يعتقد خبراء الاقتصاد ورجال المال الآن أن هناك دورة ركود اقتصادي جديدة على الأبواب، في الأغلب عاجلاً وليس آجلاً أي قبل عام 2021، وبدأ الحديث يتزايد بين الخبراء والمحللين ورجال الاقتصاد حول علامات ذلك الركود، بينما يرى البعض الآخر أن تلك العلامات ليست دليلاً مؤكداً على قرب تلك الدورة، ولكن مع بدايات مارس/آذار 2019 أظهرت البورصات مؤشراً فعلياً على بداية حالة من التراجع، وذلك بحسب دراسة نشرها موقع فوكس الأمريكي الجمعة 29 مارس/آذار 2019.
فماذا يعني الركود الاقتصادي؟ وما هي المؤشرات التي تدل على قرب حدوثه؟ وما هي أبرز حالات الركود السابقة تاريخياً؟ والأهم ماذا يعني ذلك بالنسبة لنا كعرب وشرق أوسطيين؟
ماذا يعني الركود الاقتصادي؟
يعرفه بعض الخبراء على أنه مرور الناتج القومي لبلد بحالة تراجع لمدة ستة أشهر متتالية، أما المكتب القومي الأمريكي للأبحاث الاقتصادية فيعرف الركود بأنه "تراجع كبير في معظم الأنشطة الاقتصادية وهذا ينعكس بشكل طبيعي على الناتج القومي والدخل الفعلي للأفراد والبطالة والانتاج الصناعي ومبيعات الجملة والتجزئة".
فلو أسقطنا هذه التعريفات على حياتنا اليومية سنجد أن ذلك ينعكس في جمل تتردد مثل "السوق نائم"، "لا أحد يبيع ولا يشتري"، "المحلات فارغة من زبائنها"، "الأسعار ترتفع بشكل جنوني لا يتناسب مع نسب الزيادة في الدخل إن حدثت"، والجملة الأخيرة تحديداً تعني بمصطلحات الاقتصاد "زيادة التضخم".
ما هي المؤشرات على أن هناك ركوداً قادماً؟
كما هي الحالات السابقة من الركود، الأمر يبدأ دائماً من الاقتصاد الأمريكي حيث أنه الأكبر في العالم والأكثر تأثيراً، وبحسب خبراء الاقتصاد هناك يعد المؤشر الأبرز على قرب حدوث الحلقة القادمة من الركود هو "التحول في أسعار الفائدة".
بيتسي ستيفنسون، المستشار الاقتصادي للرئيس السابق باراك أوباما يقول في هذا النقطة لفوكس: "حالات الركود الاقتصادي لا تحدث من تلقاء نفسها ولكن لابد أن يحدث شيء يخرج قطار الاقتصاد عن القضبان".
وفي هذا السياق نستخلص من الحديث المتطاير عدة أسباب أو مؤثرات متداخلة يبني عليها خبراء الاقتصاد توقعاتهم بقرب وقوع الركود خلال العامين القادمين على الأكثر. رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول أخبر فوكس أنه لا يتوقع حدوث ركود في 2019، لكنه قلق من تباطؤ النمو العالمي في أماكن مثل أوروبا والصين.
خلافات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التجارية تمثل مخاطرة أخرى على الوضع الاقتصادي وتعد أحد الأسباب، إضافة إلى أن البنك الفيدرالي ربما يصبح أكثر عدوانية في رفعه لمعدلات الفائدة مما يضر الاقتصاد بصورة غير مقصودة.
انقلاب منحنى الفائدة
لكن المؤشر الأبرز الذي رصده الخبراء على قرب وقوع الركود مرتبط بما يعرف "بمنحنى الفائدة"، وهو مصطلح اقتصادي يشير إلى العلاقة بين أسعار الفائدة على القروض طويلة الأجل والقروض قصيرة الأجل، والطبيعي في الظروف الاقتصادية المستقرة أن تكون القروض طويلة الأجل فائدتها أعلى من قصيرة الأجل، حيث أن المخاطرة أعلى في القروض طويلة الأجل. أما عندما ترتفع الفائدة على القروض قصيرة الأجل عن تلك المرتبطة بطويلة الأجل يصبح "منحنى الفائدة" مقلوباً وهذا دائماً مؤشر اقتصادي سيئ. وكانت كل دورة ركود اقتصادي في الولايات المتحدة على مدى الستين عاماً الماضية مسبوقة "بمنحنى فائدة مقلوب".
وقد انقلب "منحنى الفائدة" الأسبوع الماضي في الولايات المتحدة، مما سبب قلقاً في الأوساط المالية والاقتصادية، ورغم أن هذا لا يعني أن الركود أصبح وشيكاً ولكنه ليس مؤشراً جيداً بالقطع.
ما هي أبرز حالات الركود الاقتصادي؟
هناك 5 حالات مرصودة يعتبرها خبراء الاقتصاد الأسوأ من حيث تأثيراتها الكارثية التي طالت حياة الملايين حول العالم.
كارثة ركود عام 1772
أول حالة ركود اقتصادي مرصودة في التاريخ هي ما يعرف بكارثة الائتمان عام 1772، وكانت بدايتها في بريطانيا وانتقل تأثيرها لأوروبا. يوم 6 يونيو/حزيران 1772، هرب أليكساندر فورديس أحد أشهر المساهمين في أكبر بنك في بريطانيا وقتها إلى فرنسا بعد أن تراكمت عليه الديون ومع انتشار الخبر عم الذعر واصطف المودعين أمام البنوك البريطانية لسحب أموالهم وانتقل المشهد نفسه إلى إسكتلندا وهولندا وباقي أوروبا وانتقل إلى المستعمرات البريطانية في أمريكا الشمالية.
ويعتقد المؤرخون أن الآثار الاقتصادية المترتبة على الكارثة هي التي أدت لقيام الثورة الأمريكية ومن ثم الاستقلال.
الكساد الكبير 1929-1939
كانت تلك الفترة هي أسوأ حالة كساد اقتصادي يشهدها العالم في القرن العشرين وأطولها وكانت شرارتها مع انهيار سوق الأسهم في وول ستريت بالولايات المتحدة، وفاقمتها القرارات الضعيفة والخاطئة للإدارة الأمريكية وقتها.
استمر الكساد عشر سنوات ونتج عنه فقدان أعداد هائلة لمدخراتها ووظائفها ووصلت البطالة لمستويات قياسية بلغت 25% في أمريكا وحدها عام 1933.
صدمة أسعار النفط عام 1973
وقعت تلك الدورة من الكساد الاقتصادي في العالم الغربي عندما قامت الدول العربية المسيطرة على منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) بمنع تصدير البترول للولايات المتحدة وأوروبا بسبب دعم إسرائيل في حربها ضد الدول العربية بقيادة مصر، مما أدى لحالة كبيرة من التضخم الفوري مع تضاعف أسعار السلع الأساسية بشكل فوري بسبب ارتفاع أسعار الطاقة بصورة مفاجئة كما حدثت حالة من الركود الاقتصادي وتعرف تلك الفترة "بالتضخم الراكد"!
الأزمة الآسيوية 1997
هذه الأزمة تعرف بأزمة النمور الاقتصادية في إشارة لاقتصاديات تايلاند وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية، حيث حققت تلك الدول نمواً اقتصادياً ضخماً في زمن قياسي شجع المستثمرين على ضخ أموال هائلة وفجأة أعلنت تايلاند في يوليو/تموز 1997، عن تحرير سعر صرف الدولار مقابل العملة المحلية بعد أن كان ثابتاً بتدخل الحكومة لفترات طويلة مما أدى لحالة من الذعر جعلت المستثمرين يريدون سحب أموالهم خوفاً من إفلاس تلك الدول. تأثير الأزمة انسحب على الاقتصاد العالمي وتدخل صندوق النقد الدولي للإنقاذ.
الأزمة المالية العالمية 2007-2008
تلك كانت آخر دورة من دورات الركود وبدأت في الولايات المتحدة أواخر 2006 مع تفجر فقاعة التمويل العقاري مما أدى لما بات يعرف بالكساد الكبير وهو الأسوأ منذ الركود الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، وراح ضحيتها بنك ليمان براذرز الذي كان واحداً من أكبر البنوك الاستثمارية في العالم، وخسر ملايين الناس وظائفهم في الولايات المتحدة وأوروبا والمنطقة العربية وباقي أنحاء العالم، واستغرق الأمر ما يقرب من عقد من الزمان حتى تعود الأمور إلى طبيعتها!
ما العمل إذن؟
السؤال البديهي الذي سيطرحه الجميع هو ماذا يجب عليهم أن يفعلوه لحماية أنفسهم من آثار الركود القادم؟
والإجابة في الواقع أن حالات الركود صعب جداً التنبؤ بتوقيت وقوعها بدقة وبالتالي لا يوجد تقريباً ما يمكن أن يفعله الشخص العادي كي يحمي نفسه وعائلته من آثار حالات الركود، اللهم إلا تطبيق المثل "القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود" أي ادخار بعض المال مهما كان قليلاً، وهي على العموم نصيحة جيدة سواء كان هناك ركود أو لا، وإن كان واقعنا في معظم الدول العربية بالنسبة للغالبية من السكان يعاني أصلاً كي يوفر أساسيات الحياة بشكل يومي، فتبدو فكرة "الادخار" في حد ذاتها ترفاً!
وليس أدل على ذلك من أنه بالنسبة لـ40% من الشعب الأمريكي مسألة الادخار أصلاً تعد ترفاً لا يمتلكونه، فبحسب دراسة نشرها موقع بانكريت للتمويل الشخصي، تلك النسبة من الأمريكان يواجهون معضلة حقيقية إذا ما واجهوا ظرفاً طارئاً يستدعي وجود ألف دولار لم تكن في الحسبان. إذا كان هذا هو الوضع في الدولة الأغنى في العالم، فكيف الحال بغالبيتنا في المنطقة العربية؟!