يواصل الأمير محمد بن سلمان حملة "مكافحة الكسب غير المشروع" التي أطلقها منذ تعيينه ولياً للعهد، فعلى الرغم من التوافقات التي وقعها مع مجموعة من رجال الأعمال من وزراء وأفراد العائلة المالكة، فإن ولي العهد السعودي لا يزال يطمح فيما هو أكثر.
وفي مقال نشره موقع Haaretz الإسرائيلي وبدأه بعبارة "يبدو أن ولي العهد محمد بن سلمان لن يكتفي بما حققه"؛ يوضح أنه في بادئ الأمر أبرم اتفاقياتٍ مع عشرات من أغنى رجال المملكة -من بينهم وزراء وأفراد من العائلة المالكة- أُلقي القبض عليهم، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، حتى وافقوا على اقتطاع أجزاء ضخمة من ثرواتهم، وكان هذا الاتفاق هو تذكرة خروجهم من محبسهم في فندق ريتز كارلتون الرياض.
وأضاف المقال أن بن سلمان يطارد الآن بن لادن، بالطبع ليس بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة الذي قُتل على أيدي القوات الخاصة التابعة للبحرية الأميركية في عام 2011، ولكن شركة "مجموعة بن لادن السعودية" العائلية الضخمة للإنشاءات.
الدولة تستحوذ على إدارة الشركة
وحسب الموقع فقد كشفت وكالة رويترز للأنباء الستار عن القصة في الأسبوع الماضي، إذ ذكرت أنَّ المملكة العربية السعودية استحوذت على مقاليد إدارة الشركة من أفراد عائلة بن لادن، الذين "أزيحوا في حملة مكافحة الكسب غير المشروع". وكان أسامة بن لادن أحد أفراد هذه العائلة، لكنَّ الشركة قطعت علاقتها به.
وأضاف المقال أنَّ مجموعة بن لادن -التي تأسست في عام 1931- وظَّفت في عز مجدها أكثر من 100 ألف شخصٍ في 537 شركة. وبدأ استحواذ بن سلمان على الشركة، في يناير/كانون الثاني، عندما أجبرها على تغيير مديري مجلس الإدارة، ووضع في المجلس رجلين مُقرَّبين منه.
وأشار الموقع الإسرائيلي إلى أنه من المنتظر أن تُسلِّم الشركة 35% من أسهمها المالية للدولة، مما يُفقدها كينونتها كشركة مملوكة للعائلة، ومطروحة للتداول العام. وستكون الشركة تحت الإدارة غير المباشرة لابن سلمان.
وتوقع كاتب المقال أن تُسرِّح مجموعة بن لادن الآلاف من العاملين، وتبيع بعض شركاتها، وتشارك في بعض مشروعات البنية التحتية ومشروعاتٍ لمصلحة الحكومة، مثل مدينة نيوم التي ستقام على الحدود بين السعودية ومصر والأردن.
رافعة بن لادن تقتل 107 أشخاص في الحج
وتعرضت الشركة لانتقادات لاذعة في عام 2015، عندما انهارت رافعة كانت تعمل بالقرب من المسجد الحرام في مكة، وتسبَّبت في قتل 107 أشخاص. أُزيحت مجموعة بن لادن من المشروعات الحكومية.
وهو ما جعلها تتأخر في دفع رواتب العمال، وصارت عاجزةً عن سداد ديونها في مواعيدها. وبعد اعتقال أبرز مسؤولي الشركة والتهديد بالسيطرة عليها، لم يتبق أمامها الكثير من الخيارات.
ويضيف المقال أن مجموعة بن لادن ليست الشركة الضخمة الوحيدة التي وقعت تحت سيطرة السلطات السعودية. وقال إن "بن سلمان يده أيضاً على ممتلكات وليد الإبراهيم، مدير مجموعة قنوات إم بي سي الإقليمية. إذ أُجبِر الإبراهيم على تسليم غالبية أسهم شركته مقابل حريته. وسمحت له الحكومة السعودية في الأسبوع الجاري بالسفر إلى إمارة دبي حيث تقع شركته".
وتوصلت الحكومة لاتفاق مشابه مع الملياردير الوليد بن طلال، ولكنَّ قيمته أكبر بكثير على الأرجح.
الهدف هو "اقتلاع جذور الفساد"
وتقول الحكومة إن الهدف من وراء السيطرة على أصول هذه الشركات هو اقتلاع جذور الفساد، الذي مكَّن هؤلاء المُلَّاك من تضخيم ثرواتهم. ولكنَّ استهداف شركاتٍ تتمتع بعلاقاتٍ وثيقة مع العائلة المالكة نفسها منذ أجيالٍ يتطلب شجاعةً كبيرة.
ولا يمتلك بن سلمان أية ضمانات على أنَّ هؤلاء الرجال فاحشي الثراء سينصاعون لـ"تسوياته"، بدلاً من اللجوء إلى المحاكم السعودية -أو حتى الدولية- لحماية حقوقهم. ولكنَّ الأمير -الذي ترك انطباعاً لدى الولايات المتحدة والعالم الغربي بأنَّه قائدٌ ليبرالي ذو رؤية حديثة- يعرف جيداً كيف يرد على من وصفهم بأنهم نهبوا المملكة، وفقاً للصحيفة الإسرائيلية.
وتوقع البعض أن ما يفعله بن سلمان سيستثير كبار رجال الأعمال وسيقفون ضده، لكنَّ هذه التوقعات لم تتحقق. ومن الواضح أنَّ الرأسماليين أدركوا أنه من الأفضل العمل مع الأمير لكي لا يفقدوا ما تبقى لهم، آملين في الظفر بمشروعات في المستقبل، حتى لو كانت ذات ربح أقل.
هل يواصل الأجانب ضخ استثماراتهم؟
ويُثار سؤالٌ آخر عمَّا إذا كان المستثمرون الأجانب سيواصلون ضخ أموالهم إلى السعودية، حيث يمكن مصادرة أموالهم وتأميمها فجأة إذا أمر الأمير في أي وقت. لكنَّ بعض التقارير الصحفية الاقتصادية السعودية ذكرت أنَّ الاستثمارات الأجنبية في المملكة لم تتوقف، ولا يوجد أية دلائل على تباطؤها.
قد تكون مغريات الاستثمار في السعودية كبيرة في أعين الشركات متعددة الجنسيات إلى الحد الذي يمنعها من إنهاء أعمالها في السعودية. إذ لا توجد شركةٌ واحدة في العالم لا ترغب في المشاركة في حلم محمد بن سلمان "مدينة المستقبل" "نيوم"، حيث من المتوقع أن تبلغ قيمة الاستثمارات بها 500 مليار دولار أميركي، أو الحصول على فرصة لبناء منتجعات على خمسين جزيرة سعودية في البحر الأحمر بتكلفة تقدر بعشرات المليارات.
حتى الحملة التي شنتها الحكومة على ناشطين حقوقيين سعوديين -اعتقل بعضهم هذا الأسبوع بتهمة التعاون من حكومات أجنبية للإضرار بالمملكة- لم تثر الرعب في قلوب الشركات الأجنبية. بل لم نر أي ردة فعل من الدول المتورطة على المزاعم المثارة بأنَّ السفارات هي من كانت تدير هذه النشاطات.
وتتضمن الرؤية السعودية تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط. وصحيحٌ أنَّ هذه ليست بأهدافٍ جديدة، لكنَّها كانت تخضع لإعادة صياغة على يد كل عائلة حاكمة على مرِّ عقود. ولكن هذه المرة يبدو أن هناك فرصةً على الأقل لتحويل هذه الرؤية إلى خطة استراتيجية تحت إشراف مباشر من قائد المملكة.
ولا تقتصر الخطة على انتزاع ثروات الأغنياء والسيطرة على شركاتهم، ولكنها تتضمن تشجيع العمالة السعودية على حساب العمالة الأجنبية، وتطوير السياحة خارج نطاق السياحة الدينية، وزيادة نسبة النساء العاملات، وتطوير المقررات الدراسية بالجامعات حتى يتمكن الطلاب من تعلم مهارات ووظائف مرتبطة بسوق العمل.