"جنزوري الجزائر"، هكذا وصف أحد المصريين الأخضر الإبراهيمي بعد الإعلان عن نية تعيينه رئيساً لمؤتمر الحوار الوطني الذي سيخطط للمرحلة الجديدة التي يتوقع أن تشهدها البلاد، وهو الأمر الذي يثير تساؤلاً هو: هل يتجنب الجزائريون أخطاء الربيع العربي؟ أم يعانون المصير نفسه.
وصف "جنزوري الجزائر" يشير تحديداً إلى التشابه بين الحالة المصرية ونظيرتها الجزائرية، حينما تجاوبت السلطة المصرية مع تظاهرات يناير/كانون الثاني 2011، وقامت بتعيين شخصيات من النظام ولكنها تحظى بقبول شعبي لقيادة المرحلة الانتقالية.
ومن بين هذه الشخصيات رئيس وزراء مصر أيام مبارك الدكتور كمال الجنزوري، الذي عيَّنه المجلس العسكري الحاكم رئيساً للوزراء خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت عزل مبارك.
ولكن في النهاية رغم الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أجريت في مصر آنذاك، فإن قلب النظام لم يتغير، وهو ما سهل من اندلاع تظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013، التي يعتبرها الكثيرون ثورة مضادة.
رجعوا (جنزورى ) الجزائر اويحى للمرة الرابعة …..!! https://t.co/AXyVQgqsNr
— Coffee man (@nasifadel) August 16, 2017
واللافت أن الجنزوري التكنوقراط المسنّ الذي تولى الوزارة في ظل قبول شعبي، بسبب ما قيل عن خلاف سابق بينه وبين مبارك، كان أول من صدر تلميح منه إلى إمكانية انقلاب مؤسسات الدولة على الديمقراطية، عندما قال للقيادي بجماعة الإخوان المسلمين سعد الكتاتني، رئيس مجلس الشعب السابق، عند أول خلاف بينهما، قرار حل المجلس في الدرج.
لهذه الأسباب إنهم لا يصدقون بوتفليقة
وكان عرضُ بوتفليقة للإصلاح، الذي أعلن عنه في خطاب نُشر دون أن يلقيه بسبب حالته الصحية، تضمَّن عقد مؤتمر لوضع دستور جديد.
وقال إن المؤتمر الذي ستتبعه الانتخابات قد يستغرق حتى نهاية عام 2019. وأثار احتمال بقاء بوتفليقة في السلطة حتى ذلك الحين غضب كثير من الجزائريين، الذين يتذكرون أن الرئيس لمَّح عدة مرات خلال رئاسته إلى إصلاحات سياسية واسعة النطاق.
في حين تقول مصادر سياسية إن الدبلوماسي المخضرم الأخضر الإبراهيمي، الأكبر سناً من بوتفليقة، مكلَّفٌ توجيه العملية السياسية؛ حيث من المتوقع أن يجلس خصوم بوتفليقة في مرحلة ما مع حلفاء الرئيس.
وذكرت المصادر أن اللاعب الآخر في أي محادثات سيكون رئيس الوزراء الجديد نور الدين بدوي.
هل يتجنب الجزائريون أخطاء الربيع العربي؟
تذهبُ كثير من التحليلات إلى أن مسيراتِ الجزائرِ تعلَّمتِ الكثيرَ من أخطاءِ الربيعِ العربيِّ التي سبقَتْها بثمَانِي سنواتٍ، لكنَّ السلطةَ الجزائرية أيضاً تعلمتِ الكثيرَ من رد فعل الحكومات العربية في أثناء الربيع العربي.
في هذا التقريرِ نرصد ملامحُ الدروسِ التي استخلصها الطرفانِ من انتفاضاتِ العرب في 2011، وكذلك أوجه التشابه بين أخطاء هذه الانتفاضات والحراك الجزائري الحالي.
مع ملاحظة أن المقارنة تتم بشكل أساسي مع مصر؛ نظراً إلى التشابه بين حالي البلدين.
فكلاهما بلد كبير، يؤدي الجيش دوراً محورياً في شؤونه، إضافة إلى أن الحراك بمصر غلب عليه الطابع السلمي، مثل الجزائر.
كما أن العملية الانتقالية في مصر أدارها الجيش ورجال الدولة، وهو احتمال يبدو السائد بالجزائر حتى الآن.
وفي الحالتين، مصر والجزائر، كانت وسيلة المحتجين الأساسية هي التحرك في الشارع.
هذه هي الدروس التي تعلَّمها الجزائريون من الربيع العربي
تثير أوجه التشابه بين أحداث الربيع العربي، خاصة ثورة يناير/كانون الثاني في مصر وحراك الجزائر، تساؤلاً واحداً في أذهان ملايين من العرب الذين شاركوا في انتفاضات العرب في عام 2011، وهو:
هل يتجنب الجزائريون أخطاء الربيع العربي؟
يرى كثيرون أنَّ حراكَ الجزائرِ مرشحاً للذهابِ أبعدَ من انتفاضاتِ الربيعِ العربيِّ.
فمتظاهرو الجزائرِ يحاولون تفادِيَ أخطاءِ الأشقاءِ في البلدان العربية المجاورة التي انتهتْ بانتصارِ الثوراتِ المضادةِ.
وهذه هي أهمُّ الدروسِ التي يطبقونها:
1- رفضُ الالتفافِ على الانتفاضة
لم يهدأِ الشارعُ الجزائريُّ بعدَ بيانِ بوتفليقة بعدمِ الترشحِ لولايةٍ خامسةٍ
فقد رأوا أنها محاولةُ تمديدِ حكمِ الرجلِ المريضِ، وحيلةٌ ساخرةٌ لنظامٍ يرفضُ التخليَّ عن سيطرتِهِ المستبدةِ.
ويبدو التشابه كبيراً هنا بين خطاب بوتفليقة وخطاب الرئيس المصري حسني مبارك الشهير، الذي قال فيه "لم أكن أنتوي الترشح للرئاسة مجدداً"، وهو الذي الخطاب الذي لاقى تجاوباً بين بعض الفئات الشعبية (غير المسيسة غالباً)، رغم رفض الشباب الثوري له في الأغلب.
ولكن ما بدد تأثير هذا الخطاب هو هجوم مؤيدي مبارك على ميدان التحرير لفض التظاهرات، فيما عُرف بـ "معركة الجمل".
2 – رفضُ تأجيلِ الانتخابات
خرج العديدُ من الجزائريين للاحتفالِ بتراجعِ بوتفليقةِ عن الترشحِ، لكنَّ الدعوةَ تجددتْ إلى التظاهرِ السلميِّ ضدَّ ما سمَّوْهُ تمديدَ العهدةِ الرابعةِ، رافضين التمديدَ وتأجيلَ الانتخاباتِ الرئاسيةِ.
وينظر الكثيرون إلى قرار تأجيل الانتخابات على أنه تمديد بشكل آخر.
ويتم تداول دعوات إلى الاحتجاج، ضد ما يقول منتقدون إنه تمديد غير دستوري للولاية الرابعة.
— hafid derradji (@derradjihafid) March 11, 2019
وقال المحامي مصطفى بوشاشي، أحد أبرز ناشطي الحراك، لـ "الأناضول": "هذه المقترحات أو القرارات تحمل في طياتها بقاء الرئيس خارج الأحكام الدستورية، وهو تمديد الولاية الرابعة (2014-2019)، والإبقاء على الحكومة، التي خدمت التزوير والفساد لعشرية كاملة (2009: 2019)".
ورأت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (أبرز تنظيم حقوقي غير حكومي)، أن "خريطة الطريق، التي تضمنها بيان الرئاسة كردٍّ رسمي على الحراك السلمي، جاءت مغايرة لتطلعات الحراك وإرادة الشعب".
3- خرجوا من أَسر المخاوف من العشرية السوداء
كان أحد أسباب عدم وصول الربيع العربي إلى الجزائر هو تخوف الجزائريين من تكرار العشرية السوداء التي شهدتها البلاد خلال التسعينيات عقب إلغاء الجيش للانتخابات البرلمانية التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
ولكن لم يعشِ الجيلُ الذي خرج في المظاهرات حربَ الاستقلالِ ولا الحربَ الأهليةَ .
وبينما ظل الجزائريون سنواتٍ يتقبلون على مضض، تمديد بوتفليقة لنفسه بشكل مستفز أحياناً، فإن ذكريات العشرية السوداء كانت تمنعهم من التحرك.
ولكن جزءاً كبيراً من المشاركين في هذا الحراك الشعبي الحالي جيل من الشباب لا يتذكر هذه العشرية، ولا تمثل له هاجساً يمنعه من التفكير في بديل لبوتفليقة، كما يقول مصدر جزائري دبلوماسي لـ "عربي بوست".
4- الاستفادةُ من قوةِ الإنترنت
الجيل الذي خرج في المظاهرات ينعمُ بِحُريةِ وسائلِ الإعلامِ الاجتماعيةِ، الإنترنت هو مصدرُ المعلومةِ والحشدِ والتعبيرِ الحرِّ.
ولقد فشلتْ محاولةُ النظامِ حجبَ الشبكةِ التي تبثُ المظاهراتِ على الهواءِ.
كما حدث استياء من التغطية الإعلامية للمظاهرات، لدرجة حدوث استقالات من إعلاميين حكوميين.
وكان اللافت موقف وكالة الأنباء الجزائرية، التي كانت قد اعترفت بأن المظاهرات تطالب برحيل بوتفليقة عكس وسائل الإعلام الحكومية والخاصة الأخرى.
ومن الملاحظ أن الربيع العربي استفاد من قوة الإنترنت أيضاً، ولكن منذ 2011 إلى 2019، تزايدت اعتمادية الشعوب العربية عليه كوسيلة إتصال بشكل كبير.
5- توحّدُ المعارضة.. حتى لو كان إلى حين
لأولِّ مرةٍ في تاريخِ الجزائرِ الحديثِ تتوحدُ المعارضةُ.
فقد أجمعتِ المعارضةُ الجزائريةُ على رفضِ الولايةِ الخامسةِ، ثم أجمعت المعارضة الجزائرية على انتقاد قرار عبد العزيز بوتفليقة انسحابه من الترشح للرئاسيات وتأجيل الانتخابات.
وتوالت تعليقات أحزاب معارِضة بعد الرسالة التي وجهها الرئيس إلى الشعب الجزائري، الإثنين 11 مارس/آذار 2019
وقال رئيس حزب طلائع الحريات، علي بن فليس، إن الجزائر عاشت "تعدياً بالقوة على الدستور بالإعلان عن تمديد العهدة الرابعة".
وأوضح بن فليس في أول رد فعل له على قرارات عبد العزيز بوتفليقة، أن تمديد العهدة الرابعة هو "تمديد من قوى غير دستورية والتي تبقى مستولية على مركز صنع القرار".
ورأت حركة مجتمع السلم أن الإجراءات التي اتخذها الرئيس بوتفليقة، والمتعلقة بتأجيل الانتخابات والعدول عن الترشح لعهدة خامسة، التفاف على إرادة الجزائريين.
وقال إن هذه الإجراءات لا تتوافق مع المبادرة التي عرضتها الحركة على الرئاسة والمعارضة بكل شفافية ووضوح.
6- انضمامُ قطاعاتٍ كبيرةٍ رسمياً إلى الانتفاضةِ
رفضَ القضاةُ المشاركةَ في انتخاباتٍ يترشحُ فيها بوتفليقةُ بعدَ حجْبِ التغطياتِ الأمينةِ لغضبِ الشارعِ الجزائريِّ، وانضمتْ إلى الحِراكِ نقاباتٌ في التعليمِ والصحةِ والصناعةِ والمحاماةِ.
كما انضم إلى الحراك كثير من المناضلين في الثورة الجزائرية.
ولكن هذه التحركات من قِبل هذه المجموعات النافذة هل جاءت بشكل عفوي أم أن هناك من حرّكها من داخل النظام؟
7- الحِراكُ السِّلْمِيُّ
أدركَ الشعبُ الجزائري أن السلاحَ الأقوى هو النضالُ السلميُّ والإضراباتُ.
سِلْمِيَّةُ الحِراكِ الجزائريِّ قطعتِ الطريقَ على الانتقامِ الأمنيِّ العنيفِ بحُجةِ حمايةِ البلادِ من التخريبِ.
واللافت أن المتظاهرين والشرطة على السواء بذلوا جهوداً كبيراً للحفاظ على سلمية التجمعات.
8- رفعُ سقفِ المطالبِ تدريجياً
أولى التظاهراتِ بدأتْ بإسقاطِ الترشحِ للعهدةِ الخامسة.
إلا أن السقفَ يرتفعُ الآنَ في اتجاهِ المطالبةِ بإسقاطِ النظامِ، وتشكيلِ مجلسٍ تأسيسيٍّ، وحكومةٍ بلا مشاركةِ مساعِدِي بوتفليقة.
9- تطويرُ أساليب الاحتجاج
يتوقعُ كثيرون أن يُطوِّرَ المحتجون أسلوبَهُم وأن يتحولَ الحراكُ الشعبيُّ إلى عصيانٍ مدنيٍّ شامل بمجردِ إعلانِ المجلسِ الدستوريِّ عن المرشحين للرئاسياتِ المقبلة.
10- استهدافُ الدولةِ العميقة
يثبتُ المتظاهرون كلَّ يومٍ أنَّ نضالَهُم ليسَ ضدَّ بوتفليقةِ بشخصِه، وإنما ضد دولةِ جنرالاتِ الجيشِ والجهازِ الأمنيِّ ونخبةِ المال "المؤسسةِ" كما يُسمِّيها الشارعُ الجزائريُّ منذُ عقود.
وبينما تشتهر المنطقة العربية بدور الجيوش عامة في الحكم، فإن الجيش الجزائري يعد أكثرها قوة في هذا المجال.
وعكس النموذج المنتشر في الدول العربية التي يسود فيها حكم الرئيس استناداً إلى سيطرته على الجيش، فإن الجزائر كان الجيش فيها في الأغلب هو الحاكم في حين كان الرئيس هو الواجهة.
وقد ظهر هذا واضحاً في اجتماع نحو 180 ضابطاً عقب فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ في مطلع التسعينيات، وإجبارهم الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد على إلغاء نتيجة الانتخابات والاستقالة، لتدخل البلاد مرحلة ما يعرف بـ "العشرية السوداء".
وخلال هذه الفترة كان الجيش الجزائري هو المتحكم الفعلي في كل رؤساء الجزائر، ويعتقد أنه تخلص من بعضهم، وضمن ذلك محمد بوضياف، الذي يقال إنه تعرض للاغتيال من قِبل الجيش، حسبما يقول مصدر جزائري مطلع لـ "عربي بوست".
إلا أن مجيء بوتفليقة إلى الحكم قلل من نفوذ الجيش الجزائري، ولكن لم يقضِ عليه.
وكان داعمه الرئيسي في المؤسسة العسكرية هو الجنرال قايد صالح رئيس الأركان، حسبما قال المصدر لـ "عربي بوست".
11- رفضُ أيِّ دُميةٍ للدولةِ العميقة
تستعدُ الحكومةُ لطرحِ مرشحٍ رئاسيٍّ آخر، وتتعهدُ بإصلاحاتٍ سياسيةٍ تطفِئُ غضبَ الشباب، لكنَّ المتظاهرين يعتقدون أن بوتفليقةَ ليس سوى دميةٍ للدولةِ العميقة، ولن يقلَّ الغضبُ بظهورِ مرشحٍ آخرَ مدعومٍ من المجموعةِ الحاكمة.
ومنذ البداية، يرى كثير من المحللين أن هناك مرشحين خفيّين للنظام، وأن النظام وضع من خلال ترشيحهم سيناريو بديل في حال عدم ترشح بوتفليقة.
وتشير بعض التحليلات إلى الجنرال علي غديري على أنه مرشح النظام الخفي، رغم تصريحاته المعادية لبوتفليقة.
واللافت أن غديري عندما نزل إلى التظاهرات قابله المتظاهرون بشعار "ارحل" الذي يوجه إلى بوتفليقة.
12- إنهم يحاولون تجنب الخطأ الأكبر للربيع العربي.. أخيراً بدأوا في اختيار قيادات
بهدف تنظيم صفوفهم وتوصيل صوت المتظاهرين، اختار النشطاء الجزائريون المحتجون محامين إصلاحيين بارزين ونشطاء حقوقيين لقيادة الحراك الشعبي ضد ما يعتبرونه "حكماً شمولياً منفصلاً عن نبض الشارع".
وقال فضيل بومالة، أحد زعماء المحتجين، لـ "رويترز": "نحن نرفض التفاوض مع النظام على فترة انتقالية، لا مفاوضات"، مضيفاً: "ميزان القوى في مصلحتنا، وسنعمل على تعزيز حركتنا، نحن بحاجة إلى مواصلة الضغط مدة تصل إلى 3 أسابيع".
لكنَّ النظامَ أيضاً تعلَّمَ الدرسَ.. 4 مشاهد رأيناها في مصر تتكرر بالجزائر
لا يعتبرُ النظامُ نفسَهَ على وشكِ السقوط؛ فالمجموعةُ الحاكمةُ حول بوتفليقةِ لا تزالُ تحظى بولاءِ الجيش، وتحاولُ الانتقالَ بنعومةٍ إلى مرحلةِ ما بعدَ بوتفليقة.
ويبدو هذا واضحاً في رد فعل النظام.
واللافت هو التشابه بين كثير من القرارات التي اتخذها النظام وما حدث خلال فترة الربيع العربي، خاصة في مصر.
أولاً: محاولة امتصاص الحراك
سارع النظام بالإعلان عن عدم ترشح بوتفليقة قبل تصاعد المظاهرات.
وأعلن عن قرار تأجيل الانتخابات الرئاسية وإطلاق حوار وطني، وهي قرارات من شأنها تهدئة المتظاهرين، ولكنها لا تُعتبر دستورية.
تذكّرنا هذه القرارات بإعلان الرئيس المصري محمد حسني مبارك أنه كان لا ينوي الترشح.
ثانياً: طرح شخصيات تحظى بالاحترام
قدَّم النظام الجزائري للخروج من الأزمة شخصيات محسوبة عليه، ولكن تحظى باحترام بالشارع الجزائري وحتى في الأوساط الدولية.
على رأس هذه الشخصيات الدبلوماسي المرموق الأخضر الإبراهيمي، الذي تولى عدة مرات دور المبعوث الأممي في أزمات لبلدان أخرى.
فقد بات في شبه المؤكد أن يقود الدبلوماسي الأخضر الإبراهيمي الفترة الانتقالية بالجزائر، من خلال رئاسته للمؤتمر الوطني (الندوة الوطنية)، الذي "سيرسم مستقبل الجزائر السياسي"، بإشرافه على انتقال السلطة ووضع الدستور الجديد وتحديد موعد الانتخابات الرئاسية في الجزائر.
المبعوث الأممي ووزير الخارجية الأسبق، الأخضر الإبراهيمي، كان من بين أولى الشخصيات التي استقبلها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بُعيد إعلانه عدم الترشح لولاية خامسة وتأجيل انتخابات 18 أبريل/نيسان 2019.
المفارقة أن جهود الإبراهيمي لم تكلَّل بالنجاح في الأزمات الكبرى التي كان مفوضاً رفيع المستوى في التعامل معها مثل الأزمة السورية، أو العراق في فترة ما بعد الغزو الأمريكي.
كما تم تعيين الدبلوماسي المرموق رمطان لعمامرة وزيراً للخارجيةِ.
وقال لعمامرة إن الجزائرَ تعرفُ أكبرَ تحوُّلٍ في تاريخِها منذُ الاستقلالِ 1963.
وأضافَ أن المسؤوليةَ التاريخيةَ على الشعبِ، خاصةً الشبابَ، لبناءِ المستقبلِ الأفضل.
وتذكّرنا استعانة السلطة الجزائرية بهذه النوعية من التكنوقراط الذين يحظون بالاحترام، باستعانة المجلس العسكري في مصر بالمستشار طارق البشري نائب رئيس مجلس الدولة لرئاسة لجنة التعديلات الدستورية، وبالدكتور نبيل العربي وزيراً لخارجية مصر بعد الثورة.
وكذلك الاستعانة بالدكتور كمال الجنزوري، الذي كان رئيساً للوزراء أيام مبارك، ليعيد المجلس تنصيه رئيساً للوزراء في عهد الثورة، وقبله الدكتور عصام شرف الذي كان وزيراً للنقل ثم أصبح رئيساً للوزراء بعد الإطاحة بمبارك.
ثالثاً: مغازلة الشباب.. أنتم الوزراء ونحن الأمراء
على غرار الربيع العربي، فإن الشباب يقوم بالدور المحوري في حراك الجزائر.
وعلى غرار بعض الأنظمة الحاكمة خلال فترة الربيع العربي، مثل المجلس العسكري بمصر يغازل الحكم في الجزائر الشباب.
فقد أعلن رئيس وزراء الجزائر الجديد، نور الدين بدوي، الخميس 14 مارس/آذار 2019، أنه سيشكل حكومة خبراء ستشمل الشبان والشابات الذين يخرجون في مظاهرات حاشدة للضغط من أجل تحولات سياسية سريعة.
وأضاف بدوي: "فيما يخصّ الحكومة، نحن بصدد تشكيلها والتشاور فيما يخصّها، ونقول بصدق إن هذه التشكيلة ستكون تشكيلة تمثل كل الطاقات، خاصة الشبان من بنات وأبناء وطننا".
ويعيد هذا الإعلان مواقف مشابهة للربيع العربي.
فبعد ثورة يناير/كانون الثاني في مصر، دعا المجلس الأعلي للقوات المسلحة شباب الثورة إلي حوار مفتوح حول مجمل القضايا المطروحة علي الساحة الداخلية، وأكد المجلس أن جميع الائتلافات مدعوَّة إلى الحوار دون إقصاء لأي فصيل، بحد أقصى 10 أفراد من كل ائتلاف.
وبالطبع امتلأت القاعة المخصصة للحوار بمئات الشباب الذين يعلنون انتسابهم إلى القوى الثورية، دون أن يمكن تحديد من هو الثوري فعلاً أو من هو المدَّعي، علماً أن بعض قيادات ما يُعرف بالقوى الثورية الشبابية تبين أنها على علاقة وثيقة بالأمن، ظهرت بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي.
وتثبت تجربة الربيع العربي أنَّ تولي قوى شبابية أو ثورية مناصب وزارية لا يعني على الإطلاق أنهم يسيطرون على مقاليد الأمور.
محمد كمال : الجبهة الديقراطية فصلت طارق الخولي وكتبت بيان بأنه يتعامل مع الامن ضد الحركة #منذرعليوة… https://t.co/XC4wf1kpKP
— قناة الشرق (@ElsharqTV) August 4, 2016
رابعاً: الجيش والشعب يد واحدة
مع تصاعد الاحتجاجات على ترشح بوتفليقة وحتى قبل إعلانه عدم الترشح، حمل خطاب قائد أركان الجيش الأخير، الفريق أحمد قايد صالح، نبرة جديدة، في ظل حراك شعبي متصاعد ضد ولاية خامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
إذ تجسدت تلك النبرة في حديثه عن "العلاقة الوطيدة" بين الجيش وشعبه، وعدم التطرق إلى "إنجازات بوتفليقة (82 عاماً)، وعدم التحذير من المسيرات الشعبية، وإن لم يخلُ من رسائل تحذيرية أخرى، قبل انتخابات 18 أبريل/نيسان 2019.
في حين، كان قايد صالح قد حذر في 26 فبراير/شباط 2018، مما قال إنها "نداءات مشبوهة، ظاهرها التغني بالديمقراطية وباطنها جرّ هؤلاء المغرَّر بهم إلى مسالك غير آمنة، بل غير مؤمنة العواقب".
لكن هذه المرة، وخلال لقائه قادة وطلبة في الجيش داخل أكاديمية "شرشال" العسكرية غرب العاصمة، قال صالح إن "الجيش سيعرف كيف يكون في مستوى المسؤولية المطالَب بها في الظروف كافة".
ويذكّر هذا الموقف بشعار "الجيش والشعب يد واحدة" الذي رُفع في بدايات الثورة المصرية.
هل يعني ذلك أن الجزائر بدأت نسختها من الربيع؟
ثمة فوارق بين ثورات الربيع العربي واحتمالية نشوب نسخة ثانية من الربيع العربي في الجزائر، حسبما يرى موقع Lobe Log الأمريكي.
ذلك أنَّ تظاهر عشرات الآلاف من المواطنين في العلن موقف بالغ الأهمية بالنسبة للجزائر، وتسلط الأسابيع الثلاثة الماضية من المظاهرات الضوء على مدى ما تواجهه الحكومة من تحدٍّ كبير.
ومع ذلك، فإنَّ مثل هذه المظاهرات ليست بالضرورة علامة على أنَّ الحكومة على أعتاب السقوط من السلطة كما حدث في دول العربي الأخرى.
فالمجموعة الحاكمة حول بوتفليقة لا تزال تحظى بولاء الجيش الجزائري. ويمكنها أيضاً أن تعتمد على حلفاء بالخارج، لا سيما في الغرب، وروسيا أيضاً.
ومن الواضح أنَّ قيادة الجزائر لم تتوقع اندلاع هذه المظاهرات. والآن، فإن المسؤولين في الجزائر العاصمة ينتقلون إلى الخطة البديلة لفترة ما بعد بوتفليقة، من خلال محاولة إيجاد استراتيجية قابلة للتطبيق، للحفاظ على الاستقرار في البلاد قبل تصاعد المظاهرات العامة.