فشلت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي للمرة الثانية في كسب تأييد البرلمان البريطاني لتمرير اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، إذ رُفض الاتفاق هذه المرة بأغلبية 149 صوتاً.
ويأتي ذلك بعدما أخفقت المحادثات التي أجرتها ماي في اللحظات الأخيرة مع زعماء الاتحاد الثلاثاء 12 مارس/آذار في تبديد مخاوف منتقديها. وهنا، يضع التصويت خامس أكبر اقتصاد في العالم في حالة غموض دون سبيل واضح للمضي قدماً، حيث بات الخروج من الاتحاد دون اتفاق أو تأجيل موعد الانفصال المقرر في 29 من مارس/آذار أو إجراء انتخابات مبكرة أو حتى إجراء استفتاء آخر، كلها أمور محتملة الآن.
ماذا سيحدث بعد ذلك؟
كما وعدت ماي مسبقاً، ستكون الخطوة التالية تقديم اقتراحات في أيام متتالية لاحقة لمعرفة أولاً ما إذا كان النواب يريدون استبعاد خيار مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي دون التوصّل إلى اتفاق، ومن ثمَّ، إذا كانوا يريدون ذلك، ما إذا كانوا يرغبون في تأخير الخروج وتمديد المادة 50، التي تنص على أن أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي راغبة في الخروج من الاتحاد يتعين عليها التفاوض على ذلك خلال مدة لا تتجاوز سنتين إلا في حالة موافقة جميع الدول الاعضاء الأخرى على تمديد هذه الفترة.
وبحسب صحيفة The Guardian البريطانية، سيكون للمحافظين حرية التصويت على خيار الخروج دون اتفاق. وأكَّدت ماي أنَّ تصويت الثلاثاء 13 مارس/آذار 2019، لن يستبعد خيار تنفيذ "بريكست" دون اتفاق إلى الأبد، بل فقط في الوقت الراهن. وقالت إنَّه إذا رفض النواب استبعاد خيار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، سيصبح الأمر سياسة حكومية رسمية.
ماذا يعني هذا بالنسبة لتريزا ماي؟
أياً كان ما سيحدث، لا يُعد أخباراً جيدة. إذ إنَّه من غير المسبوق خسارة رئيس وزراء بريطاني التصويت مرتين على نحوٍ "مخزٍ" في مجلس العموم البريطاني لتمرير سياسة رئيسية لحكومته، ومن شأن حدوث ذلك في أي حقبة سياسية أخرى أن ينذر بطرده الوشيك من "داونينغ ستريت"، حيث يوجد مبنى رئاسة الوزراء.
كانت هناك تكهنات تفيد بأنَّ ماي قد تستقيل إذا خسرت التصويت مرة أخرى. وعلى الرغم من عدم فعلها ذلك، أُضعف موقفها بشدة والتحديات لحكمها قادمة لا محالة. في الوقت الحالي، يركّز النواب البريطانيون على السعي لصياغة آلية "بريكست" ملائمة، وقد يرغب عدد قليل منهم في تولي مهمة ماي الشاقة. لكن -كما هو الحال مع كل شيء في هذه القضية- يمكن أن تتغيّر الأحداث بسرعة كبيرة.
هل تستطيع تقديم خطة مجدّداً؟
هذا أمر ممكن. رفض المتحدث باسم ماي فكرة إقصائها، وذلك خلال تصريحات أدلى بها بعد رفض التصويت لأول مرة، مؤكّداً على إيمان رئيسة الوزراء بأنَّ مغادرة الاتحاد الأوروبي باتفاق هي الخيار الأفضل، وأنَّ الخطة المُقدّمة من جانبها هي أفضل خطة معروضة. وأضاف أنَّ النواب كان يتعيَّن عليهم اتَّخاذ بعض "القرارات المهمة للغاية".
إلى متى يمكن تأخير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟
هذا يعتمد على عدة أمور ليس أقلها ما إذا كان النواب يدعمون ذلك أم لا. تُصرّ ماي بتعنّت على أنَّه إذا كان سيحدث فترة توقف مؤقتة، يجب أن تكون وجيزة، بحيث لا تمتد ليتطلّب الوضع مشاركة المملكة المتحدة في الانتخابات الأوروبية المقبلة، التي من المقرر إجراؤها في غضون 10 أسابيع. لكن أي اقتراح برلماني بشأن تمديد المادة 50 سيكون قابلاً للتعديل، وقد يتبنى البرلمان وجهة نظر أخرى.
معارضون يريدون خروجاً دون اتفاق
لعب الأعضاء المحافظون المتشدّدون من المجموعة الأوروبية للأبحاث ERG Group (وهم مجموعة من البرلمانيين المحافظين المؤيدين للبريكست) حيال دعم بريسكت دوراً رئيسياً في رفض خطة ماي، وقد صرَّح رئيس المجموعة، جاكوب ريس موج، للصحفيين سلفاً بأنَّه يفترض أنَّ الخطوة التالية ستكون تنفيذ بريكست دون اتفاق. ومع ذلك، يُعد هذا الخيار مقامرة كبيرة، لاسيما وأنَّ الإجماع يشير إلى وجود عدم قبول عام يقارب نسبة الأغلبية داخل مجلس العموم لمثل هذا الخروج. وحذَّر النائب المحافظ نيك بولز مجموعة ERG قبل التصويت من أنَّهم إذا صوتوا ضد خطة ماي، سيفعل بقية أعضاء الحزب "كل ما بوسعهم ضدهم"، بما في ذلك تأخير مغادرة الاتحاد الأوروبي وجهود مشتركة بين مختلف الأحزاب للسعي من أجل الوصول إلى تصويت أغلبية لدعم اتفاق بريكست أكثر سلاسة.
هل يمكن أن تسعى ماي للتوصل إلى اتفاق بريكست أكثر سلاسة؟
على ما يبدو "لا"، على الأقل ليس بعد الآن. أكَّد المتحدث باسم ماي، بعد التصويت، مجدداً على معارضة رئيسة الوزراء لأي صفقة بريكست تتضمن إبقاء المملكة المتحدة رهينة اتحاد جمركي دائم مع الاتحاد الاوروبي. في الوقت نفسه، أشار الاتحاد الأوروبي إلى أنَّه لا يرغب في إجراء مزيد من المحادثات.
ما هي الخطوة التالية لحزب العمال البريطاني؟
بينما لا يزال الضغط من أجل إجراء استفتاء ثانٍ من بين المطالب الرسمية للحزب، تحدَّث جيريمي كوربين، رداً على هزيمة ماي داخل البرلمان، بشكل أساسي عن الضغط من أجل تمرير خطة البريكست الخاصة بحزبه- والتي تتضمن عضوية في اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي أو مقترح إجراء انتخابات عامة. لكن مرة أخرى، يمكن أن تتغير الأمور سريعاً، لاسيما أنَّ أولئك النواب الداعمين لإجراء استفتاء ثان لم يتخلّوا عن تلك الفكرة.
هل يمكن إجراء انتخابات عامة؟
هذا ما كان يحذّر بعض المحافظين الموالين لماي من حتمية حدوثه إذا خسرت التصويت الأخير. من المرجح أن يكون طرح ذلك الخيار مقصوداً ليخدم بمثابة تحذير إضافي لمتمردي حزب المحافظين المحتملين. لا تزال احتمالية إجراء انتخابات عامة ممكنة، لكن ذلك سيشمل تمديد المادة 50 لفترة أطول مما تريد الحكومة.
لكن في ظل ذلك كله، ما الأثر الاقتصادي لاستمرار الأزمة؟
تعد المملكة المتحدة خامس أكبر اقتصاد وطني في العالم، وبالتالي للبريكست تأثير كبير على أسواق العالم، حتى إنها لو لم تنهَر، فإن المستقبل المجهول أمر سيئ بما فيه الكفاية. والأسواق بطبيعة الحال تحب الاستقرار. والأسواق غير المستقرة تعني آثاراً سيئة محتملة على اقتصادات الدول.
وبحسب رويترز، توقعت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، أن يؤثر البريكست سلباً على دول الشرق الأوسط وإفريقيا من خلال الأسواق والتجارة والمساعدات. وبحسب الوكالة، فإن آثار الأمد القصير قد تأتي من خلال اضطراب السوق، في حين قد يؤثر تباطؤ النمو البريطاني والأوروبي سلباً على اقتصادات الشرق الأوسط وإفريقيا في وقت تعاني فيه بالفعل من ضغوط شديدة، مشيراً إلى أن عشر دول من بين 29 دولة مصنفة في المنطقة قد أعطيت نظرة مستقبلية مستقرة.
وأوضحت "فيتش" أن أبرز الآثار الفورية المترتبة على اضطرابات البريكست، يظهر في زيادة عزوف المستثمرين عن المخاطرة، في حين يتوقف التأثير على مدى الاندماج مع النظام المالي العالمي. وبسحب الوكالة، فإن أزمة البريكست المستمرة منذ 2016 ستؤدي أيضاً إلى استمرار ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي أمام معظم العملات المعومة في الأسواق الناشئة، وهو ما سيزيد من أعباء الدين وخدمته على الدول ذات الميزانيات المثقلة بديون كبيرة مقومة بالدولار.