هل فعلاً حاول محمد بن سلمان الانقلاب على والده؟ الأمر قد يكون حيلة من الأمير الشاب

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/06 الساعة 11:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/30 الساعة 17:08 بتوقيت غرينتش
Saudi Arabia's Crown Prince Mohammed bin Salman talks with Saudi Arabia's King Salman bin Abdulaziz Al Saud during the Gulf Cooperation Council's (GCC) Summit in Riyadh, Saudi Arabia December 9, 2018. Bandar Algaloud/Courtesy of Saudi Royal Court/Handout via REUTERS

حالة من الغموض والارتباك باتت تهيمن على سياسة المملكة العربية السعودية بعد عقود استقرارها داخلياً وخارجياً، لكن الأمر تغير عقب وصول ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى منصبه قبل عام ونصف.

عام 2017 وبعد تقلّد محمد بن سلمان منصبه رسمياً عقب إزاحة ابن عمه الأمير محمد بن نايف، كانت الأمور تسير في البلاد على ما يرام وكان ولي العهد الشاب يقدم نفسه خارجياً على أنه القائد المصلح، غير أن الأمر تبدل عقب جريمة اغتيال الصحفي السعودي المرموق جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده بتركيا.

هذه الجريمة دفعت الملك سلمان -الذي كان يهيئ نجله لكي يصبح ملكاً- للعودة مرة أخرى إلى دائرة الضوء بإجراء تعديلات على هيكل جهاز الاستخبارات المتورط في عملية الاغتيال، لكن الأمر يبدو أنه أزعج الأمير الشاب.

فبحسب مصدر خاص لصحيفة The Guardian البريطانية، هناك مؤشرات متنامية على وجود خلافٍ كبير بين الملك سلمان وولي عهده وأن حاشية الملك حذرته من محاولة انقلاب ضده يقودها ولي العهد كان آخرها في مصر الشهر الماضي، لكن هناك مَن يرى أن هذا الخبر بحد ذاته يقف وراءه الأمير محمد بن سلمان نفسه.

ولعل ضبابية المشهد في القصر الملكي التي لا يمكن أن ترجح رأياً على آخر فيما يتعلق بما ذكرته الصحيفة البريطانية أو يراه مهتمون بأخبار العائلة المالكة.

وبالعودة إلى خبر صحيفة الغارديان، فإن خلافاً كبيراً بين الملك وولي عهده حول عددٍ من قضايا السياسة المهمة في الأسابيع الأخيرة، بما فيها الحرب باليمن، واغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في تركيا.

أسباب الخلاف

وتابع المصدر للصحيفة البريطانية قائلاً إنَّ التوتر يتراكم منذ مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في تركيا، وهي العملية التي أفادت تقارير بأنَّ وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) خلُصت إلى أنَّها تمت بأمر الأمير محمد. لكن وفقاً لرواية تفصيلية من أحد المصادر، زادت تلك التوترات بصورة كبيرة في أواخر فبراير/شباط الماضي حين زار الملك (83 عاماً) مصر وحذَّره مستشاروه من أنَّه يواجه خطر تحرُّكٍ محتمل ضده.

كانت حاشية الملك قلقة للغاية من التهديد المحتمل لسلطته لدرجة أنَّ فريقاً أمنياً جديداً يتألف من أكثر من 30 من الموالين المُنتَقين بعناية من وزارة الداخلية سافروا إلى مصر ليحلوا محل الفريق الذي كان موجوداً فعلاً.

وأضاف المصدر أنَّ تلك الخطوة اتُّخِذَت كجزءٍ من ردٍّ سريع، وعكست المخاوف من أنَّ بعض أفراد الطاقم الأمني الأصلي ربما كانوا موالين للأمير.

وأضاف المصدر أنَّ مستشاري الملك رفضوا أيضاً أفراد الأمن المصريين الذين كانوا يحرسونه أثناء وجوده في مصر.

الصحافي السعودي الراحل جمال خاشقجي/ رويترز
الصحافي السعودي الراحل جمال خاشقجي/ رويترز

وقال المصدر إنَّ الاختلاف في العلاقة بين الأب والابن برزت حين لم يكن الأمير بين مُستقبِلي الملك عند عودته إلى البلاد، بحسب الصحيفة البريطانية.

إذ أكَّد بيانٌ صحفي رسمي يذكر أسماء الضيوف في المطار بالرياض أنَّ الأمير محمد لم يكن من بينهم، ما يُعزِّز التكهُّنات بأنَّ الهدف من ذلك كان التوبيخ الواضح لولي العهد.

ووافق ولي العهد، الذي عُيِّن "نائباً للملك" كما هو معتاد أثناء زيارة الملك لمصر، على تغييرين كبيرين في الموظفين أثناء وجود الملك خارج البلاد. تضمَّن التغييران تعيين سفيرة لدى الولايات المتحدة، هي الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان، وتعيين شقيق ولي العهد، الأمير خالد بن سلمان، نائباً لوزير الدفاع.

وأدَّى هذا التعيين الأخير إلى تركيز السلطة أكثر في يد هذا الفرع من الأسرة الحاكمة.

فمع أنَّ التغييرات كانت مطروحة منذ فترة، قال المصدر إنَّ الإعلان صدر دون علم الملك، الذي غضب بشدة بسبب ما اعتقد أنَّها خطوة سابقة لأوانها لرفع الأمير خالد إلى مكانة أبرز، بحسب الصحيفة البريطانية.

ويُعلَن عن التعيينات الملكية باسم الملك دائماً تقريباً، لكنَّ الأوامر الملكية الصادرة يوم 23 فبراير/شباط كانت مُوقَّعة من جانب "نائب الملك".

وبحسب The Guardian فإن الملك وفريقه علموا بالتعديلات عبر التلفزيون.

الملك تدخَّل لتصحيح المسار

وبحسب الغارديان، كان الملك يحاول إصلاح بعض الضرر الذي لحق بالمملكة جرَّاء عملية قتل خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ودفع أنصار الملك إياه للانخراط بصورة أكبر في عملية صنع القرار، لمنع ولي العهد من الحصول على مزيدٍ من السلطة.

وقال متحدثٌ باسم السفارة السعودية في واشنطن الإثنين 4 مارس/آذار للصحيفة البريطانية: "من المعتاد أن يُصدِر ملك المملكة العربية السعودية أمراً ملكياً بهدف تفويض سلطة إدارة شؤون الدولة إلى نائبه، ولي العهد، كلما سافر إلى الخارج. وكان ذلك هو الحال أثناء زيارة الملك سلمان الأخيرة إلى مصر".

وقال إنَّ الإعلانات أصدرها الأمير محمد بصفته نائب الملك ونيابةً عنه. وأضاف المتحدث: "أي تلميح إلى عكس ذلك ببساطة لا أساس له".

ولم يرد المتحدث على أسئلة متكررة بشأن التغييرات التي شهدها الفريق الأمني السعودي للملك حين كان في مصر. ولم يُعلِّق كذلك على رفض الأمن المصري الإضافي، الذي قِيل إنَّه يعكس علاقة الملك المرتبكة مع رئيس البلاد، عبدالفتاح السيسي.

ولم يرد مسؤول بوزارة الخارجية المصرية على طلبٍ للتعليق، كما لم يرد متحدثٌ باسم مركز التواصل الدولي في السعودية.

الملك انتظر حتى يعود

وبحسب الصحيفة البريطاينة، فإنَّ الملك نُصِح بعدم مناقشة المسألة مع القادة الآخرين أو مع ابنه حتى يعود إلى البلاد.

وأغضب الأمير محمد البعض، الشهر الماضي، حين سار فوق الكعبة في مكة، وهو أقدس موقع في الإسلام، ما أدى إلى شكاوى للملك من جانب بعض علماء الدين الذين يرون أنَّ تلك الخطوة كانت غير ملائمة، وذلك بحسب شخص مُطّلِع على المسألة.

وقال المصدر إنَّ ولي العهد والملك مختلفان كذلك بشأن قضايا السياسة الخارجية المهمة، بما في ذلك التعامل مع أسرى الحرب في اليمن ورد الفعل السعودي تجاه الاحتجاجات في السودان والجزائر.

وبحسب المصدر،  فإنَّ الملك اختلف مع نهج الأمير محمد المتشدد لقمع المحتجين. ومع أنَّ الملك ليس إصلاحياً، يُقال إنَّه دعم تغطيةً أكثر حرية في الصحافة السعودية للاحتجاجات في الجزائر.

الملك سلمان بن عبد العزيز / رويترز
الملك سلمان بن عبد العزيز / رويترز

قال بروس ريدل، وهو مدير مشروع الاستخبارات بمعهد بروكنغز والمخضرم الذي عمل بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لثلاثين عاماً: "هناك مؤشرات دقيقة لكن مهمة على وجود شيءٍ ما خاطئ بالقصر الملكي. حين يكون ولي العهد سليماً، يُتوقَّع منه أن يستقبل الملك حين يعود إلى البلاد من رحلة خارجية، فهذه إشارة على الاحترام واستمرارية الحكومة. ستراقب الأسرة المالكة عن كثب ما يعنيه هذا"، بحسب الصحيفة البريطانية.

قال محللٌ آخر إنَّه يمكن أن يكون أُسيء تفسير الموقف.

فقال نيل كويليام، الزميل المساعد في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمعهد تشاتام هاوس، إنَّه حتى لو اتخذ الأمير محمد القرار للقيام بتعييناتٍ في الموظفين في غياب والده، فإنَّها تتماشى مع السياسة المُتَّفق عليها للقيام بتغييراتٍ في السفارة السعودية في واشنطن.

وأضاف كويليام: "لكنَّ هذا من شأنه الإشارة إلى رغبة محمد بن سلمان في المضي قدماً بالتغيير واستعداده لتأكيد سلطته. رأينا اختلافاتٍ بين الرجلين، لاسيما حول قضية القدس، لكن يستبعد أن يضغط محمد بن سلمان بقوة ضد والده، بالنظر إلى أنَّه لا يزال معتمداً على دعمه باعتباره مصدراً للشرعية"، كما تقول الصحيفة.

وأضاف أنَّه في حين أنَّ غياب الأمير عن استقبال الملك في المطار خروج عن قواعد البروتوكول، فقد تكون هناك أي أسباب لغيابه.

هل محمد بن سلمان بالفعل سرَّب الخبر؟

لكنْ ثمة رأي مختلف تماماً عما ذكر سلفاً، إذ يزعم حساب عبر تويتر يتابعه نحو 2 مليون شخص ويرى نفسه على دراية بشؤون القصر أن صحيفة الغارديان البريطانية وقعت في الفخ الذي نصبه لها الأمير محمد بن سلمان.

وغرَّد حساب مجتهد قائلاً:

ويرى مجتهد أن الغارديان وقعت في الفخ كما حدث مع وكالة رويترز وقعت في نفس الفخ مرتين وهما:

ولعل ما يدعم ما يقوله حساب مجتهد، وهو أن ولي العهد ما زال يحتاج دعم الملك أمام باقي أعضاء الأسرة الحاكمة الذين يكنّ عدد كبير منهم البغض حيال ولي العهد بسبب احتجاز عدد منهم في فندق الريتزكارلتون مثل الملياردير الوليد بن طلال ووزير الحرس الملكي متعب بن عبد الله.

الحجة التي يستند عليها أصحاب هذا الرأي وهي أنه في حال غياب الملك سلمان لأي سبب سواء كانت الوفاة أو العزل ربما يعجل هذا الأمر بالإطاحة بولي العهد في أي وقت.

أيضاً ربما يحاول ولي العهد أن يثبت بهذا التسريب، إذا ما سلَّمنا بما قاله حساب مجتهد، أن الملك سلمان لا يعاني من أي أمراض خاصة تلك التي تتحدث عن إصابته بالزهايمر مما يعني عدم قدرته على إدارة البلاد ومن ثَم قد يمنح ذلك المعارضين لمحمد بن سلمان من أبناء عمومته التدخل فيما يعرف بهيئة البيعة، وربما قد يلجأون إلى عزل الملك سلمان ونجله، مثلما حدث قبل ذلك مع الملك سعود بن عبد العزيز عام 1964 بسبب الخلاف بين ولي العهد حينها الأمير فيصل بن عبد العزيز، ومن ثَم يبرز الأمر على أنه صراع بين الملك ونجله، وأن ولي العهد يخشى من نفوذ والده القوي.

تحميل المزيد