بعد أقل من ثلاثة أيام، على إصدار البرلمان الدنماركي، يوم الخميس 31 مايو/أيار، قانوناً يحظر ارتداء غطاء الوجه الكامل في الأماكن العامة، وقبله تصريحات وزير الهجرة، بكون المسلمين الصائمين يشكلون خطراً على المجتمع، تدرس الدنمارك خطوة جديدة تتمثل في حظر ختان الذكور.
وحسب صحيفة The New York Times الأميركية، فإنه لدى الدنمارك تاريخٌ حافل في اتخاذ خطواتٍ جريئةٍ في قضايا مثل الحقوق الجنسانية، ومساعدات التنمية، والطاقة الخضراء. إلا أنَّ وزراء الحكومة كانوا مترددين تجاه احتمالية مناقشة قضيةٍ عالميةٍ أخرى لم تُناقَش من قبل: حظر ختان الذكور.
وتطرح الفكرة ذاتها أسئلةً مزعجةً بشأن حقوق الإنسان، والحرية الدينية، والاهتمامات العالمية للدنمارك. ورغم هذا، سيضطر البرلمان قريباً لمناقشتها.
عريضة تجمع 50 ألف توقيع لإلغاء الختان
ففي الدنمارك، يُلزَم البرلمان قانوناً بمناقشة أي مقترح يجمع 50 ألف توقيعٍ على الموقع الإلكتروني لتوجيه العرائض الرسمية للبرلمان. ووصل عدد الموقعين على طلبٍ من مواطنين برفع سن الختان إلى 18 عاماً، بهدف حماية "الحقوق الأساسية للأطفال" إلى العدد المطلوب، يوم الجمعة الماضي 1 يونيو/حزيران.
ليس هناك موعدٌ نهائي للبرلمان ليناقش الأمر، ولكن لن يكون هناك أي إجراءات بخصوص الأمر قبل الخريف، عندما يعود البرلمان للانعقاد.
ويقول ناصر خضر، عضو البرلمان والمتحدث باسم حقوق الإنسان والشؤون القانونية عن حزب المحافظين، الذي يُعد شريكاً حديثاً في الائتلاف الحاكم: "سيمنح الأمر حقوق الأطفال أولويةً أكبر من الحقوق الدينية لآبائهم".
وناصر خضر، عضو البرلمان المؤيد لتحديد سن الختان، مسلم الديانة. وقال إنَّه حسم أمره بهذا الشأن في 2004، عندما واجه ضغطاً عائلياً لإجراء عملية الختان لطفله الذي كان حديث الولادة.
وقال: "إنَّه انتهاكٌ لا داعي له. لقد كنتُ سلبياً بشأن هذه القضية، ذلك لأنَّني أعرف أنَّها تمثل تحدياً كبيراً للمجتمع اليهودي هنا، ولم أُرد أن أُزعجهم وأن أجعل حياتهم صعبة".
ويبدو أنَّ أعضاء الحكومة أقل تحمساً للأمر
إذ صرَّح وزير الخارجية الدنماركي أندريس سامويلسون للصحفيين مؤخراً: "سنكون الدولة الأولى والوحيدة في العالم التي تسير في هذا الاتجاه، هذه هي النظرة الموضوعية. ذلك يجعل موقفنا ضعيفاً، وهو ما يعني أنَّ الحلفاء الذين يقفون في صفنا عادةً لن يفعلوا الأمر نفسه في هذا الموقف".
ورجَّح وزير الدفاع كلاوس هيورت فريدريكسن، أن يؤدي الحظر إلى زيادة المخاوف الأمنية، وصرَّح للصحفيين: "أعتقد أنَّ المخاطرة السياسية هائلة"، مضيفاً أنَّه في عصر الأخبار الكاذبة "واللجان الإلكترونية الروسية"، أي اتجاهات لتحديد سن معين ستُفجر الوضع على الشبكات الاجتماعية".
وحظيَ إجراءٌ مشابه بالموافقة في تصويتٍ برلماني مبدئي في أيسلندا، ولكنَّه لم يصبح قانوناً بعد، وقد لا يصبح أبداً.
المسلمون واليهود في الدنمارك خائفون مما قد يلي حظر الختان
ولا يبدو أنَّ المقترح الدنماركي سيحظى بأغلبيةٍ في التصويت البرلماني، إلا أنَّ استطلاع رأيٍ حديث أجرته شركة Megafon لصالح شبكة تلفزيون TV2، أظهر أنَّ 83% من المشاركين يؤيدون حظر ختان الذكور. وروَّع الدعم السياسي للإجراء العديد من اليهود والمسلمين الدنماركيين، فهذه العملية ليست شائعة في الدنمارك، وتتم بشكلٍ خاص لأسبابٍ دينية.
وقال روسنبرغ أسموسن رئيس الطائفة اليهودية في الدنمارك: "لقد كان هذا الربيع عصيباً على المجتمع اليهودي. ينبني المقترح بالأساس على أنَّ اليهود يعتدون على الأطفال". وأضاف أنَّ الحظر سيجعل "الحياة الدينية أمراً صعباً على الجيل التالي من اليهود في الدنمارك".
وقال وسام حسين، وهو إمامٌ بالمركز الإسلامي الدنماركي في كوبنهاغن: "بعض الشعائر ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالهوية والانتماء، والختان أحدها". وأضاف معلقاً على طلب الحظر: "إنَّه يُظهر الاستعداد لإخضاع الحريات الدينية للحريات الأخرى. الأمر التالي إذن على قائمة النقاش قد يكون الحق في ارتداء الحجاب، أو في الصلاة، أو في قراءة الإنجيل، أو في الذهاب إلى الكنيسة أيام الأحد".
كان تحديد سن الختان لفترةٍ طويلة قضيةٍ تتأجج على الساحة السياسية في الدنمارك، إلا أنَّه لم يحظ بدعم أي حزبٍ من الأحزاب الكبيرة. وجاء الضغط بدلاً من ذلك من مجموعاتٍ مثل Intact، التي بدأت نشر العريضة.
ومن أصل تسعة أحزابٍ سياسية في البرلمان، اتخذ ثلاثةٌ منهم -بما في ذلك الحزبان المشاركان في الائتلاف الحاكم- خطوةً نادرةً بترك الفرصة للمشرِّعين لاختيار موقفهم بشأن المقترح باستقلالية. وسيؤيد حزبان تحديد السن، بينما سيصوت أربعة أحزاب ضد ذلك.
منظمة الصحة العالمية تقول إن الختان يقلل خطر الإصابة بالإيدز
ويعارض عددٌ من المنظمات الدنماركية العاملة في مجال الصحة أو حقوق الأطفال الختان لأسبابٍ أخلاقيةٍ، ولكنَّها لم تجد سبباً لتأييد الحظر التام. وفي الواقع هناك دليلٌ يشير في الاتجاه الآخر؛ فقد وجدت منظمة الصحة العالمية أنَّ الختان يقلل خطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) بنسبة 60% لدى الذكور الذين يميلون إلى الجنس الآخر.
ويتوقع خبراء أنَّ 38% من الرجال حول العالم قد أُجريت لهم عملية الختان، ونصف هذه النسبة لأسبابٍ دينية.
تعد الدنمارك دولةً تتزايد فيها العلمانية بشكلٍ مطَّرد، فقد بلغت نسبة من أعلنوا أنفسهم ملحدين 48% العام الماضي، مقارنةً بنسبة 31% عام 2011. ولكنَّ الدين بشكلٍ عام والإسلام بشكلٍ خاص كثيراً ما يكون مصدراً للجدال العام.
قوانين تستهدف المسلمين بالدرجة الأولى
ومرَّر البرلمان، يوم الخميس 31 مايو/أيار، قانوناً يحظر ارتداء غطاء الوجه الكامل في الأماكن العامة، وهو ما يُعتبر موجهاً ضد الحجاب الإسلامي. وأثار وزير الهجرة جدلاً مؤخراً، بتصريحه بأنَّ المسلمين الصائمين يشكلون خطراً على المجتمع.
وشكك البعض في الممارسات المسيحية كذلك، حين اعترض بعض الكهنة على خدمات الإجهاض المجانية، أو رفضوا عقد زيجاتٍ كان فيها أحد الطرفين متزوجاً في الماضي، ثم انفصل عن زوجه.
والسفارة الأميركية تعرب عن قلقها
إذ عبرت عن قلقها من المقترح المعارض للختان "من جانب الحرية الدينية"، وفقاً لبيانٍ أعلنه سكرتيرها الأول ومسؤول الشؤون العامة بالسفارة دانييل إيرنست لصحيفة Politiken اليومية. وكتب فيه: "بينما لا يمكن للولايات المتحدة أن تُملي على الحكومة الدنماركية مدى قانونية ختان الذكور، فإنَّها قد أوضحت موقفها".
ويرى نيما زماني، وهو مذيع راديو وُلِد في الدنمارك لوالدين إيرانيين لاجئين، أنَّ مسألة الختان مسألةٌ شخصية. وقال إنَّه قد أجريت له عملية الختان عندما كان طفلاً، لأنَّ والديه كانا يتوقعان العودة إلى إيران، وهو ما لم يحدث، إذ يُعد عدم الختان أمراً مشيناً هناك.
وقال: "لم تكن هناك طريقةٌ لإخفاء الأمر إذا لم أكن قد خُتنت". وبقيت العائلة في الدنمارك، واختلف زماني مع القرار الذي اتخذه والداه بشأنه. وأضاف: "في الدول الديمقراطية تتوفر حرية الدين، ولكن هناك أيضاً حرية تحمي من الإجبار على الدين". وكان يفضِّل أن يُقيَّد الأمر تدريجياً على مر السنين، حتى يكون بإمكان المجموعات الدينية التفكير والتكيف.
واعتبر أن: "في العديد من البلدان يُضحّون بالحيوانات لإرضاء الله، ولكنَّنا لا نفعل ذلك لأنَّنا مستنيرون وأكثر تطوراً، ويجب أيضاً أن نكون رؤوفين بالحيوانات".
ولكنَّ حسين، الإمام بالمركز الإسلامي، يرى أنَّ التركيز على ختان الرُّضَّع لا معنى له، في ظل استمرار ذلك منذ آلاف السنين، ووجود بعض الشكاوى القليلة من الرجال المختونين. وإلى جانب ذلك، جادل بأنَّ الوالدين يقرران كل شيءٍ آخر في حياة الطفل: "ما مقدار الحرية التي يحظى بها أيُّ طفلٍ من الأساس؟".