مرّت قرابة الـ3 أعوام على الاستفتاء الذي منح بريطانيا الحقَّ في الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وحتى الآن تعاني المملكة المتحدة من هذا القرار، الذي يحاول البريطانيون تداركه، لكن دون اتفاق على شكل التعامل مع باقي دول الاتحاد.
رئيسة الوزراء تيريزا ماي ترأس اجتماعات لمجلس الوزراء تستمر لساعات، الثلاثاء 2 أبريل/نيسان 2019، في محاولة لشقِّ مسارٍ للخروج من حالة الغضب العارمة التي تحيط بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بعد أن تعرَّضت لضغوطٍ، إما أن تترك التكتل دون اتفاق، أو أن تدعو لانتخابات جديدة.
وبعد انقضاء نحو ثلاث سنوات منذ أن صوّتت بريطانيا لصالح ترك الاتحاد الأوروبي في استفتاء جاءت نتيجته صادمة، يواجه الساسة البريطانيون أزمة، ولا يتّضح كيف أو متى أو حتى ما إذا كانت بريطانيا ستترك التكتل الذي انضمّت إليه في عام 1973.
ورفض مجلس العموم البريطاني ثلاث مرات اتفاقاً تفاوضت عليه ماي للخروج من الاتحاد، ولم ينجح البرلمان، أمس الإثنين، في تحقيق أغلبية لأي بديل للاتفاق. ومن المتوقع أن تحاول ماي طرح اتفاقها للتصويت للمرة الرابعة هذا الأسبوع.
وأجّلت هذه الأزمة بالفعل خروج بريطانيا لمدة أسبوعين على الأقل، عن الموعد المقرر يوم 29 مارس/آذار، ومن المقرر أن ترأس ماي اجتماعات مطولة في مجلس الوزراء في محاولة لإيجاد مخرج من هذه الأزمة.
صحيفة The Guardian البريطانية تجيب عن عدد من التساؤلات حول تأجيل التصويت، وماذا يعني ذلك وأثره على بريطانيا، وهل بالفعل يمكن أن تحل الأزمة أم لا؟
ماذا حدث مؤخراً؟
لم يتمكن نواب البرلمان البريطاني مرةً أخرى من التوصُّل إلى أغلبية متفقة على أيٍّ من بدائل اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، في سلسلةٍ من التصويتات الإرشادية، كما حدث في أول تصويتٍ من هذا النوع، يوم الأربعاء الماضي 27 مارس/آذار. إذ رُفِضَت جميع الخيارات الأربعة، وإن كان هناك خيارٌ واحد -يتضمَّن خطةً للخروج مع البقاء في اتحادٍ جمركي دائم مع الاتحاد الأوروبي- خسر بفارق ثلاثة أصوات فقط.
كيف جاءت النتائج؟
خسر اقتراح البقاء في اتحادٍ جمركي، الذي قدَّمه كين كلارك، العضو المخضرم في حزب المحافظين بحصوله على 273 صوتاً مقابل 276 صوتاً. ويُعد هذا تحسُّناً طفيفاً؛ إذ خسر هذا الاقتراح في الأسبوع الماضي بفارق 6 أصوات. وخسر اقتراح "السوق المشتركة 2.0" الذي وضعته عدة أحزاب من أجل البقاء في سوقٍ مشتركة مع الاتحاد الأوروبي بفارق 21 صوتاً (إذ حصل على 261 صوتاً مقابل 282 صوتاً)، بينما خسرت دعوةٌ إلى طرح أي اتفاق نهائي للاستفتاء بحصولها على 280 صوتاً مقابل 292 صوتاً، فيما خسرت خطةٌ لمنح النواب سلطة تمديد اتفاق بريكست، أو على الأقل الاختيار بين إلغاء الاتفاق أو إلغاء المادة 50 (من معاهدة لشبونة المتعلقة بالخروج من الاتحاد)، بـ191 صوتاً مقابل 292 صوتاً.
هل كانت هناك أي مفاجآت؟
وبحسب الصحيفة البريطانية، نعم ولا في الوقت نفسه. لم تكن هناك توقعات محددة لحصول أي اقتراحٍ على الأغلبية، لكنَّ أنصار الاتحاد الجمركي كانوا متفائلين لأنَّ فارق الهزيمة كان ضئيلاً للغاية في التصويت الأخير، وكذلك أنصار خطط السوق المشتركة 2.0، لأنَّ حزب العمال غيَّر موقفه إلى مؤيدٍ شديد للفكرة.
ما السبب في خسارة هذين الاقتراحين اللذين كانا على وشك الفوز؟
في التصويت على البقاء في الاتحاد الجمركي، رفضت الغالبية العظمى من أعضاء حزب المحافظين هذا الاقتراح، وانضمَّ إليهم مزيجٌ من النواب الذين رأوا أنَّ هذه الخطة ليست كافية لتحقيق طموحات بريكست (مثل نواب الحزب الديمقراطي الوحدوي، وبعض المنشقين عن حزب العمال وأولئك الذين يستصعبون الخروج بهذه الطريقة للغاية (مثل حزب الديمقراطيين الأحرار والمجموعة المستقلة). فيما امتنع بعض النواب المترددين عن التصويت.
أمَّا خطة السوق المشتركة 2.0، فقد تعرَّضت لمزيجٍ مشابه من المعارضين، ودفعت المخاوف بشأن فكرة عدم إنهاء حرية الحركة 25 نائباً من حزب العمال إلى معارضة مقترح رئيس الكتلة البرلمانية للحزب، معظمهم من مؤيدي الخروج من الاتحاد الأوروبي. فيما امتنع 33 نائباً من حزب العمال عن التصويت.
هل سيتفق النواب على أي شيء؟
لا أحد يعرف، صحيحٌ أنَّ التوقعات كانت تشير إلى أنَّ الخروج الوشيك دون اتفاق -والمقرر الآن في غضون 11 يوماً- من شأنه أن يُركّز أفكار النواب ويبني روابط بينهم ويشجعهم على تقديم تنازلات والتوصل إلى حلول وسط. لكنَّ هذا لم يحدث بعد. وسينتقل التركيز الآن إلى جولة ثالثة محتملة من التصويت الإرشادي، قد تُعقَد يوم غد الأربعاء 3 أبريل/نيسان. إذ دعا جيريمي كوربين، رداً على نتائج التصويت الإرشادي الثاني في مجلس العموم، إلى اتخاذ هذا الإجراء، قائلاً إنَّه إذا كان "من الجيد بما يكفي أن تحصل رئيسة الوزراء على ثلاث فرص للموافقة على اقتراحها"، فينبغي أن ينطبق الأمر نفسه على نواب البرلمان.
هل يعني ذلك أنَّ خطة تيريزا ماي عادت إلى المشهد؟
وبحسب الصحيفة البريطانية، لم تخرج خطة ماي من المشهد قط، على الأقل بالنسبة للحكومة البريطانية. وعلى الرغم من طرح الاتفاق (أو بالأحرى نصف الاتفاق في الحالة الأخيرة) على مجلس العموم ثلاث مرات وخسارته بفارق 230 و149 و58 صوتاً في المرات الثلاث على الترتيب، يبدو أنَّ النواب سيجرون محاولةً رابعة على الأرجح في وقتٍ لاحق من الأسبوع الجاري. ورداً على النتائج، قال ستيفن باركلي وزير بريكست، إنَّ خطة ماي هي الخيار الوحيد المتبقي القابل للتطبيق، بالنظر إلى أنَّ مجلس العموم رفض الخروج دون اتفاق وإلغاء بريكست. لكن مع استمرار أعضاء الحزب الديمقراطي الوحدوي وحزب المحافظين المتشددين لبريكست في عنادهم بشأن عدم تأييد الخطة، يبدو أنَّها لن تنجح على الأرجح.
مَن سيكون الأسعد بهذا؟
من المؤكد أنَّ النواب الذين يسعون لفوز الخطط البديلة ليسوا الأسعد بما يحدث، إذ استقال نيك بولس من منصب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب المحافظين، بعد خسارة خطته الخاصة بالسوق المشتركة 2.0، قائلاً إنَّ الحكومة رفضت تقديم تنازلات.
لكنَّ تيريزا ماي ربما تشعر بسعادةٍ غامرة تجاه سعي بعض النواب إلى "التمسُّك" ببريكست، وسط الكثير من الانتقادات التي تشير إلى انعدام كفاءة ماي، ثم ثبوت عجزها عن إيجاد طريقة وسط التعقيدات لإنجاح بريكست. وكذلك فهي الآن لا تواجه معضلة اتخاذ الخيار الفوري الذي كان سينتج من التصويت بالموافق على بديلٍ أكثر ليونة لبريكست: وهو قبول ذلك البديل وخسارة نصف مجلس وزرائها، أو رفضه واللجوء إلى الخروج دون اتفاق، ومن ثَمَّ خسارة النصف الآخر. إذ أشار نائبان برلمانيان مؤيدان لبريكست إلى أنَّه إذا سعت ماي إلى تطبيق مقترح البقاء في الاتحاد الجمركي، فقد يصوتان مع حزب العمال على اقتراحٍ بسحب الثقة من الحكومة لإسقاطها.
لكنَّها ما زالت تواجه قراراً صعباً، ووقتاً يمر، وحزباً متمرداً، وشعباً بريطانياً مذعوراً، واتحاداً أوروبياً متحيراً بوضوح. كل ذلك وهي ما زالت في بداية الأسبوع.
إذاً، ما الخطوة التالية؟
لم يُتَّفَق على جدولٍ زمني. ومن المقرر أن تعقد الحكومة صباح اليوم الثلاثاء 2 أبريل/نيسان اجتماعاً مهماً للغاية، في ظل ما شهدته الأسابيع والأشهر الأخيرة. ويبدو أنَّه يمكننا بعد ذلك توقع تصويتٍ جديد على اقتراح ماي في وقتٍ لاحق من الأسبوع الجاري، وربما المزيد من التصويتات الإرشادية.
هل ذلك يعني تأجيل بريكست فترةً طويلة ومشاركة المملكة المتحدة في انتخابات الاتحاد الأوروبي؟
بالنظر إلى معارضة البرلمان الشديدة للخروج دون اتفاق، يبدو أنَّ ذلك هو الاحتمال الأرجح. إذ ذكر مسؤولون قريبون من مفاوضات بريكست في بروكسل، في وقتٍ سابق من اليوم، أنَّ المملكة المتحدة ما زال بإمكانها الخروج من الاتحاد الأوروبي، بحلول 22 مايو/أيار -وهو الموعد المحدد للخروج في حال قبول مقترح ماي- إذا أمر مجلس العموم مجلس الوزراء بالتفاوض بشأن البقاء في اتحادٍ جمركي، بيد أنَّ مجلس العموم لم يفعل ذلك.