أُطلق صاروخان من قطاع غزة تجاه إسرائيل ليل الخميس 14 مارس/آذار 2019.. الطائرات الإسرائيلية شنت هجمات صاروخية هي الأعنف منذ 2014 ضد القطاع. هذا السياق يبدو متسقاً مع طبيعة الأمور بين القطاع منذ سيطرة "حماس" عليه وتل أبيب، ولكن نظرة أكثر عمقاً إلى ما حدث ربما تكشف أبعاداً أخرى.. فما هي؟!
إطلاق عن طريق الخطأ!
طبقاً للجيش الإسرائيلي، وبحسب صحيفة "جيروزاليم بوست"، فإن "الصاروخين اللذين أُطلقا من قطاع غزة نحو تل أبيب، على الأرجح تم إطلاقهما بطريق الخطأ". هذا التقييم المبدئي للجيش الإسرائيلي أكد احتمالية حدوث الإطلاق في أثناء عملية صيانة دورية كان يقوم بها أفراد من "حماس".
هذا التقييم من جانب الجيش الإسرائيلي تم بمجرد إطلاق الصواريخ، أي قبل ساعات من شن الطائرات الإسرائيلية غاراتها المكثفة على أكثر من 100 هدف داخل القطاع، بحسب تقرير الصحيفة.
نفي قاطع من "حماس" و "الجهاد"
على الجانب الآخر ومنذ اللحظة الأولى لإطلاق الصاروخين، سارعت "حماس" بنفي قيامها بمهاجمة تل أبيب، مؤكدة أن الصاروخين أُطلقا في أثناء اجتماع لقادة "حماس" مع وفد أمني مصري.
وقال الجناح العسكري لـ "حماس" في بيان: "تؤكد كتائب الشهيد عز الدين القسام عدم مسؤوليتها عن الصواريخ التي أُطلقت الليلة باتجاه العدو، خاصة أنها أُطلقت في الوقت الذي كان يُعقد فيه اجتماع بين قيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والوفد الأمني المصري حول التفاهمات الخاصة بقطاع غزة".
من جانبها، نفت حركة الجهاد الإسلامي وبقية الفصائل الفلسطينية داخل القطاع مسؤوليتها عن إطلاق الصاروخين.
ورغم التقييم بأن الصاروخين انطلقا بطريق الخطأ، والنفي القاطع من "حماس" وبقية الفصائل، شن الطيران الحربي الإسرائيلي هجمات مكثفة استهدفت أكثر من 100 هدف بقطاع غزة، في أعنف قصف يتعرض له القطاع منذ الحرب بين الطرفين في صيف عام 2014.
فتِّش عن الانتخابات!
لا بد إذن من تفسير آخر لذلك التصعيد الإسرائيلي، الذي يبدو غير مسوغ ويأتي في توقيت كثر الحديث فيه عن صفقة القرن التي تسعى الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب إلى تنفيذها، حسب ما هو معلن.
ربما يكمن التفسير إذا ما طالعنا ردود فعل جميع الأحزاب والتيارات والسياسيين في تل أبيب والتي سارعت جميعاً، بمجرد انطلاق صافرات الإنذار في المدن الإسرائيلية، بإصدار بيانات تندد بـ "الهجوم على إسرائيل"، وتطالب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بـ "التعامل بحسم مع حماس"، كما لو أن نتنياهو يتعامل "بتساهل" مع الجانب الفلسطيني.
على سبيل المثال، نفتالي بينيت رئيس حزب اليمين الجديد قال للقناة الإسرائيلية 12، إنه "حان الوقت للتعامل مع المنظمات الإرهابية." ومن جانبه، قال بيني غانتز رئيس تحالف "أزرق أبيض" والقائد السابق للجيش، إن "إطلاق الصواريخ يتطلب رداً جاداً"، بحسب "جيروزاليم بوست".
مطالبات بـ "قطع رأس حماس"
غانتز أضاف في بيان له، تبدو لهجته غير متناسبة مع "حادث غير مقصود": "حان الوقت للتعامل مع حماس وقطع رأسها،" مطالباً نتنياهو بتكليف الجيش البدء فوراً في برنامج لـ "القضاء على حماس".
موشي يعالون، السياسي التابع لتحالف "أزرق أبيض" أيضاً، انضم إلى حفلة المطالبة بالتصعيد ضد "حماس" والقطاع، "إطلاق الصواريخ الليلة حدث خطير، وهو استمرار للإرهاب غير المقبول، وهو موجَّه بالأساس نحو المستوطنات المتاخمة لقطاع غزة"، مضيفاً أنه واثق بقدرة جنود وقيادات الجيش على اتخاذ الرد المناسب على هذا النوع من "الاعتداء على سيادتنا".
أما وزير المالية وعضو المجلس الأمني في الحكومة الحالية، فقد قال في بيان إن "الحادث الخطير سينتج عنه رد مناسب". وملاحظٌ هنا اللهجة الأكثر هدوءاً لأحد حلفاء نتنياهو، والتي بدت نشازاً وسط بيانات التنديد والتصعيد من جانب منافسي نتنياهو في الانتخابات التي باتت على الأبواب.
على نتنياهو أن يستيقظ
إيلي يشاي، رئيس حزب ياكاد، كان أكثر حدَّة في هجومه على نتنياهو، حيث قال في بيان إن نتنياهو والمجلس الأمني لا بد أن "يستيقظا"، ليريا الخطر القائم الآن.
أما أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب إسرائيل بيتنا، فقد طالب إسرائيل بـ "العودة إلى سياسة عقاب المسؤولين".
ومن جانبه، قال أورين هازان عضو "الليكود" السابق ورئيس حزب تسوميت، في بيان، إنه "لا يجب على إسرائيل الرضوخ للمنظمات الإرهابية".
تأكيدات مصرية بعدم رغبة "حماس" في التصعيد
على الجانب الآخر وعلى النقيض تماماً من بيانات التهديد والوعيد التي بدت موجَّهة نحو الناخبين، أكد الوفد الأمني المصري الذي كان يجري لقاءات مع قادة "حماس" حول ترتيبات الأوضاع في القطاع، قبل مغادرته الجمعة 15 مارس/آذار 2019، حرص "حماس" وبقية الفصائل على عدم الدخول في "مواجهة عسكرية" مع إسرائيل.
القصف الأعنف منذ 2014 سببه انتخابي
وضعُ تلك الحقائق وردود الفعل معاً، والمتمثلة في اعتراف الجيش الإسرائيلي بأن إطلاق الصواريخ حدث بطريق الخطأ، وذلك منذ الوهلة الأولى وقبل رد الفعل، ونفي الفلسطينيين في القطاع السعي إلى التصعيد مع إسرائيل، إضافة إلى مسارعة الساسة في تل أبيب للتنديد بما حدث واعتباره "هجوماً خطيراً" على أمن وسيادة إسرائيل وإلقاء اللوم على نتنياهو "لتساهله" في التعامل مع "حماس"، كل ذلك يجعل الصورة أكثر وضوحاً.
فقبل نحو 3 أسابيع من الانتخابات الإسرائيلية، تبدو فرص نتنياهو في البقاء بمنصبه ضعيفة (نظرياً على الأقل)، بسبب اتهامات الفساد التي تلاحقه، وكذلك "طول مدة بقائه في السلطة"، وهذا يفسر الصورة وراء حجم وعدد الهجمات الصاروخية على غزة، وهي رغبة نتنياهو في إيصال رسالة قوية إلى الناخبين ربما تسهم في تحسين وضعه الانتخابي بالتاسع من أبريل/نيسان 2019.