اندلعت تظاهرات على غرار الربيع العربي، في ثالث أكبر مورّد للغاز الطبيعي لقارة أوروبا. بعد أن نزل آلاف الشباب الجزائري إلى الشوارع، بعد أن سأموا من وجود الرئيس الثمانيني الذي يتربع على عرش البلاد منذ 20 عاماً، ومن ضعف الاقتصاد الذي لا يولد ما يكفي من الوظائف.
وفي حين أنَّ هذا التعبير النادر عن السخط العام قد تسبَّب في أزمة سياسية في دولة الجزائر الشمولية، فإن صادرات البلاد من الطاقة لم تتوقف على الإطلاق ولم يلحق بها أي ضرر، بحسب ما نشرت وكالة Bloomberg الأمريكية.
ماذا يجري في الجزائر؟
يقول المتظاهرون إنّ الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، الذي يبلغ من العمر 82 عاماً، ينبغي ألا يترشح لفترة رئاسية خامسة في الانتخابات المزمع عقدها في أبريل/نيسان المقبل.
تمكَّن بوتفليقة، الذي أصيب بجلطة عام 2013، ولم يظهر منذ ذلك الحين على الملأ إلا قليلاً، من إخماد مظاهرات أصغر حجماً، اندلعت عند ترشحه عام 2014، باستخدام مزيج من خراطيم المياه لتفريق التظاهرات وإدخال تحسينات على السلع المدعمة وتحسين الرواتب.
غير أنّ تلك "الرشا" ستكون أشد وطأة على الاقتصاد الجزائري في الوقت الحالي، بسبب أنّ البلاد التي تعد أكبر منتج للنفط والغاز في إفريقيا ما زالت تتعافى من آثار انخفاض أسعار النفط الخام، الذي استمرَّ لأربعة أعوام. كما أنّ معدلات التضخم فيها تشهد زيادة، ومن المتوقع أن تنخفض احتياطاتها النقدية إلى 67 مليار دولار، بعد أن كانت 117 مليار دولار عام 2014، وفقاً للبيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي.
في حين تؤكد أرقام الصادرات والواردات الجزائرية، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، أن الخزينة خسرت الكثير، بعد تقليص دول الاتحاد الأوروبي وارداتها من الجزائر من الغاز بصفة خاصة، والطاقة بصفة عامة.
في السياق، وصلت نسبة البطالة في عهد حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بين الشباب إلى 28% والنمو الاقتصادي وصل إلى 1.6% فقط في العام الماضي. يشكو الجزائريون من تآكل قوتهم الشرائية، نظراً إلى أن الدينار فقد قيمته.
هل ستتأثر صادرات النفط والغاز؟
هذا أمرٌ بعيد الاحتمال، فوفقاً لريكاردو فابياني، المحلل لدى شركة Energy Aspects للاستشارات البحثية: "بسبب وجود الأغلبية العظمى من منشآت النفط والغاز في المناطق النائية، البعيدة عن المراكز العمرانية، والخالية تقريباً من السكان، فإن احتمالية وجود خطر لتعطل الصادرات منخفضة".
وتعد الجزائر من صغار منتجي النفط لدى منظمة أوبك؛ إذ تضخ حوالي مليون برميل من النفط الخام يومياً. وتخطط لتعزيز إنتاجها من الغاز الطبيعي، التي تصدره باستخدام السفن وعبر أنابيب إلى إيطاليا وإسبانيا.
بماذا يخبرنا التاريخ عن الجزائر؟
كانت "العشرية السوداء" التي شهدت حرباً أهلية اندلعت بعد أن ألغى الجيش فوز الإسلاميين في انتخابات عام 1991، بالغة القسوة على المدنيين، غير أنّها لم تعرقل عمل قطاع الطاقة.
وواصلت شركات أجنبية، من بينها BP Plc وTotal وRepsol الاستثمار في مشروعات في الجزائر، واكتمل بناء خط الأنابيب الممتد إلى إسبانيا بتكلفة 2.3 مليار دولار أمريكي عام 1996. ومع ذلك فإنَّ المخاطر الأمنية ليست مستبعدة في الجزائر، ففي عام 2013 قتل مسلحون على صلة بالقاعدة 40 عاملاً في مجمع عين أميناس لإنتاج الغاز، الذي تديره Statoil وBP وشركة Sonatrach المملوكة للدولة.
ما تأثير ذلك على مشروعات الطاقة؟
تُخطط الجزائر لإنشاء حقول غاز بحرية وبرية، وبدء نشاط تجاري، وبناء وتطوير المصافي وتعزيز إنتاجها من البتروكيماويات. ويتوقف التوسع في هذه الأنشطة على استقرار القيادة السياسية ووضع مجموعة جديدة من القوانين يمكنها جذب المستثمرين الأجانب، علماً أنّ قطاع الطاقة في الجزائر قد تناوب على إدارته، منذ عام 2010، خمسة وزراء، كما شهدت شركة Sonatrach تبدل منصب الرئيس التنفيذي ست مرات في الفترة نفسها.
لكن، تزيد الاحتجاجات الحالية من خطر حدوث "شلل في قطاع النفط والغاز وسلسلة من التغييرات بهدف إرضاء المتظاهرين"، على حد قول فابياني. وأضاف: "يمكن لأمر كهذا أن يقوض جهود المسؤولين الذين يحاولون منذ مدة إعادة هيكلة قطاع الطاقة".
في السياق السياسي، دعت المفوضية الأوروبية، الأربعاء، إلى احترام "حرية التعبير والتجمع" في الجزائر، وقالت مايا كوشيانتشيتش المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية في بروكسل: "عندما نتكلم عن التظاهر، نذكر بأن حرية التعبير والتجمع مدرجة في الدستور الجزائري". وأضافت "ننتظر التحقق من ممارسة هذه الحقوق سلمياً، وأن تضمن في إطار دولة القانون".
وشدَّدت المسؤولة الأوروبية على "أهمية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر"، وعلى تعهُّد بروكسل العمل على "مواصلة ترسيخ علاقاتنا بهدف إنشاء قضاء مشترك من الاستقرار والديمقراطية والازدهار"، بحسب تعبيرها.