في المنطقة المحرمة الخالية من السكان بين الحدود العراقية والسورية، هناك نقطتان الأولى مصير أطفال داعش والثانية التقاء للعائلات العراقية المحررة من الدولة الإسلامية (تنظيم داعش)، حيث يعمل المهربون على لم شمل النساء الناجيات من تنظيم داعش مع أفراد أسرهن الذين دفعوا عشرات الآلاف من الدولارات لإعادتهم إلى منازلهن.
في تلك الأثناء، عرض زوج وأب من الأقلية اليزيدية التي دمرتها الحرب في العراق بفخرمشهد تصف تفاصيله الـ Daily beast يظهر لم شمله مع زوجته وأطفاله عند هذا المعبر.
مشهد اللقاء المؤلم بين أب وطفله وطفل ليس له
في أحد المشاهد، يلف هذا الرجل الذي أطلقت عليه الكاتبة كيمبرلي دوزييه اسم "حزين" ذراعيه حول ابنه الأصغر ويتدحرج به على تراب الطريق الصحراوي ويبكي بصوت عالٍ من شدة الفرح.
في المشهد نفسه، احتضن "حزين" زوجته، لكن عملية لم شملهم كانت أكثر تعقيداً. عادت زوجته من الأسر مصطحبةً طفلاً إضافياً معها، وهو من نسل محتجزها من أعضاء تنظيم داعش.
قال زوجها اليزيدي إنها قررت تركه في دار للأيتام في الموصل لأنها كانت تعلم أن زوجها لن يرحب بطفل مولود من نسل داعش.
الطفل الثاني هو من سجّان زوجته
قال "حزين" إن زوجته غيرت رأيها فيما بعد، وتركته هو وأطفاله لتعود إلى "طفل داعش".
قالت إحدى صديقاتها إنها بعد وقت قصير من إطلاق سراحها من أَسر داعش، اكتشفت المرأة اليزيدية أنها حامل بطفل ثانٍ من داعش، وكانت تخشى ألا يسمح لها زوجها اليزيدي بالاحتفاظ به.
لذا اقترضت المال وأخذت سيارة أجرة من قريتها الشمالية إلى الموصل للانضمام إلى زوجها الداعشي وطفلها الآخر.
واتجهت لهذا المكان بالتحديد لأنه المكان الذي عاد إليه زوجها الداعشي ليختبئ فيه بين السكان العراقيين مثله مثل عشرات الآلاف من مقاتلي داعش السابقين الآخرين.
هربت لتعيش مع زوجها الداعشي
وقالت إحدى صديقاتها إنها ظلت على اتصال بها عن طريق الهاتف لفترة من الوقت، لكنها الآن لا ترد على أي اتصال.
وتقول صديقة أخرى إن زوجها اليزيدي، حزين، أخبر الجميع في مجتمعهم المتدين المتماسك بإحكام أنه إذا تجرأت على العودة، فسوف يقتلها.
قال حزين بإصرار إنه يريدها فقط أن تعود إلى المنزل للمساعدة في تربية أطفالها، لكنه قال أيضاً إنه لن يربي أي طفل آخر أنجبته غير أطفاله.
وهنا كانت الفضيحة الكبرى
الفضيحة هي حديث المجتمع اليزيدي هنا في هذه العاصمة الإقليمية، وتظل دائرة في المحادثات دون أية مقدمات.
"لقد تركت أطفالها من أجل طفل من داعش"، هكذا علق رجل يزيدي آخر سمع القصة وهو يحرك يميناً ويساراً في إعراب عن أسفه لأنها تركت أطفالها للرجل الذي استعبدهم لسنوات، مما جعل أطفالها الأيزيديين ضحية مرتين.
جدير بالذكر أن قرابة 7 آلاف يزيدي قُتلوا أو اخُتطفوا على يد تنظيم داعش، فيما وصفه اليزيديون بـ"الإبادة الجماعية رقم 73″ ضد مجتمعهم.
ولا يزال أكثر من 3 آلاف شخص في عداد المفقودين، على الرغم من سقوط الخلافة الإقليمية لتنظيم داعش، وأنشأت الحكومة الكردية صندوقاً بقيمة 10 ملايين دولار لدفع الفدية لاستعادتهم.
ويوجد حوالي 1200 امرأة من بين نحو 3400 يزيدي جرى إنقاذهم، وفقاً لمكتب إنقاذ الرهائن التابع للحكومة الكردية في دهوك.
لكن لا أحد يتتبع عدد النساء العائدات بأطفال صغار.
لذلك صدر إعفاء لجميع الرجال والنساء والأطفال من المسؤولية
رحب الزعماء الدينيون اليزيديون بعودة النساء إلى منازلهن واحتضنوهن وأعفوهن من المسؤولية عن كل ما تعرضن له، وذلك بفضل المرسوم الديني الصادر في عام 2014، والذي ينص على إعفاء جميع الرجال والنساء والأطفال من المسؤولية عما تعرضوا له على يد تنظيم داعش أو أي جماعة إرهابية أجبرتهم على ذلك.
لكن ليس هناك مرسوم مثل هذا لإعفاء ذرية داعش من تلك المسؤولية.
وهذا يترك مئات النساء في حيرة رهيبة بين: التخلي عن أطفالهن في إحدى دور الأيتام المزدحمة بالعراق والعودة إلى المنزل، أو البقاء معهم وفقدان أسرهن اليزيدية ودينهن إلى الأبد.
يقول أحد الباحثين في مجال حقوق الإنسان إن هناك القليل من الجهود التي تبذلها حكومة بغداد لاحتجاز بعض الأطفال تحت وصايتها بينما تنتظر أمهاتهم الموافقة على طلبات لجوئهم في الخارج، حتى يمكن لم شملهم في كندا أو ألمانيا أو أستراليا. لكن المسؤولين العراقيين لم يؤكدوا وجود مثل هذا النظام.
كما تقول بعض الناجيات اليزيديات إن قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة تأخذ بعض الأطفال من أمهاتهم قبل السماح لهن بالعودة إلى العراق.
وقالت إحدى مستشارات قوات سوريا الديمقراطية إنهم يحاولون رعاية هؤلاء الأطفال الذين هجرتهم أمهاتهم لأن "المخيمات في كردستان العراق لن تكون آمنة للأطفال".
لكن تلك المستشارة لم تستطع تحديد عدد الأطفال أو مكان سكنهم.
ولكنهم لا يزالون يخشون أطفال داعش
تقول طبيSet featured imageبة النساء والتوليد اليزيدية، نغم نوزات حسن، التي عالجت بنفسها آلاف النساء اللائي نجين من تنظيم داعش، إن معظم النساء يتخلين عن الأطفال ببساطة، مضيفة: "يعتقدن أن الأطفال ليسوا يزيديين وسوف يدمرون مستقبلهم. يعتقدن أنهم (الأطفال) لن يجرى قبولهم في مجتمعاتهن".
وقال الناطق باسم الإيزيديين لقمان سليمان محمود، إن اعتناق المذهب الأيزيدي يكون فقط من خلال الميلاد، وليس بالتحول من مذهب آخر، ويكتسب من خلال الأب.
أوضح لقمان أن الأيزيديين منقسمون إلى ثلاث فئات: فئة الكهنة وفئة الأمراء وفئة العباد العاديين.
ولا يمكن لتلك الفئات أن تتزاوج فيما بينها.
وقال إنه لا يوجد أمل في السماح للأطفال من آباء غير أيزيديين بالانضمام إليهم.
من ناحية أخرى، لا يساعد الدستور العراقي في ذلك الأمر.
فدين هذا الطفل ليس يزيدياً
وتنص المادة 26 منه على أنه يجب تسجيل الطفل المولود لأب مسلم، أو أب مجهول، باعتباره مسلماً، وهذا التسجيل يغير تلقائياً دين الأم إلى الإسلام.
ويقول أيمن مصطفى، القاضي الذي يرأس اللجنة العليا الكردية للاعتراف بالإبادة الجماعية المكلفة بجمع الأدلة ضد تنظيم داعش لمقاضاة مرتكبي جرائم الحرب: "إذا تعرضت الفتاة أو المرأة للاغتصاب وأنجبت طفلاً، فإن الطفل سيحصل على دين الأب، وليس الأم".
وقال سعد سلوم، الباحث العراقي الذي أسس مؤسسة "مسارات" غير الحكومية التي ركزت على الأقليات العراقية "إنها إبادة جماعية أخرى بموجب الدستور".
قال الرجلان إن البرلمان العراقي في بغداد هو الوحيد الذي يمكنه تغيير ذلك، لأن النظام القضائي العراقي يسمح للقضاة بسن القوانين ولكن ليس بتغييرها أو تعديلها.
ويضغط كبار القادة الأيزيديين على البرلمان العراقي للعمل للسماح للناجيات بتسجيل الأطفال باسمهن ودينهن، وفقاً لهادي بابا شيخ ممثل الطائفة الأيزيدية، وابن "بابا شيخ" مرجع الطائفة.
لذلك تتخلى الكثيرات عن أطفالهن
هذا إذا كانت الناجيات تردن الاحتفاظ بالأطفال، لكن الكثيرات لا يفعلن ذلك.
وقال، في إشارة إلى محادثة مع امرأة كان قد جرى احتجازها كأسيرة: "إنه أمر صعب للغاية بالنسبة لنا عندما تكون هناك عائلة قتل فيها 20 أو 30 شخصاً على يد أفراد تنظيم داعش، وأنجبت إحدى فتياتهم طفلاً من داعش".
وكان بابا شيخ يحاول إقناعها بتسليم طفلها إليه لتربيته.
قالت له: "والد هذا الطفل أطلق النار على والدي أمامي، وطفلي لا ينتمي إلي. إنه طفل لمسلح داعشي ويجب وضعه في مفرمة اللحم".
وهناك من تتخلى عن دينها وعشيرتها من أجل الطفل
في مقابل هذا الغضب والألم، هناك في الطرف الآخر نساء يخاطرن بفقدان دينهن وعشيرتهن لحماية ذرية مقاتلي داعش.
وقالت شيري طالباني من منظمة SEED الكردية غير الحكومية التي تدعم التنمية الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية: "لقد رأينا نساءً يمكن أن يهربن لأنهن لا يستطعن اصطحاب أطفالهن معهن".
بينما قد يفقد داعش "الخلافة" الرسمية في سوريا، لا تزال عائلات داعش تعيش في كل من سوريا والعراق، وتختار بعض النساء البقاء مع خاطفيهن.
في بعض الأحيان، لا يُسمح للنساء أو الفتيات اللائي فررن من تنظيم داعش بالاحتفاظ بأطفالهن، مثل فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً أنجبت بعد عودتها من الأسر.
وقالت شيري متحدثة عن الفتاة التي حاولت مساعدتها: "لقد أخذت عائلتها طفلها بعيداً عنها. وسافرت الفتاة البالغة من العمر 15 عاماً إلى كندا".
غالباً ما يجري قبول النساء الناجيات من داعش بسهولة أكبر كطالبات لجوء، وكانت عائلتها تعتقد أن كندا لن تقبل الفتاة وعائلتها إذا كانت قد أنجبت طفلاً من مسلحي داعش.
وفي حين قال مسؤولون أيزيديون مثل بابا شيخ إن هناك العشرات فقط من النساء اللاتي لديهن أطفال من عناصر داعش، قدرت شيري العدد بالمئات.
ومنهن من تلجأ لقصص خيالية للإقناع بأطفالهن
في غضون ذلك، نسجت نساء أخريات، قصصاً خيالية لإقناع مجتمعاتهن بإبقاء أطفالهن. تحدثت إحدى النساء واسمها "أنكا" عن كيفية اختطاف تنظيم داعش لها، لكنها تمكنت من لم شملها مع زوجها الذي انضم إلى تنظيم داعش من أجل أن يكون معها.
وقالت "أنكا" التي تبلغ من العمر 21 عاماً الآن أنها أصبحت حاملاً منه، ثم قُتل في الحرب وبعد ذلك تعرضت للاغتصاب على أيدي العديد من مقاتلي داعش على مدار أشهر، لكنها نجت وأنجبت طفلاً سليماً عمره الآن 3 أعوام.
التواريخ تجعل القصة منطقية تقريباً.
فقد تعرضت أنكا للاختطاف على يد عناصر داعش في 3 أغسطس/آب 2014. وقالت إن زوجها فُقد،
ويُفترض أنه قُتل، في ربيع عام 2015، وقد هربت بعد بضعة أشهر. إذا كان الطفل قد أُنجب في يونيو/حزيران 2015، فإن عمره الآن 3 سنوات بالفعل.
لكن حماتها لم تصدق تلك الرواية، وطلبت منها إجراء اختبار الحمض النووي للطفل، لكن أنكا رفضت.
ورغم ذلك، وافقت حماتها من أجل حفظ ماء الوجه على الشهادة أمام المحكمة بأن أنكا كانت متزوجة من ابنها، وأن الطفل هو ابنه.
وهذا يعني أن أنكا تمكنت من تسجيل طفلها الأيزيدي. وساعد في تسهيل ذلك الأمر أن محامي أنكا دفع الرشوة المناسبة للقاضي الذي بدوره لم يطرح الكثير من الأسئلة.
لم يكن مجتمع أنكا متسامحاً بهذه السهولة. فعندما عادت من أسر داعش في عام 2015، وهي حامل في الطفل، ذهبت إلى موقع لالش المقدس لإجراء طقوس التعميد، لكن النساء الأخريات في طابور التعميد سخرن منها، قائلات إنها تحمل طفلاً داعشياً.
تصرف والدها سريعاً، واصطحب ابنته المريضة لرؤية بابا جاويش، الزعيم الديني الإيزيدي الذي يترأس معبد لالش. أخبرهم البابا أنها قد غُفِر لها، وسمح بتعميدها.
لكن المجتمع لا يزال يرفضها، لذلك فضل الأب ابنته على عشيرته، ونقلهم إلى منزل لم يكتمل بناؤه في مستوطنة صغيرة مكونة من منازل خرسانية من طابق واحد خارج دهوك. وتنتظر الآن أنكا اللجوء السياسي خارج العراق لأنها لا تثق في حماتها أو أي شخص في مجتمعها حول ابنتها.
وقالت أنكا: "لا أعرف ماذا سيفعلون بابنتي، لكن سأضحي بحياتي لحمايتها".
ومن المرجح أن تكبر ابنتها بدون مذهبها الأيزيدي، ومن غير المرجح أن تعود. وتعد أنكا إحدى آلاف الأيزيديات اللائي يطالبن باللجوء خارج العراق بسبب عدم قبول عودة بعضهن إلى منازلهن، لكن معظمهن يخشين من عودة داعش ولا يثقن في الحكومة لحمايتهن.
وقال لقمان سليمان محمود الناطق باسم الأيزيديين إن هذه الهجرة قد تجعل شعبه ينقرض: سنختفي وستكون داعش هي الفائزة".