بعدما اشترت الخبز لأمها، اقترب ثلاثة رجال ملتحين من فتاةٍ عراقية هلا كاظم في الثالثة عشرة من عمرها بينما كانت تستقل دراجتها عائدةً إلى المنزل.
وقال الرجال للفتاة إنَّها يجب ألَّا تخرج من منزلها وإنَّها ستجلب العار لعائلتها.
ومنذ تلك اللحظة، لم يُسمَح للفتاة بركوب دراجتها أو اللعب خارج المنزل.. تلك الفتاة هي هلا كاظم التي صارت في ما بعد جنديةً تابعة للجيش الأمريكي.
وقالت هلا: "كانت الدراجة بالنسبة لي تُمثِّل حريتي. ومنذ ذلك اليوم، لم أكن أفعل شيئاً سوى المكوث في غرفتي أو مساعدة أمي في المطبخ. كنت في الثالثة عشرة من عمري، لكنني لم أعد آنذاك فتاةً صغيرة".
وذكرت هلا أنَّها وجدت نفسها منفصلةً عن قريناتها بمرور السنوات.
إذ قالت: "في المدرسة الثانوية، كانت الفتيات يتحدثن عن العثور على زوجٍ ويحلمن بأن يصبحن زوجاتٍ وأمهات. لكنني كنت متعلقةً بالقصص التي كان أبي وأمي يحكيانها لي عن الماضي حين كانت المرأة تتمتَّع بحريةٍ أكبر في السعي وراء أحلامها. كنت أريد أن أكون أستاذةً جامعية".
لكنَّها ذكرت أنَّ هذه الأحلام صارت مُعلَّقة في عام 2003
إذ قالت: "كنت في السادسة عشرة من عمري حين وقع الغزو الأمريكي للعراق، وعُلِّقَت الدراسة، ولم نتمكن من إنهاء امتحاناتنا النهائية. كانت هناك مرحلة من الهدوء في بداية الغزو، ولكن بعد ذلك بوقتٍ قصير، بدأت التفجيرات والهجمات، كان الوضع مخيفاً".
وعلى الرغم من ارتباك عائلتها وخوفهم، ذكرت هلا أنَّهم كانوا سعداء برؤية تغييرٍ محتمل، لا سيما وأنَّ والدها كان ضابطاً عسكرياً عراقياً.
وقالت: "كانت عائلتي مؤيدة للحرب؛ لأننا كنا ضد النظام القديم ونريد التحرُّر منه. إذ لم يكن مسموحاً لنا بامتلاك أطباق أقمار اصطناعية أو هواتف محمولة، كنا نشعر بأننا منعزلون عمَّا يجري في العالم، وكان السفر مستحيلاً، لا سيما بالنسبة لعائلةٍ لديها فردٌ عسكري. لذا أردنا التغيير".
ومع أنَّها كانت مُحاطة بغزو العراق في مراحله الأولى، ذكرت هلا أنَّها واصلت التركيز على دراستها، وأكملت المرحلة الثانوية، وتخرَّجت من الكلية بدرجة الماجستير في العلوم الفيزيائية.
طوال حياتي لم أشعر قط بأنني متساوية مع الرجال
وقالت: "بعد الحصول على الماجستير، عملت لدى الجيش الأمريكي في وزارة الخارجية.
وقد عملت آنذاك مع مجموعةٍ كبيرة متنوعة مذهلة من موظفي الأمم المتحدة.
دائماً ما كنت مهتمة بالانضمام إلى الجيش. كنت أرغب في خدمة الولايات المتحدة، وأردت الانضمام إلى منظومةٍ من شأنها أن تحدث فرقاً، وبالنسبة لي، كان الجيش الأمريكي هو هذه المنظومة".
وفي أثناء عملها في السفارة الأمريكية في العاصمة العراقية بغداد، حصلت هلا على تأشيرتها وانتقلت إلى العاصمة الأمريكية واشنطن.
في أبريل/نيسان من عام 2015، وبدعمٍ من عائلتها وتشجيع والدها لها على الانضمام إلى الجيش، انضمَّت هلا إلى الجيش الأمريكي وعملت اختصاصيةً في وحدة الإمدادات.
وقالت: "طوال حياتي لم أشعر قط بأنني متساوية مع الرجال، لكن في الجيش الأمريكي، تمكنت من تحرير جسدي وعقلي عبر المساواة التي أظهروها.
كنت في الثامنة والعشرين من عمري عندما خضت تدريباً أساسياً ومتقدماً. كان تحدياً جسدياً صعباً بالنسبة لي، لكنني كنت أريد ذلك، لذا بذلت قصارى جهدي، وقد غيَّر ذلك حياتي بالعديد من الطرق الرائعة".
وبعدما أكملت تدريبها الأوَّلي، عُيِّنَت هلا في السرب الثالث في فوج الفرسان الحادي والستين بالفريق القتالي في لواء المشاة الثاني في فرقة المشاة الرابعة في قاعدة فورت كارسون بولاية كولورادو.
قصة حياة العرِّيفة هلا كاظم مُلهمةٌ للآخرين
وقالت: "أشعر بأنني محظوظةٌ لتمركزي في فورت كارسون، إنَّها منطقة جميلة والقاعدة رائعة. الانضمام إلى إحدى وحدات سلاح الفرسان تجربةٌ مذهلة وفريدة من نوعها، وكذلك فإنَّ مجد الوحدة وتاريخها فريدان من نوعهما حقاً".
وبعد انضمام هلا إلى الوحدة، سرعان ما لاحظت قيادتها العليا نشاطها وتحفُّزها.
إذ قال الرقيب أول جاسان ويفر، وهو القائد الأول المتطوع للسرب الثالث في فوج الفرسان الحادي و الستين، إنَّ "قصة حياة العرِّيفة هلا كاظم مُلهمةٌ للآخرين. فهي شخصيةٌ تتمتَّع بالمرونة، وتتخذ خطواتٍ لمساعدة أولئك الذين يحتاجون إلى مساعدةٍ كي يتمتعوا بالحرية والقدرة على اختيار طريقة حياتهم".
وذكر ويفر، الذي كان رقيباً وشارك في عملياتٍ لمكافحة التمرد في بغداد أثناء زيادة عدد من القوات الأمريكية في العراق، أن وجود هلا ضمن أفراد قوته يمنحه هو والجنود الآخرين الذين كانوا مشاركين في زيادة القوات الأمريكية في العراق شعوراً بالفخر بأنَّ جهودهم وعملهم في العراق قد أحدثت فرقاً.
اكتسبت هلا خبرةً في مساعدة مواطني دولة أخرى
وقال: "انتقال مواطنٍ من العراق أو أفغانستان إلى الولايات المتحدة ثم انضمامه إلى الجيش الأمريكي يعزز هدفنا المتمثل في تخليص المواطنين المضطهدين في العالم ومنحهم فرصةً لعيش حياةٍ أفضل. هناك شرف وفخر في السرب الثالث في فوج الفرسان الحادي والستين بوجود جنديةٍ مثل العريفة هلا كاظم -التي تدافع عمَّا تؤمن به- بين أفراده كي تحرص على ردِّ الجميل للجنود الذين ساعدوها سابقاً في الحصول على حياة أفضل".
ومنذ شهر فبراير/شباط الماضي، اكتسبت هلا خبرةً في مساعدة مواطني دولة أخرى.
إذ نُشِرَت مع أفراد وحدتها كي تصبح جزءاً من مجموعة Multi-National Battle Group-East في كوسوفو التي تعمل مع قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) لإجراء عمليات أمنية والتعامل مع السكان المحليين في البلاد.
وقالت هلا: "مهمتي الرئيسية في هذا الانتشار هي ضمان توافر كل الإمدادات التي تحتاج إليها وحدتي، لكنني حصلت على فرصة الخروج مع (فرق مراقبة الاتصال) والتعرُّض لتعاملاتهم مع السكان المحليين".
وذكر ويفر أنَّ تجربة هلا الشخصية جعلتها مرشحاً مثالياً للانضمام إلى القوات المنتشرة، وكنزاً ثميناً لها.
إذ قال: "تُقدِّم هلا وجهة نظر السكان المحليين، الذين لا يُفهمهم الجنود في بعض الأحيان جيداً لأنَّهم نشأوا في الولايات المتحدة. لذا فوجهة نظرها تُمكِّن الجنود الذين لم يُنشروا في دولةٍ أخرى سابقاً من اكتساب فهمٍ واضح للغاية العُليا من سعي قوات الناتو إلى حفظ السلام بين جماعتين عرقيتين رئيسيتين في كوسوفو".
وذكرت هلا أنَّ تجربة الانتشار هناك كانت فريدةً من نوعها، وأنَّها وسَّعت مداركها.
ممتنة لهذه التجربة المدهشة حتى الآن
إذ قالت: "المواطنون هنا يعانون مشكلاتٍ بسبب البطالة وقيود السفر يمكنني فهمها لأنني عاصرت مثلها حين كنت في العراق. فحين أسمع مديرة مدرسة أو فتاة عمرها 15 عاماً تتحدث عن مدى حبها لرؤية الجنود الأمريكيين يساعدونهم ومدى امتنانها لوجودنا هنا، أشعر بالمكافأة على عملي وأتذكر لماذا أردت الانضمام إلى الجيش الأمريكي".
ومع تبقي بضع سنوات في عقدها مع الجيش الأمريكي، ذكرت هلا أنَّها لا تعرف ما خطوتها التالية، لكنها ممتنة لهذه التجربة المدهشة حتى الآن.
إذ قالت: "ذهبت من مكانٍ تُعامل فيه النساء على أنَّهن من الدرجة الثانية إلى مكانٍ يرى فيه القادة الذكور أنني شخص نشيط، ويضعونني في مكانة عالية بغض النظر عن نوعي الجنسي. لقد كنت محظوظة بمقابلة رجال ونساء رائعين في رحلتي، وقد أصبحوا قدوة لي مدى الحياة".