"أجد نفسي حزيناً وحيداً أبحث في الطرقات عن الدرب.. أنا مشرّد في العالم، والدرب دربي أنا، أنا غجري وبشرتي سمراء وأسناني ذهبيّة، أنا المشرد في هذا العالم".
إنه مقطع من أغنية El Camino لفرقة جيبسي كينغ العالمية، وهي واحدة من أكثر الأغاني التي تمكّنت من وصف واقع الغجريين الحقيقي الذين يعتبرون أكثر شعب انتشاراً على الأرض، ولا أصل لهم سوى عاداتهم وتقاليدهم.
الغجر ليسوا أقلية، أو طائفة، ولا أتباع ديانة منسيّة، بل هم شعب يقال إن هجرتهم الأولى انطلقت من الهند، ثم انشطروا إلى جماعات، فاتخذوا من الترحال مصيراً لهم، وانتشروا في كل أصقاع الأرض، مؤمنين أن كل الأرض هي وطنهم.
من هم الغجر؟
هم شعب ذو أطوار غريبة، جعلت منهم مادة دسمة لكثير من الكتاب والأدباء، فغابرييل غارسيا ماركيز خلق شخصية ميلكيادس الغجرية في روايته "مئة عام من العزلة"، كما استلهم منهم فيكتور هوغو بطلَيْ روايته "أحدب نوتردام" كزيمودو وأزميرلدا.
وأيضاً الروائي الجزائري عمارة لخوص في رواية "مزحة العذراء الصغيرة" استلهم قصة اتهام فتاة عمرها 15 عاماً بالاغتصاب، الأمر الذي يسبب استنكار سكان حي سان سلفاريو الشعبي بمدينة تورينو شمالي إيطاليا للفعل، وتهجمهم على الغجر، مما ولد حملة عنصرية.
كما قال عنهم الصحفي والفيلسوف والأديب المصري أنيس منصور في كتابه نحن أولاد الغجر:
"أصابتني لعنة الغجر، إحساسي بهم كان عميقاً بالظلم الواقع عليهم.. هم متهمون بالسرقة في كل بلد وقد اعتادوا على التهمة والعقوبة وانتهزت الشعوب وجود الغجر ووجدت الإجابة عن أسئلة كثيرة.. الغجر يسرقون ولكنهم ليسوا اللص الوحيد في كل دولة.. في أعماق كل فنان غجري مهمل في شعره وملابسه وحذائه وأظافره.. أهرش أي فنان أو مفكر أو عالم أو صوفي يظهر لك الغجري".
ومن منّا ينسى "كاسندرا" المسلسل التلفزيوني الفنزويلي الذي أنتج بين عامي 1992 و1993 ودبلج إلى اللغة العربية، وعرض في العالم العربي وحقَّق نجاحاً مذهلاً.
وقصته تدور حول فتاة غجرية فقيرة، أصبحت ثرية، وهو من أوائل المسلسلات المدبلجة، حيث عرض صيف 1996 على امتداد 150 حلقة وعرف نجاحاً منقطع النظير في العالم.
أصل الغجر
تختلف الآراء بشأن تاريخ هجرة الغجر وأصلهم، إلا أن بعض المؤرخين أوضحوا أن هذا الشعب هاجر من مناطق الهند وإيران وجنوب آسيا في القرن الرابع الميلادي، ووصلوا إلى مناطق المجر وصربيا ودول البلقان الأخرى في أواسط القرن الخامس.
ثم بعد ذلك انتشروا في بولندا وروسيا، وفي القرن السادس عشر الميلادي وصلوا إلى السويد وإنجلترا وفرنسا والبرتغال وفرنسا، وبعض الدول الأمريكية مثل فنزويلا والأرجنتين.
المجموعات الغجرية والتوزيع الجغرافي
ينقسم الغجر إلى مجموعات، أهمها الرّوما والكالو ودومر، وكل مجموعة بدورها تنقسم إلى مجموعات أصغر، ويقدّر العدد الكلي للغجر بحوالي 10 ملايين شخص.
غجر الرّوما
تعداد غجر الرّوما الكلي يبلغ نحو 7,590,000، نصفهم يعيشون في أوروبا الشرقية.
منهم 90.4% مسيحيون، و4.4% مسلمون، و5.1% بلا دين، وينقسمون إلى عدة مجموعات أهمها:
الفلاكس: تعدادهم 2,015,000، وهم منتشرون في أنحاء العالم بشكل واسع، يتركزون في رومانيا والبرازيل والبوسنة والهرسك والولايات المتحدة الأمريكية، لغتهم الأساسية هي الرومانية بلهجتهم الفلاكسية، وديانتهم الأساسية هي المسيحية.
البلقان الرّوما: تعدادهم 1,368,000، وهم منتشرون في أوروبا بشكل واسع، ويتركّزون في أوكرانيا وصربيا وبلغاريا، لغتهم الأساسية هي الرومانية باللهجة البلقانية عموماً، ما عدا صربيا، فلهم لهجة خاصة.
أما في أوكرانيا فلهم ديانة خاصة، وفي بقية الدول أكثرية مسيحية، ما عدا في تركيا ومقدونيا وإيران والبوسنة والهرسك ورومانيا وأفغانستان والجزائر الأكثرية مسلمة.
غجر الزرغر: يعيشون في بلغاريا (65% منهم مسيحيون بأغلبية أرثوذكسية و25% مسلمون و10% بلا دين).
غجر الكالو
غجر الكالو: تعدادهم 995,000، يتركزون وسط وجنوب إسبانيا وجزر الكناري والبرازيل، يتحدَّثون بشكل أساسي لغة المنطقة التي يعيشون فيها، وبشكل ثانوي لغة الكالو، وفي إسبانيا معظمهم بروتستانت، وفي البرازيل معظمهم رومان كاثوليك.
رومان الكاربات: تعدادهم نحو 453,000، ويتركَّزون في التشيك وسلوفاكيا، لغتهم الأساسية هي الرومانية بلهجتهم الكارباتية، وديانتهم الأساسية هي المسيحية.
مجموعة غجرية غير معروفة الاسم في البرازيل، ولا تنتمي إلى الفلاكس أو الكالو، تعدادهم 402,000، يتحدثون البرتغالية ومعظمهم روم كاثوليك.
مجموعة غجرية غير معروفة الاسم في بلغاريا تعدادهم 246,000، وعلى عكس الزرغر، لا يتحدثون اللغة الرومانية البلقانية، بل اللغة البلغارية.
51 % منهم مسيحيون بأغلبية أرثودكسية و45% مسلمون و2% ديانة خاصة و2% بلا دين.
غجر الدومر
تعدادهم الكلي نحو 2,563,000، يعيش معظمهم في سوريا والأردن ولبنان وفلسطين ومصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب والعراق وإيران والهند وتركيا وأفغانستان القوقاز وروسيا وجورجيا وأذربيجان وأرمينيا.
الأغلبية الساحقة من مسلمي السنة هناك حوالي 800 مسيحي من غجر الأردن والأراضي الفلسطينية، وينقسمون لعدّة مجموعات.
الحلَب: وهم أكبر المجموعات الدومرية، 279,000 في مصر، و39,000 في ليبيا.
النَّوَر: 273,000 في مصر "محافظة الدقهلية" و9,000 في الأراضي الفلسطينية و8,000 في فلسطين و6,400 في الأردن ويوجدون أيضاً في بادية سوريا وإيران.
الغُربَتي: في غربي إيران، ويوجدون أيضاً في سوريا والأردن.
اللولي: في غربي إيران وأوزبكستان وقيرغيزستان.
الزُّط: 57,000 في الإمارات العربية المتحدة و41,000 في سوريا و33,000 في العراق.
المهتار: في إيران محافظة فارس وكهكيلوية وبوير أحمد.
الكراتشي: في شمالي إيران والقوقاز وشمالي تركيا.
اليُرُك: في تركيا ويوجدون أيضاً في إيران.
تشوري والي: في أفغانستان وفي طاجكستان.
البراكي: في سوريا والأردن.
المزنوق: في أوزباكستان وإيران.
الإنسان والفنان والراقص والمغني والعازف
الدومر يطلقون على أنفسهم اسم "دوم" أو "ضوم"، أصل الكلمة يعود إلى أصل سنسكريتي ومعناها "إنسان فنان، راقص، مغنّ وعازف".
بينما في اللغة العربية يطلق عليهم العديد من الأسماء مثل:
- القرباط أو الغرباتي ومعناها الغرباء.
- النَّوَر بسبب كثرة ملابسهم الملونة.
- الغوازي.
- الحجيات.
هذه الأسماء والتقسيمات بعضها مهينة وتستخدم كاهانة، ولذك لا يسمح الدومر بأن يقال لهم إنهم قرباط أو نور أو حجيات وما شابه ذلك.
ثقافة الغجر تعتمد على الموسيقى والرقص
تختلف عادات وتقاليد شعوب الدوم بين القرباط والنَّوَر والغوازي والحجيات وغيرهم، فمثلاً الدوم الغوازي والحجيات كانوا يرقصون في الحفلات ويشكلون فرقاً موسيقية.
بينما الدوم القرباط يرقصون ويغنون بين بعضهم ولا يشكلون فرقاً وحفلات لغيرهم، وإنما كانوا يرقصون أمام خيامهم وفي أعراسهم فقط.
الغجريون وروايات جلد الذات
من معتقدات الغجر أن الإنسان خلق من أصول ثلاثة، وأن أجداد البشرية ثلاثة رجال، أحدهم أسود وهو جد الأفارقة، والآخر أبيض وهو جد الأوروبيين وأمثالهم من البيض، والأخير هو جد الغجر، وأن هذا الجد يسمى (كين).
وقد قتل كين شقيقه، وعوقب من الله بأن جعله هائماً في الأرض هو وذريته من بعده.
هناك رواية أخرى تقول إن سبب الشتات في الأرض والتنقل هو أن الجد الغجري قد أسرف في الخمر وثمل، ولم يستطع الدفاع عن المسيح، ورواية أخرى تقول إن الجد الغجري قد صنع المسمار في الصليب الذي أراد أعداء المسيح صلبه عليه.
كل هذه الأشياء تعطي الانطباع بأن الغجر دائماً يقفون في صفٍّ مناقض للمسيحيين، وقد تبدو هذه المواقف أحد مبررات الكراهية ضد الغجر من قبل الأوروبيين.
عاداتهم وتقاليدهم والمهن المتوارثة
أما المهن التي يمتهنونها في العادة، فهي تخضع لطبيعة حياتهم المتنقلة، فهم عادة لا يُسمح لهم بامتلاك الأراضي في الدول التي تؤويهم.
وفي غالب الأحوال تكون تجارة بيع الأحصنة والبغال والحيوانات الأخرى، وأنواع التجارة الصغيرة المتنقلة، والصناعات اليدوية كأعمال الفضة والحديد وصياغة الذهب، كما أنه عادة ما تكون تهم السرقة وانعدام الأمانة ملازمة للغجر، بسبب أسلوب حياتهم المتنقل وسلوكياتهم غير المألوفة.
كما كان الدومر يقومون بصناعة الخواتم والإكسسوارات وتشكيل تصاميم جديدة ومميزة خاصة بهم.
وكذلك كانوا يقومون بتجارة الذهب ويبيعون الملابس والأقمشة، البعض منهم كانوا يقومون بصناعة الغرابيل والسكاكين والطبول والمزمار والزرناية.
وفي غالبية الدول التي يعيشون فيها يعتمدون على عزف الموسيقى في الشوارع، ليقتاتوا منها.
كما أن سحر الغجريات منتشر جداً، حيث إن العديد من نساء الغجر يقمن بالتبصير والسحر وفتح الفأل للناس، باستخدام أصداف البحر ومراقبة النجوم، كذلك كانت بعض النساء يقمن بممارسة الوشم.
كما قام الغجر بممارسة فن طب الأسنان، يعالجون الأسنان المصابة ويصنعون لها تعويضات من الذهب أو الفضة أو العظم، ومهنة الأسنان لا تزال منتشرة عند الغجر على نطاق ضيق، وتكاد تنقرض عند الأجيال القادمة.
المرأة الغجرية
كل غجرية لها دور كبير جداً في مجتمعها، فقديماً كانت النساء الغجريات هنّ عمود الأسرة ومصدر الدخل الرئيسي قبل الرجل.
فقد كان دورهن في المجتمع بأن يعملن لكي يحافظن على أسرهن، ولكن بعد استقرارهم قلّ دور المرأة، وخفضت مرتبتها في المجتمع، وصار الرجل هو عمود البيت ومصدر الدخل الأساسي للأسرة.
ملابس الغجر
في السابق كان من السهل تمييز الغجر من ملابسهم، فقد كان النساء يلبسن الملابس الفضفاضة والمزركشة بالعديد من الورود والألوان الفاتحة، خاصة الغجر في مصر والغجر في العراق والغجر في المغرب، إضافة لغجر الجزائر.
كما كانت النساء يقمن بالرسم على وجوههن بالوشم الأخضر ويضعن غطاء رأس شفافاً جداً، كن يربطنه بربطة عادة تكون باللون الأسود والأحمر.
وكذلك كانت بعض النساء يجدلن شعورهن ويضعن بها شرائط من خيوط ملونة.
وأما الرجال فكان لباسهم يشبه الزِّي العثماني، وفيما بعد صاروا يلبسون كالعرب.
وأما في الوقت الحاضر فمن الصعب تمييزهم، لأنهم انخرطوا في باقي المجتمعات، وتخلّوا عن عاداتهم وتقاليدهم القديمة، وصاروا يلبسون كباقي الشعوب.
الزواج لدى الغجر
عادات الزواج تختلف عند شعوب الغجر من دومر وقرباط ونَور وحجيات وغوازي وغيرهم، ولكن عند أكثرهم كان الزواج مبكراً، حيث إن الأب والأم يقومان بتجهيز العريس والعروس للزواج.
وحينها يحتفلون بهما حوالي 7 أيام، وفي كل يوم كانوا يدقون على الطبل والزرناية، وأعراسهم كان يحضرها آلاف الأشخاص من الغجر من عدة أماكن ومدن، وكل عائلة كانت تأتي للعرس كانت تجلب معها الطعام والهدايا.
لكن في الوقت الحالي لا يقومون بالرقص والاحتفال لمدة 7 أيّام، وإنما ليومين فقط.
قبل ليلة الدخلة تكون هناك ليلة الحنة، حيث يضعون الحنة للعروس والعريس، حينها ترتدي العروس فستاناً لونه مميز، وأما في ليلة العرس فترتدي العروس فستاناً أبيض كالعادة، مع شريط أحمر على الخصر مثل الأتراك.
ودائماً ما تكون أعراس الغجر مختلطةً بين الرجال والنساء، ويقومون بالرقص والدبكة معاً على ألحان وأغانٍ متنوعة مثل العربية والكردية والتركية والدومرية وغيرها.
قديماً عندما كان الغجر متنقلين، كانوا يبنون خيمة للعرسان بعيداً عن الخيام الأخرى، وكل ثلاثة أيام كانوا يقومون بتقديم خيمة العرسان قليلاً، إلى أن تصل عند الخيام الأخرى.
ولكن الآن، بما أن جلهم يسكنون في المنازل والشقق، فقد اختفت هذه العادة القديمة لديهم.
كما أن الطلاق عندهم نادر جداً، ولكن قديماً كانت لديهم عادة تسمى "كروا"، أي أن أحد الزوجين يخاوي الآخر، ويجعله كأخ أو أخت، ويبقى يعيش معه بنفس المنزل.
عادات الوفاة عند الغجر
عند وفاة شخص من الدومر يقمن النساء بالنعي والغناء للميت بنبرات صوت حزينة، وبعض النساء قديماً كنّ يقصصن شعورهن إذا كان الميت أحد أقاربهن، وأيضاً يرتدين الملابس السوداء لمدة سنة كاملة.
كما أن هناك عادات أخرى مثل حرق عربة الشخص المتوفى، أو في الأوقات العصيبة يقومون ببناء خيمة وحرقها عوضاً عن عربته.
كما لا يتناول الغجر الطعام أو الشراب قبل دفن الغجري، ويقوم 3 أشخاص بحراسة المتوفى من الأرواح الشريرة، وقد استمرت هذه العادات حتى 1915.
وأيضاً عادة ما يكون الكفن واسعاً، لاحتوائه على ممتلكات المتوفى بجانبه، كما يقومون بإلباسه أحسن الأزياء لديه.
أما المرأة فتدفن معها جميع ممتلكاتها الثمينة، إلا إذا كان لديها بنات من دم غجري خالص، حينها يرثن تلك الممتلكات.
في السابق أيضاً عند موت شخص كان الغجر يضعون إناء ماء عند فراش الميت، اعتقاداً أن روحه ستعود ليشرب الماء، ولكن هذه العادة اختفت من عندهم في أواخر سبعينيات القرن الماضي.