مَن يدير الجزائر؟ التظاهرات كشفت الزمرة المحيطة ببوتفليقة، ولهذا السبب دفعوا به كمرشح!

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/06 الساعة 10:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/30 الساعة 17:08 بتوقيت غرينتش
رسمياً بوتفليقة يقدم ترشيحه للرئاسة الجزائرية

مع تصاعد حدة الاحتجاجات في أنحاء الجزائر ضد ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، كان الزعيم المريض يقبع في مستشفى سويسري، مع إبقاء حالته الصحية في وضع سري للغاية.

لم يتحدث بوتفليقة علناً منذ عام 2013، عندما تركته إصابة بالسكتة الدماغية مشلولاً. وفي ظهور علني نادر في العام الماضي بدأ الرئيس البالغ من  العمر 82 عاماً منكمشاً ومنحنياً وحبيساً لكرسيه المتحرك.

 صحيفة Financial Times البريطانية قالت إن مرضه واحتجابه عن الشعب، الذي يصل لحد الاختفاء، هما من الأسباب الرئيسية للاحتجاجات الضخمة في الشوارع والتي هزت الجزائر خلال الأسبوعين الماضيين، وهي الأكبر منذ أكثر من ثلاثة عقود. كما أن احتمال اضافة خمس سنوات أخرى في ظل رئيس مقعد، كان قد اُنتخب لأول مرة في عام 1999، أغضب الجزائريين الذين يرون في ترشحه إهانة.

المستفيدون من الوضع الحالي بالجزائر

يعتقد الشعب الجزائري أن السلطة السياسية في البلد الغني بالغاز، والواقعة في شمال إفريقيا، تستغلها زمرة غامضة من الشخصيات المدنية والعسكرية حول الرئيس، بمن في ذلك رجال أعمال أقوياء وشقيق بوتفليقة. وينظر المتظاهرون إلى ترشح بوتفليقة على أنه محاولة ساخرة من جانب هذه الزمرة للإبقاء على مقاليد السلطة في حوزتهم، بحسب الصحيفة البريطانية.

قال مصطفى بوشاشي، المحامي الجزائري البارز في مجال حقوق الإنسان: "لا نعرف مَن الذي يدير البلاد. من الذي يعين الحكومات والسفراء والوزراء؟ هناك أشخاص يتخذون قرارات في هذا البلد بدون صفة رسمية وبدون مساءلة".

ومن بين الأشخاص المؤثرين في النظام: سعيد بوتفليقة، الأخ الأصغر للرئيس والذي يعمل كمستشار له بالإضافة إلى كونه "حارس بوابة" الوصول إلى الرئيس، وأحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش، الذي حذر المتظاهرين مؤخراً من أنهم يدفعون البلاد التي تضم 40 مليون مواطن إلى مستقبل مجهول.

إن صنع القرار في الجزائر، منذ حصولها على الاستقلال عن فرنسا في عام 1962، يعكس تقليدياً التوازن بين مصالح العشائر المتنافسة في كثير من الأحيان داخل المؤسسة الحاكمة، بما في ذلك جيش البلاد القوي.

هل هناك من ينافس بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية/رويترز
هل هناك من ينافس بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية/رويترز

ولعل ما قاله المحامي الجزائري يتوافق مع رأي علي بن فليس رئيس وزراء الجزائر السابق ورئيس حزب طلائع الحريات المعارض، الذي قال إن الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة لم يكتب الرسالة الأخيرة التي تلاها مدير حملته الانتخابية عبدالغني زعلان، بعد تقديمه أوراق ترشح بوتفليقة لولاية خامسة على أنها رسالة من الرئيس للشعب.

وقال بن فليس في حوار مع "عربي بوست" إن الرئيس ليس هو مَن كتب الرسالة لأسباب الكل يعرفها، ويجب التحقيق فيمن كتب هذه الرسالة، معتبراً أن هذه الرسالة تعود لقوى غير دستورية.

ورأى بن فليس أن هذه القوى غير الدستورية قد استولت على القرار والحكم في الجزائر وباتت هي الحاكم الحقيقي للبلاد مؤخراً، مشيراً إلى أن الرئيس بوتفليقة مريض، متمنياً له الشفاء.

وكان بوتفليقة الموجود في سويسرا للعلاج قد تعهد في رسالة تلاها مدير حملته بأنه في حال انتخابه سيعقد حواراً وطنياً للتمهيد لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

تقليم أظافر الجنرالات

لكن هنّا أرمسترونغ، المحللة في مجموعة الأزمات الدولية للدراسة والأبحاث، حذرت مما وصفته بأنه ميل المراقبين إلى "الإفراط في التأكيد على دور الجنرالات" في الجزائر في عهد بوتفليقة.

وقالت: "خلال فترة ولاية بوتفليقة الرابعة، كانت هناك عمليات تطهير لجنرالات الجيش وداخل الشرطة من شخصيات مختلفة، والتي اعتبرت غير متوافقة تماماً مع رؤية النظام". وأضافت: "الجيش وأجهزة الاستخبارات مازالوا مهمين ولكن ليس كقطب مستقل للقوة".

وأشارت إلى نخبة اقتصادية جديدة نمت ثرواتها على مشاريع البنية التحتية الممولة من البترودولارات، وهي مجموعة نمت ليكون لها نفوذ كبير.

الأبرز من بين رجال الأعمال هو علي حداد، رئيس إحدى شركات الإنشاءات، والتي كانت واحدة من الشركات المستفيدة بشكل رئيسي من برنامج البنية التحتية الضخم في البلاد. كما يقود جمعية الأعمال الرئيسية في الجزائر، والتي تهتم بمصالح مجموعة من رجال الأعمال الذين نمت ثرواتهم في بلد لا يزال فيه الاقتصاد تحت سيطرة الدولة. 

فشل المعارضة الجزائرية في الاتفاق على مرشح توافقي/رويترز
فشل المعارضة الجزائرية في الاتفاق على مرشح توافقي/رويترز

وكان عرض بوتفليقة، الأحد الماضي، بتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة لن يرشح نفسه فيها إذا أعيد انتخابه في الانتخابات القادمة، قد قوبل برفض من قبل المحتجين، واصفين الأمر بأنه حيلة لتمديد حكم العشيرة الغامضة التي تستفيد من وجوده على رأس السلطة، بحسب الصحيفة البريطانية.

وكانت محاولات المسؤولين، بمن في ذلك رئيس الوزراء أحمد أويحيى، لتثبيط الاحتجاجات من خلال إثارة شبح الانجرار إلى العنف مثلما يحدث في سوريا، أو استحضار ذكريات الحرب الأهلية الجزائرية في التسعينات والتي أدت إلى مقتل ما يقدر بنحو 200 ألف شخص، قد فشلت.

غير أن المحللين يقولون إن قرار النخبة بتقديم بوتفليقة كمرشح عنهم أظهر إلى أي مدى وصلت الأزمة التي يعاني منها وسطاء السلطة الجزائريون.

الفشل في إيجاد البديل لبوتفليقة

وتقول داليا غانم يزبك، باحثة مقيمة في مركز كارنيغي الشرق الأوسط في بيروت، للصحيفة البريطانية: إن الدفع بالرجل الثمانيني المقعد من أجل الفوز بخمس سنوات أخرى كرئيس، وهو الذي لم يتحدث علناً منذ سنوات، أكد على الكيفية التي فشلوا بها في التوصل إلى بديل عملي يثقون به لحماية مصالحهم.

وقالت: "لا يتعلق الأمر فقط ببوتفليقة. إنه يتعلق بالمصالح المتداخلة لعشيرة كاملة، أشقائه، أناس من منطقته، النخبة من رجال الأعمال. إن الاحتجاجات تعرض النظام بأكمله للخطر، بما في ذلك مصالح البعض في الجيش وحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم".

لقد استفاد بوتفليقة من مستوى الدعم الشعبي له؛ لأن الفضل يعود إليه في إعادة الاستقرار إلى البلاد من خلال سياسات المصالحة التي اتبعها عقب المجازر التي شهدتها التسعينات. وهو أيضاً عضو في جيل يتناقص كان قد شارك في الحرب من أجل الاستقلال الذي تحقق في عام 1962، وهي معركة استغلتها الأنظمة المتعاقبة لتعطي لنفسها الشرعية.

لكن عرض الانتخابات المبكرة هذا يوحي بأن النظام قد فوجئ بحجم الاحتجاجات، وهو الآن يسعى لكسب الوقت بينما يحاول الحصول على خليفة موثوق به.

وتقول أرمسترونغ، من مجموعة الأزمات الدولية، إن المشكلة تكمن في ضعف مؤسسات مثل البرلمان الجزائري والمعارضة السياسية والقضاء، إلى درجة أنه لا يوجد سوى عدد قليل جداً من المرشحين القادرين على المنافسة.

مع استمرار الاحتجاجات قبل الانتخابات الرئاسية الشهر المقبل، تتزايد الضغوط على النخبة الجزائرية الغامضة لإيجاد مخرج من الأزمة.

وقالت أرمسترونغ: "بالنسبة لنظام معزول بشكل متزايد، أصبحت عملية الخروج بمرشح جديد صعبة، وستظل هناك ضغوط هائلة من الشارع؛ لأن الجزائريين قرروا الخروج على مسرحية الانتخابات الرئاسية".  

تحميل المزيد