية البحوث.
الفضاء
تستخدم البعثات الفضائية الوقود النووي لإطلاق المركبة الفضائية وتشغيل المعدات التكنولوجية لاستكشاف المجرة. مصدر الطاقة هذا ليس اقتصادياً بشكل خاص وله إطار زمني محدد حتى يتم استنفاده لذلك فإن القدرة على الجمع بين الطاقة الشمسية والطاقة النووية ستعني مهمات أطول بتكلفة أقل.
تخيلت شانون زيربل من جامعة بريغهام يونغ طريقة لاستخدام فن الأوريغامي القديم للقيام بذلك.
باستخدام مباديء الاوريغامي يمكن تصنيع ألواح للطاقة الشمسية وطيها لتشغل مساحة صغيرة في المكوك الفضائي ثم يتم فردها لتشغل أكبر مساحة في الفضاء الخارجي.
اقترح مختبر الدفع النفاث التابع لناسا، وجامعة بريغهام يونغ، وروبرت لانج، خبير الأوريغامي، تصميماً أكثر كفاءة يعتمد على مبادئ الأوريغامي أيضاً يمكن أن ينتج هذا ما يصل إلى 250 كيلووات من الطاقة مقارنةً بـ 84-120 كيلووات التي تنتجها المصفوفات الشمسية العادية في محطة الفضاء الدولية.
استناداً إلى طية ميورا، التي اخترعها عالم الفيزياء الياباني كوريو ميورا، لا يتوسع التصميم بشكل عادي وإنما كزهرة تتوسع في منطقة دائرية كبيرة وتكون أوراقها (الألواح) متراصة إلى بعضها.
تتطلب هذه التقنية وجود قوة دفع مركزية تساعد الصفائح في الانفتاح بعيداً عن بعضها.
هناك تصميمات بسيطة ترجع إلى تقنيات الأوريغامي قيد الاستخدام بالفعل في استكشاف الفضاء والبحث، لكن الفريق يبحث باستمرار عن طرق أكثر كفاءة لنشر المصفوفات الشمسية في الفضاء.
زرع شبكية العين
طور سيرجيو بيليجرينو، الباحث في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، عملية زرع شبكية مستوحاة من الأوريغامي حيث يتم الحصول على بنية ثلاثية الأبعاد من هيكل ثنائي الأبعاد.
الجهاز المستخدم في عملية الزرع عبارة عن شريط ثنائي الأبعاد من مادة parylene-C وتحويله إلى هياكل كروية ثلاثية الأبعاد لمساعدة المصابين بالتهاب الشبكية والضمور البقعي لشبكة العين وجميع أمراض العين التي تسبب فقدان المستقبلات الضوئية.
ستسمح تقنيات الطي المستخدمة بوصول العديد من المستقبلات الضوئية الصناعية لشبكة العين من خلال جهاز واحد فقط.