بدأت الجهود المضنية لتنويع موارد الاقتصاد السعودي المعتمد على النفط في خلق مشكلات جديدة، إذ بدأ السعوديون وشركاتهم يشعرون بألم التحول المشوب بعدم اليقين.
على مدار العامين الماضيين، رفع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أسعار الكهرباء والغاز، وأدخل على السعودية ضرائب جديدة، ودفع العمال الأجانب إلى مغادرة البلاد لإفساح المجال للسعوديين في سوق العمل.
ومع حالة البطء التي أصابت اقتصاد أكبر مصدِّر للنفط في العالم، فإنَّ المقصود من تلك الإجراءات هو إعطاء دفعة لاقتصادها غير المعتمد على النفط وتوفير مصدر دخل جديد لحكومة تعتمد على صادرات النفط لتحقيق 87% من عائداتها.
أقر مسؤولون في الحكومة السعودية أن سياساتهم تحدث متاعب اقتصادية، غير أنّهم قالوا إن هناك سياسات ضرورية لإصلاح الاقتصاد الذي غطت عوائد النفط لزمن طويل على مشكلاته العميقة.
وقال محمد التويجري، وزير الاقتصاد السعودي في مقابلة عُقدت معه: "نحاول إحداث توزان هنا للتأكد من أن السوق السعودية تنمو بشكل مستدام. نحاول التأكد من أننا نطهر الاقتصاد من أسفل إلى أعلى، مع إقامة مناخ استثماري جيد ومرحِّب وطرح فرص استثمارية حقيقية. في هذا الصدد، نطبق إطار عمل قانوني، ونعتمد على أفضل الممارسات العالمية. هذه هي رحلة التحول التي نخوضها".
السعوديون غير راضين عن البرنامج الاقتصادي
غير أنَّ النتيجة بحسب صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، التي تحققت حتى الآن تسبب حالة من الصدمة للقطاعات خارج قطاع النفط، على نحو خلق تحدياً داخلياً لولي العهد الثلاثيني محمد بن سلمان. يحظى الأمير ووالده الملك سلمان بشعبية نسبية منذ مدة، بسبب ما يحدثانه من هزَّة في الثقافة السعودية المغالية في المحافظة، بتغييرات من قبيل السماح بفتح دور للسينما ومنح النساء حق قيادة السيارة والذهاب لمشاهدة مباريات كرة القدم.
ولكنَّ بعض السعوديين عبروا في مقابلات عُقدت معهم عن عدم رضاهم عن البرنامج الاقتصادي.
وقالت أم سعيد، سيدة في الخمسينات من العمر مقيمة في جدة: "كل ما نراه هو زيادات في أسعار الغاز والكهرباء. نحن كمواطنين لا نستفيد أي شيء من أي مما يحدث".
عوائد مخيبة للآمال
على نطاق أوسع، أفادت شركات سعودية خلال الشهر الجاري أنّها حققت عوائد مخيبة للآمال في عام 2018، وألقى بعضها باللائمة على الحكومة.
وقد أدرجت شركة المراعي، عملاق منتجات الألبان المعروفة بأنها مؤشر على أداء قطاع التجزئة في السعودية، في تقريرها السنوي العديد من الإجراءات الإصلاحية التي أعلنها ولي العهد؛ بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة الجديدة بمقدار 5 % وتكاليف الطاقة الأعلى من المعتاد باعتبارها "عوامل مضرة" تسببت في انخفاض أرباحها في عام 2018 مقارنة بما كانت عليه عام 2017.
وقالت شركة فواز عبدالعزيز الحكير وشركاه، وهي ذراع سعودي ضخم في مجال تجارة التجزئة، إنها ستغلق ما يصل إلى 100 متجر في عام 2018 وقالت إن الدخل الصافي للشركة انخفض بنسبة 45% في الربع الأخير من عام 2018، ولم تقدم الشركة تفسيراً للنتائج.
ويعاني الاقتصاد أيضاً من الخروج الجماعي للعمال الأجانب، لاسيما الرجال من الطبقة العاملة من جنوب شرق آسيا والفلبين. استضافت السعودية قبل عامين 7.4 مليون عاملٍ مغترب، غادر منهم أكثر من مليون منذ أدخلت الحكومة رسوماً جديدة على الشركات التي تعينهم، وفرضت رسوماً جديدةَ على إقامات أسرهم.
النتيجة.. انكماش اقتصادي كبير
ومع نقصان عدد الأشخاص الذين ينفقون المال، دخل الاقتصاد في حالة من الانكماش في يناير/كانون الثاني، إذ انخفضت أسعار المستهلك بنسبة 2.2% في فبراير/شباط، عما كانت عليه في الشهر نفسه من العام الماضي. ويعد هذا أكبر انخفاض منذ الكساد الذي حدث عام 2017، وفقاً للبنك المركزي السعودي. وشهدت أسعار العقارات أيضاً انخفاضاً بنسبة 15% في نهاية عام 2018، مقارنة بما كانت عليه في بداية عام 2016، حسب الأرقام الصادرة عن الحكومة السعودية.
وقال روبن ميلز، الرئيس التنفيذي لشركة قمر إنجي للاستشارات، التي تتخذ من دبي مقراً لها وتركز على المملكة العربية السعودية: "على المدى القصير أخذت هذه الإصلاحات المال من الاقتصاد". وأضاف أن "أجندة ولي العهد ستكون مفيدة على المدى الطويل، إذا ما تم تنفيذها بطريقة جيدة"، حسب تعبيره.
تواجه السعودية أيضاً تحديات من الخارج، إذ يواجه الأمير محمد رقابة دولية بسبب قتل الحكومة السعودية الصحفي جمال خاشقجي، وبسبب الحرب التي تشنها في اليمن. كما يعاني الاقتصاد من الانخفاض النسبي في أسعار النفط، وقلق المستثمرين الأجانب من الالتزام مع المملكة.
بلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر 2.4 مليار دولار خلال ثلاثة أرباع من عام 2018، ليرتفع بذلك عن حالة الانخفاض التي شهدها طوال عام 2017 بحجم 1.4 مليار دولار، وهو أقل مستوى تشهده البلاد منذ 14 عاماً. ومع ذلك، فإن حجم الاستثمار الأجنبي هذا يعد أقل بكثير من المستوى الذي عرفته المملكة طوال تاريخها، ومن مستوى الاستثمار الأجنبي خلال عام 2016، الذي بلغ 7.4 مليار دولار طوال العام.
وقال الوزير التويجري إنه يتوقع أن يوفق حجم الاستثمار الأجنبي المتوسط التاريخي للمملكة بمجرد استكمال تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي.
عمل مسؤولو النفط السعوديون مع منظمة أوبك، للحد من إنتاج النفط، على نحو ساعد في زيادة الأسعار بنسبة 31% العام الماضي، لتصل في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي إلى 67 دولاراً للبرميل. ورغم هذا الارتفاع، لا يزال هذا السعر أقل بكثير من أن يُحدث توازناً في الموازنة السعودية، التي تحتاج إلى أن يصل السعر إلى 80 دولاراً فأكثر للبرميل، حسب قول معظم الاقتصاديين.
معدلات البطالة في أوساط السعوديين 25%
وبسبب ركود أسعار النفط وتدني مبيعاته، بات منظور النمو للاقتصاد السعودي معيباً، وفقاً لشركة Capital Economics البحثية ومقرها لندن. وقد خفضت الشركة مؤخراً توقعات نمو الاقتصاد السعودي لعام 2019 إلى أعلى من 1% بقليل.
كما قلَّل صندوق النقد الدولي أيضاً منظوره لنمو الاقتصاد السعودي للعام الجاري إلى 1.8%، بعد أن كان 2.3% لعام 2018. ومن المتوقع أن يشهد النمو في القطاع غير النفطي نمواً بنسبة 2.1% خلال العام الجاري، بعد أن كان 2.2% عام 2018، وذلك أيضاً وفقاً لما يقوله صندوق النقد الدولي.
تتمتع السعودية بوجود نسبة من السكان الشباب من بين الأعلى في مجموعة الدول العشرين، إذ تفوق نسبة الشباب ممن هم أقل من 30 عاماً 60% من سكان المملكة. غير أن العديد من هؤلاء الشباب عاطلون عن العمل. ويشكل العمال الأجانب الذين يتقاضون رواتب متدنية الجزء الأكبر من قوة العمل في القطاع غير النفطي، وبلغت المعدلات الرسمية للبطالة في أوساط السعوديين 25%. يشكل قطاع النفط 42% من إجمالي الناتج المحلي، وحوالي 90% من عوائد التصدير للبلاد.
قال المسؤولون السعوديون إن السياسات المتبعة تهدف إلى التعامل مع هذا الخلل في التوازن. أعدت الحكومة قوانين جديدة لمساعدة الشركات، بما في ذلك على سبيل المثال قوانين تسمح بإعلان الإفلاس على الطريقة الغربية، مع استهداف الأسواق السوداء، بالإضافة إلى إدخال الرسوم والضرائب.
وقال الوزير التويجري إنَّ الحكومة تعمل على دعم القطاع الخاص والشعب بحزمة تحفيز في موازنة عام 2019، ودفع مبالغ مباشرة للمواطنين للتعويض عن زيادات فواتير المرافق والغاز.
الالتزام بالإصلاح على المدى الطويل
تقول رزان ناصر، الاقتصادية لدى HSBC، إن موازنة عام 2019 تتضمن معدل إنفاق قياسي، مع استمرار قيادة الدولة وليس القطاع الخاص لمعظم الاستثمارات، بالإضافة إلى زيادة اعتماد النمو الاقتصادي في السعودية على عائدات النفط.
وتقول ناصر إن التحدي الذي يواجه الحكومة السعودية يتمثل في الالتزام بالإصلاح على المدى الطويل، مع مواكبة المشكلات التي تظهر على المدى القصير مثل انخفاض عدد الوظائف.
وقالت: "حتى الآن، نشهد أداءً مختلطاً للمسؤولين السعوديين"، مشيرة إلى إدخال ضرائب جديدة ورفع الدعم، في حين ارتفع الإنفاق العام بمعدل أسرع من ارتفاع عوائد النفط.
قلبت الضرائب الجديدة ورفع الدعم حياة العديد من السعوديين، الذين يعتمدون حتى الآن على الدعم في العديد من الخدمات والسلع الأساسية. تراجع إنفاق المستهلكين السعوديين في عام 2018، مع ارتفاع ودائع الادخار السعودية إلى مستوى قياسي، حسبما نشر البنك المركزي السعودي.
وقال أبو أحمد، صاحب محل للبهارات والمكسرات في سوق في الرياض: "التجارة لم تعد كما كانت من قبل، لا شك في ذلك. لقد أصبح الناس ينفقون بحذر أكبر. قبل ذلك، كان الناس يعبئون جيوبهم ويذهبون للتسوق دون تفكير، أما اليوم، فقد أصبح الأمر مختلفاً".