قالت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية إن السلطات السعودية عملت على تخفيف القيود على السياحة المفروضة على الزوار الأجانب، بما في ذلك الأمريكيون، لتسهيل السياحة بغرض المساعدة على تنويع اقتصاد المملكة المعزولة، وذلك بحسب أشخاص منخرطين في هذه الجهود.
وبحسب الصحيفة الأمريكية فإنَّ مسؤولين سعوديين يخططون للسماح لمواطني الولايات المتحدة ومعظم أوروبا واليابان والصين، إما بالدخول بلا تأشيرة للمملكة بغرض السياحة، أو الحصول على التأشيرة عند الوصول، وذلك بنهاية هذا العام. وتهدف هذه الجهود لجعل زيارة السعودية سهلة بنفس قدر سهولة زيارة المقاصد السياحية العربية المجاورة مثل دبي.
وسوف تمثل هذه الخطوة تقدماً في خطة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لتحرير الاقتصاد، ومساعدة المملكة على نفي سمعتها بوصفها مكاناً تصعب زيارته، وذلك في خضم الجهود الرامية إلى تحسين صورة السعودية دولياً. وبحسب الأشخاص المطلعين على هذا الأمر، فإنَّ الأمير محمد بن سلمان قد اعتمد هذه الجهود.
ولطالما استضافت السعودية ملايين الحجاج المسلمين الذين يزورون مكة والمدينة، وهو ما يعد مصدراً مهماً للدخل للحكومة السعودية، لكن البلاد ليس لديها نظام واسع للسياح غير الدينيين بخلاف مواطني جيرانها الخليجيين.
تراجع الاقتصاد السعودي
وقد تسارعت خطط السياحة هذه خلال فترة ضعف للاقتصاد السعودي الذي يمر بانكماش، وتناقص أرباح الشركات بسبب الضرائب الجديدة، وتقليص الدعم وهجرة العمال الأجانب منخفضي الرواتب.
وتباطأ الاستثمار الأجنبي بشكل كبير، بعد أن انتاب الشركات القلق بفعل التصرفات السعودية العدوانية تجاه السياسة الخارجية، وبعد سجن رجال أعمال سعوديين بتهم فساد، ومقتل الصحفي جمال خاشقجي في إسطنبول على يد عملاء من الحكومة السعودية، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وقال مسؤول سعودي كبير إنّ مبادرات السياحة لا تزال "في أيامها الأولى"، ويتعين الانتهاء من الكثير منها في الشهور القادمة.
ومع أنَّ السعودية تستضيف ملايين الحجاج وعدداً كبيراً من العمال الأجانب من ذوي الدخول المنخفضة، فإنها لطالما أبعدت نفسها عن السياح الأغنياء. إذ كان زعماء البلاد يخشون من صدامات ثقافية بسبب انتشار الملتزمين بنمط محافظ من الإسلام هنا. وساعدت القيود السياحية أيضاً المملكة في الإبقاء على سيطرة صارمة على الحجاج.
وقال الأشخاص المنخرطون في خطة التأشيرة، التي لم يعلن عنها بعد، إنَّ بناء صناعة سياحة تمضي قدماً على وجه السرعة.
والخميس الماضي، وافق مجلس الوزراء السعودي على خطط لنظام تأشيرة سياحية إلكترونية للزوار الساعين إلى حضور مناسبة خاصة في المملكة.
ونظمت السلطات السعودية، في الشهور الأخيرة، سلسلة من الفعاليات التي تستهدف جذب السياح الأجانب، بما في ذلك سباق سيارات فورمولا إي، وبطولة غولف احترافية، وحفلات غنائية ضمت أندريا بوتشيلّي على أطلال منطقة العلا، وهي مركز تجاري عربي قديم. وشمل الضيوف سعوديين وسياحاً أجانب صدرت لهم تأشيرات خاصة.
وقال الأشخاص المطلعون على هذه الجهود إنَّ السلطات السعودية بدأت في تدريب الضباط السعوديين على التعامل مع السياح وتوفير الأمن لهم. وقال هؤلاء الأشخاص إنَّ المملكة جددت وزارتها الحكومية التي تتعامل مع السياحة، بعد أن وضع ولي العهد واحداً من مستشاريه المقربين، وهو أحمد الخطيب، ليكون مسؤولاً عن هذه الجهود.
وتقدم السعودية تأشيرة سياحية، لكنها قليلاً ما تمنحها، وتكون بشكل عام للمجموعات، وينبغي لهم طلبها مسبقاً بأسابيع، وأن يكون ثمة دليل سعودي معتمد من الحكومة.
وقال الأشخاص المطلعون إنَّ تخفيف القيود على السياحة لن يمتد إلى تأشيرات العمل ولا التأشيرات الدبلوماسية وتأشيرات التجارة، التي سوف تظل خاضعة لسيطرة شديدة من الحكومة.
مشكلات قد تعرقلها
وتواجه خطة السياحة هذه مشكلات. ذلك أنَّ السماح بالمزيد من الزوار الدوليين سوف يكون اختباراً لمملكة لا تسمح بالمشروبات الكحولية وعادة ما تطلب، حتى من النساء الأجانب، ارتداء العباءات. ومع أنَّ السعودية تحظى بشواطئ بكر ومناطق ساحلية، لكنَّ الحمامات الشمسية العامة والشواطئ المختلطة ممنوعة، بحسب الصحيفة الأمريكية.
كما أنَّ للمملكة القليل فحسب من البنية التحتية للسياحة فيما يتجاوز الحج.
ومن ثم، فإنَّ هذه الخطط يمكن أن تخرج عن مسارها أو يجري تأجيلها، مثل معظم الأجندة الاقتصادية للأمير محمد. فالاكتتاب العام لشركة النفط الوطنية كان من المفترض له أن يحدث عام 2018 لكنه جرى تأجيله حتى عام 2021، في حين جرى تخفيض مشروعات عملاقة لتطوير الطاقة الشمسية وتأجيلها.
لكن يبدو أنَّ ثمة زخماً لجهود السياحة هذه. إذ التقى ولي العهد، منذ وقت قريب، بمسؤولي السياحة الأجانب الذين أخبروه أنَّ صناعة السياحة في المملكة لا يمكنها النمو ما لم تخفف القيود.
ويعتمد نجاح مشروع نيوم الذي أطلقه محمد بن سلمان وهو مدينة منتجعات جديدة على ساحل البحر الأحمر، على توافد السياحة الدولية. ويرى المسؤولون السعوديون أيضاً فرصاً سياحية في رحلات السفاري الصحراوية في منطقة الربع الخالي الشاسعة، وفي الجولات الأثرية في المناطق التي تعود لعصور ما قبل الإسلام في العلا، وفي أكبر مدنها: الرياض وجدة.
الكشف عن التراث في الجزيرة العربية
وقالت كارين يونغ، الأستاذة المقيمة المتخصصة في الشرق الأوسط بمؤسسة أمريكان إنتربرايز، وهي مركز بحثي في واشنطن، إنَّ السياحة الدولية من شأنها أن تساعد في الكشف عن المزيد من التاريخ والآثار التي تعود لعصور ما قبل الإسلام للمنطقة، وهو ما جرى إهمال الكثير منه منذ أن ضم آل سعود معظم شبه الجزيرة العربية إلى مملكة واحدة في بدايات القرن العشرين، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وقالت يونغ: "إنَّ هذا أخذ بعين الاعتبار لماض لا يمكن الاقتصار في تعريفه على آل سعود فحسب. وهذا أمر مثير للغاية. فهذا شيء لم يدققوا فيه قط حقاً بوصفهم أمة".
وتأتي هذه الحملة للمزيد من السياحة الدولية في وقت تحاول فيه الحكومة أيضاً تطوير صناعة السياحة للسعوديين أنفسهم. إذ لطالما كان يغادر مواطنو المملكة بلادهم لقضاء العطلات، منفقين أموالهم في الأحياء الفخمة في لندن وفي منتجعات الألب الجبلية.
وكذا فإنَّ الحكومة تنفق عشرات المليارات من الدولارات وتحشد الدعم من الشركات المحلية لبناء مراكز ترفيه محلية، بما في ذلك بناء متنزه ترفيهي كبير يدعى القدية خارج الرياض.
وقال الأشخاص المنخرطون في هذه الجهود إنَّ تخفيف قيود التأشيرات سوف ينطبق على معظم الدول الإسلامية، مع استبعاد دول كبيرة ذات أغلبية مسلمة مثل مصر وباكستان، بسبب المخاوف من أن الوصول الحر للمملكة من الدول المسلمة سوف يؤدي إلى غمر مواقع الحج بالزوار.
وقال أولئك الأشخاص إنَّ السلطات السعودية سوف تكون قادرة على منع الأمريكيين أو الفرنسيين المسلمين من أداء الحج دون تأشيرة مناسبة.
وقالوا أيضاً إنَّ الحكومة سوف تراقب الزيارات إلى الكعبة بغرض العمرة. لكنَّ هذا أمر أقل أهمية. إذ حددت الحكومة هدفاً ضخماً بزيادة زيارات العمرة من 6 ملايين زيارة عام 2016 إلى 30 مليون زيارة عام 2030.